صدر حديثا : كتاب : المعرفة الدينية في سياقها العلمي والتاريخي دراسة تحليلية . للكاتب السيد ايوب ناصر نعمة
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على أشرف خلقه محمّدٍ وآله الطيبين الطاهرين.
يُعدّ البحث عن المعرفة الدينيّة مفصّلاً مهمّاً في الفكر البشري، وكان ولا زال محطّ أنظار الباحثين والمفكّرين على طول الخط، وعبر قراءة فاحصة لتاريخ البشريّة لا يكاد يسجّل حقبة زمنيّة من دون دور للدّين ومعرفته، وهذا ما يقرّره علماء الآثار، وعلم الاجتماع الدّيني والبحث التأريخي.
وأمّا على النظريّة الدينيّة، فوجود الدّين تؤم مع وجود الإنسان؛ فمذ خلق الله البشريّة أنزل معهم الدّين، وهذا ما تؤكّده النصوص الدينيّة، فبعد انفصال وهبوط الإنسان إلى هذه الدنيا أعطاه الله تعالى برنامجاً للرجوع إليه، ويتمثّل هذا البرنامج بالدّين الإلهي القويم، فعبر الالتزام به يمكن له الرجوع إلى أصله وهو عالم الملكوت، وهذا فحوى قوله تعالى: {وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى}() ، و{إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى}().
يقول الحكيم ملا هادي السبزواري (ت 1289هـ) في هذا السياق: >كلّ موجودٍ بحركة الشوق والعشق يصل إلى الكمالات والغايات التي أودعها الله الحكيم فيه وما كان خلقه عبثا. وقد قال عزّ وجلّ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ}، لا ينتهي عند الوصول إلى الغايات، بل يتحرّك نحو غاية الغايات<().
ولذا ينبغي أن نأخذ هذه الخريطة من الله تعالى بواسطة الأنبياء والأئّمة (عليهم السّلام)، حتّى لا يحتمل بها الخطأ أبداً فنضلّ عن طريق الرجوع إليه تعالى؛ ولذا جاء في الحديث العظيم عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): >إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَهْلَ بَيْتِيالضلال< ضلال طريق الرجوع إليه تعالى؛ ولذا النفس المطمئنة فتح الله أمامها الرجوع إليه تعالى: {يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّة فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}()، ومنشأ هذا الاطمئنان هو الالتزام والتمسّك بالثقلين نظريّاً وعمليّاً، فلا يكفي النظري دون العملي ولا العكس، كما لا يغني الالتزام بثقلٍ دون آخر، كما نصّ عليه الحديث الشريف >إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا...بِهِمَا< فالكتاب الكريم والعترة الطاهرة على حدٍّ سواء.
وفي ضوء ما تقدّم أنّ الدّين الإلهي الحقّ والرسالة السماويّة هي خريطة الرجوع إلى الله تعالى، وعبر الالتزام بها يضمن للإنسان الرجوع إلى {ادْخُلِي جَنَّتِي}.