التوظيف السلبي للقضية الحسينية المقدسة
بقلم: فضيلة الشيخ حميد وناس ال عجمي
في زيارة عاشوراء المشهورة ورد ذكر أربعة أصناف من الناس باللعن والبراءة منهم، باعتبارهم أعداء للإمام الحسين عليه السلام: (فَلَعَنَ الله اُمَّةً أَسَّسَتْ أَساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ، وَلَعَنَ الله اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَأَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ الله فِيها، وَلَعَنَ الله اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ الله المُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ)، فهم:
أولا: الجماعة التي اسست أساس الظلم والجور على أهل البيت عليهم السلام.
ثانيا: الجماعة التي دفعت أهل البيت عليهم السلام عن مقامهم وأزالتهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها.
ثالثا: الجماعة التي قتلت أهل البيت عليهم السلام وشاركت بإراقة دمائهم الطاهرة.
رابعا: الجماعة التي مهدت السبل وهيئت الأسباب التي انتجت التمكن من قتالهم عليهم السلام.
ولعل الأصناف الأول والثالث والرابع، قد انقرضت اليوم واندثرت بهلاك افرادها، لكن الصنف الثاني لازال حيا يعيش بيننا وينشط ايما نشاط، في الأوساط الموالية والمعادية على حد سواء، وهؤلاء هم الجماعة التي تحاول دائما دفع الإمام الحسين عليه السلام عن مقامه وتزيله عن مرتبته التي رتبه الله فيها، بل لعل بعضنا ينتمي لهذا الصنف الملعون وهو لا يعلم بذلك.
فالامام الحسين عليه السلام له مرتبة خاصة ومقام متميز ورد ذكرهما في الروايات الشريفة، منها ما ورد في مجموعة الشهيد المخطوطة: نقلا من كتاب الأنوار لأبي علي محمد بن همام، بسنده عن الإمام جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى الحسين بن علي عليهما السلام وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا، ثم قال عليه السلام بأبي قتيل كل عبرة، قيل: وما قتيل كل عبرة يا بن رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلا بكى.
وهذه هي مرتبة الإمام الحسين عليه السلام ومقامه الذي لا يجوز دفعه عنه، وتصويره مجردا عنها، لكن مع الأسف الشديد اننا نجد على طول التاريخ الإسلامي، أن هناك محاولات كثيرة حاولت تزوير هذه الحقيقة، وتوظيف القضية الحسينية المقدسة لنيل مكاسب دنيوية ومنافع شخصية، ابتداء من النواصب وبني أمية الذين جعلوا للإمام الحسين عليه السلام مقام الصحابي ومرتبة كبير بني هاشم، توصلا منهم لتصوير أحداث كربلاء على أنها نزاع شخصي بين الصحابة او بيت قبيلتين وبيتين من بيوت العرب ليس اكثر.
ثم جاءت الثورات العلوية والعباسية لترفع شعار طلب ثأر الإمام الحسين عليه السلام، طمعا بالسلطة واستغفالا للناس، فنجح من نجح وفشل من فشل، واليوم في عصرنا الحاضر هناك جملة من الاحزاب والتيارات والجمعيات التي تنادي بالاصلاح الحسيني، فيدفعون الإمام عليه السلام عن مقامه ومرتبته ليكون مجرد ثائر جماهيري او قائد سياسي، وهم على نهج اسلافهم ممن يريد الدنيا ومكاسبها بإسم الإمام الحسين عليه السلام.
بل مع الأسف ان نجد هذا الصنف الملعون المشؤوم موجود حتى بين عامة الافراد من الناس وأصحاب مواكب العزاء وأمثالهم، ممن يخدم نفسه بواسطة الإمام الحسين عليه السلام فيطلب الوجاهة والرئاسة الاجتماعية عن طريق الشعائر والقضية الحسينية المقدسة.
فحق الإمام الحسين عليه السلام علينا ان نخدمه ونتحرك نحو بتأثير الحرارة القلبية، وليس بدافع تحصيل منافع شخصية او عامة قليلة او كثيرة.
لذا ينبغي الالتفات لسعة دائرة من يطلب مولانا الإمام المهدي عليه السلام منهم الثأر لجده سيد الشهداء عليه السلام عند ظهوره، وهم جميع الأصناف الأربعة ومنها الصنف الذي لا زال ينشط بيننا وينتشر بشكل واسع جدا، وهم من يخدم نفسه بالحسين عليه السلام دافعا له عن مقامه ومرتبته الإلهية.
وأخيرا لابد من الإشارة لاشكال قد يثار في بعض الاذهان، وهو ان الحالة العاطفية والتفجع ليست هي مقام الإمام الحسين عليه السلام التي يجب مرعاتها وعدم الاخلال بها، فنقول: المرتبة والمقام الحسيني هو ما كان منتجا للحرارة القلبية بصورة رئيسية وهي العواطف والبكاء والرثاء والتفجع، وليس ما كان خاليا عنها، في ميادين السياسة والاجتماع وغيرها، ولا يتوهم متوهم ان هذه المرتبة قليلة الأهمية، لأنها وبحسب الروايات الشريفة ذات أهمية كبيرة جدا، ومن ذلك ما ورد في جامع الأخبار ص ١٢٩: عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قال: يقوم فقراء أمتي يوم القيامة وثيابهم خضر، وشعورهم منسوجة بالدر والياقوت، وبأيديهم قضبان من نور يخطبون على المنابر، فيمر عليهم الأنبياء فيقولون: هؤلاء من الملائكة، وتقول الملائكة: هؤلاء الأنبياء، فيقولون: نحن لا ملائكة ولا أنبياء، بل نفر من فقراء أمة محمد صلى الله عليه وآله، فيقولون: بما نلتم هذه الكرامة؟ فيقولون: لم تكن أعمالنا شديدة، ولم نصم الدهر، ولن نقم الليل، ولكن أقمنا على الصلوات الخمس، وإذا سمعنا ذكر محمد صلى الله عليه وآله، فاضت دموعنا على خدودنا)، فالبكاء على مصائب سيد الشهداء عليه السلام يوصل صاحبه لمقام يفوق مقام الأنبياء والملائكة .
فسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.