عاشورائيات الجزء الثالث [ هل الشيعة هم مَن قتل الحسين ؟! ]

بواسطة |   |   عدد القراءات : 828
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
عاشورائيات الجزء الثالث [ هل الشيعة هم مَن قتل الحسين ؟! ]

بقلم سماحة الشيخ حسن عطوان 

 

 سادساً :

 

نقلتْ كثير من المصادر التاريخية أنَّ ابن زياد قد زج المئات بل قيل الآف من الشيعة في السجون ، بما في ذلك أبرز زعمائهم كسليمان بن صرد والمختار وميثم التمار وعبيـد الله الكـندي وعبيـد الله بن الحارث وعبد الأعلى الكلبي والعبّـاس الجدلي وعمارة الأزدي ، وأمثالهم .

 

 وابن زياد بنفسه يعترف أنّه كان يسجن على الظنّة والشبهة ، اذ قام خطيباً في أهل البصرة فقال مادحاً لنفسه :

 

" وما تركت لكم ذا ظـنّـة أخافه عليكم إلاّ وهو في سـجنـكم " ( 12 ) .

 

وعندما يكون هذا حال القيادات بين قتل وسجن وتنكيل ، فسيصعب على الأتباع إتخاذ الموقف الصائب .

 

 سابعاً : 

 

مع كل ذلك فإنَّ العدد الأكبر من أنصار الإمام في يوم عاشوراء كان من أهل الكوفة ، فمنهم من إلتحق بالإمام في الطريق وقبل يوم العاشر كحبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وعابس الشاكري ، وبعضهم خرج مع جيش عمر بن زياد وانتقل الى معسكر الحسين في يوم العاشر ، فإنّ التاريخ وإنْ ركّز على إنتقالة الحر بن يزيد الرياحي ، لكن الحق أنّه قد انتقل في ذلك اليوم من معسكر عمر بن سعد ما يزيد عن الثلاثين رجلاً .

 

وبعبارة :

 

الذين بقوا مع الإمام الحسين الى يوم عاشوراء كانوا يزيدون عن المئة رجل بقليل وكان أغلبهم من الكوفة .

 

 مضافاً لكل ذلك ، توجد نصوص مؤكِّدة لهوية مَن أمر بقتل الإمام الحسين ومَن قتله :

 

- كتب السيد محسن الأمين في ذلك : 

 

" حاش لله أنْ يكون الذين قتلوه هم شيعته ، بل الذين قتلوه بعضهم أهل طمع لا يرجع إلى دين ، وبعضهم أجلاف أشرار ، وبعضهم اتبعوا رؤساءهم الذين قادهم حب الدنيا إلى قتاله ، ولم يكن فيهم من شيعته ومحبيه أحد ، أمّا شيعته المخلصون فكانوا له أنصاراً ، وما برحوا حتى قُتلوا دونه ونصروه بكل ما في جهدهم إلى آخر ساعة من حياتهم ، وكثير منهم لم يتمكن من نصره ، أو لم يكن عالماً بأنَّ الأمر سينتهي إلى ما انتهى إليه ، وبعضهم خاطر بنفسه وخرق الحصار الذي ضربه ابن زياد على الكوفة وجاء لنصره حتى قتل معه ، أما أنَّ أحداً من شيعته ومحبيه قاتله فذلك لم يكن ، وهل يعتقد السيد علي جلال ( 13 ) إنَّ شيعته الخلص كانت لهم كثرة مفرطة ؟ كلا ، فما زال أتباع الحق في كل زمان أقل قليل ، ويُعلم ذلك بالعيان وبقوله تعالى : ( وقليل ما هم ) ، ( وقليل من عبادي الشكور ) ، ومن ذلك تعْلم الخطأ في قوله : ثم يجددون الحزن عليه الخ ، وهذه هفوة من هذا السيد الذي أجاد في أكثر ما كتبه عن الحسين عليه السلام في كتابه المذكور ، لكنه تبع في هذا الكلام عن سلامة نية مَن يريد عيب الشيعة بكل وسيلة ويستنكر تجديد الحزن على الحسين ( عليه السلام ) في كل عام " ( 14 ) .

 

- وكتب الذهبي : 

 

" كان - ويشير الى يزيد - قوياً شجاعاً ، ذا رأي وحزم ، وفطنة ، وفصاحة وله شعر جيد وكان ناصبياً ( 15 ) ، فظّاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر ، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة ، فمقته الناس ولم يبارَك في عمره " ( 16 ) .

 

- ونقل ابن حجر : 

 

" لما ولي معاوية بن يزيد صعد المنبر فقال : إنَّ هذه الخلافة حبل الله ، وإنَّ جدي معاوية نازع الأمر أهله ومَن هو أحق به منه علي بن أبي طالب ، وركب بكم ما تعلمون ، حتى أتته منيته فصار في قبره رهيناً بذنوبه ، ثم قلد أبي الأمر وكان غير أهل له ، ونازع ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) فقصف عمره وانبتر عقبه وصار في قبره رهيناً بذنوبه ، ثم بكى وقال : إنّ من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه ، وقد قتل عترة رسول الله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) ، وأباح الخمر ، وخرب الكعبة ... " ( 17 ) .

 

الخلاصة : إنَّ دعوى أنَّ مَن قتل الإمام الحسين هم الشيعة ، هذه الدعوى يُشم منها أنَّ الغرض تبرئة يزيد وابن زياد وابن سعد والشمر وأمثالهم من جريمة مذبحة يوم عاشوراء ، أي تبرئة المجرم وتحميل المسؤولية على المظلومين عبر الدهور ( 18 ) .

 

نعم ، من الواضح أنَّ الشيعة بالمعنى الأخص كانوا أكثر بكثير من الذين ناصروا الإمام في يوم عاشوراء ، فأين كانوا ؟؟

 

وجوابه : أنّه وبعد أن سُجن أغلب زعماء الشيعة ، وبعد تعرضهم للتهديد والتنكيل ، وبعد منْع الإمام من دخول الكوفة وفرْض طوق شديد عليها ، بالمسالح والمراصد ومنع الداخل لها والخارج ، فقد تمكن الطغاة من بعثرة قوتهم .

 

على أنَّ كل ذلك لا يمنع من القول أنَّ شدة بطش السلطة قد أرعب البعض فتخاذل جمع منهم .

 

عظَّم الله أجوركم .

 

*******

 

( 12 ) تاريخ الأمم والملوك ، مصدر سابق ، ج 4 ، ص 387 .

 

( 13 ) السيد الأمين يرد في ذلك على : السيد علي جلال الحسيني المصري المعاصر له ، في كلام له في مقدمة كتابه عن الإمام الحسين .

 

( 14 ) الأمين ، السيد محسن ، ( ت : 1371 هج ) ، أعيان الشيعة ، ج 1 ، ص 585 ، الناشر : دار التعارف للمطبوعات ، بيروت .

 

( 15 ) النواصب : هم المنافقون المبغضون لعليٍّ ولسائر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، سموا بذلك لانهم نصبوا العداء لهم .

 

( 16 ) الذهبي ، محمد بن أحمد بن عثمان ، ( ت : 748 هج ) ، سيَّر أعلام النبلاء ، ج 4 ، ص 37 - 38 ، الناشر : مؤسسة الرسالة ، بيروت .

 

( 17 ) الهيتمي ، أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي ، شافعي ، ( ت : 1566 هج ) ، الصواعق المحرقة ، ج 2 ، ص 641 ، الناشر : مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 

الطبعة الأولى ، 1997 .

 

( 18 ) يشبه ذلك : ما حصل في جريمة سبايكر ، فنحن وإنْ كنّا نؤمن بتقصير القيادات العسكرية والسياسية السريعة في إيجاد الحلول لحمايتهم ، لا سيّما وهم شباب بلا تجربة ، لكن الإعلام المغرض له غرض آخر من توجيه المسؤولية لجهة أخرى ؛ وذلك لتبرئة عشيرة البو ناصر ، عشيرة الطاغية اللعين - ومَن كان معهم - من هذه الجريمة .

وهي جريمة تكشف عن خسة ودناءة ما بعدهما خسة ودناءة ، اذ غرّروا بشباب عُزّل لاتجربة لهم مع خسة من هذا النحو ، فذبحوهم بعد خداعهم وإعطائهم الأمان .

 

فالقوم هم القوم .

 

***** 

 

[ حسن عطوان ]

Powered by Vivvo CMS v4.7