متكلّمو الشيعة عبر القرون

بواسطة |   |   عدد القراءات : 975
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

متكلّمو الشيعة عبر القرون


أئمّة الشيعة وأتباعهم في القرنين الأوّلين:
لقد شغلت المسائل الكلاميّة مفكري المسلمين في القرنين الأوّلين. ولكن قام الأئمّة عليهم السلام بالردّ على الشبهات المطروحة، والدفاع عن العقيدة ومسائلها.فهم رغم إقصائهم عن مناصبهم، إلّا أنّهم كانوا المرجع للمسلمين قاطبة، حتّى الحكّام والخلفاء اعترفوا بفضلهم وبكونهم المراجع العليا في ما يخصّ العقيدة والأحكام وسائر الأمور.

والمتتبّع لكلمات الأئمّة عليهم السلام وخطبهم ومواقفهم يجد الكثير من المواقف.وما يهمّنا هنا المسائل العقائديّة، التي كانوا المرجع فيها، وكانوا يبدون الموقف الحق وفصل الخطاب؛ ونهج البلاغة مليء بالكلمات التي يتعرّض فيها لمسائل الإلهيّات 1، ومن مواقف الأئمّة نذكر رسالة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام إلى الحسن البصريّ الذي كتب إلى الإمام عليه السلام يسأله" أمّا بعد فإنّكم معشر بني هاشم، الفلك الجارية في اللّجج الغامرة، والأعلام النيّـرة الشاهرة، أو

كسفينة نوح عليه السلام التي نزلها المؤمنون، ونجا فيها المسلمون، كتبت إليك يا ابن رسول الله عند اختلافنا في القدر وحيرتنا في الاستطاعة، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك عليهم السلام ، فإنّ من عِلْم الله علّمكم، وأنتم شهداء على الناس والله الشاهد عليكم ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 2.

فأجابه الإمام الحسن عليه السلام : "بسم الله الرحمن الرحيم، وصل إليّ كتابك، ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذاً ما أخبرتك، أمّا بعد: فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه وأنّ الله يعلمه فقد كفر. ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر. إنّ الله لم يُطَعْ مكرهاً، ولم يُعْصَ مغلوباً، ولم يهمل العباد سدى من المملكة، بل هو المالك لما ملّكهم والقادر على ما عليه أقدرهم، بل أمرهم تخييراً، ونهاهم تحذيراً، فإن ائتمروا بالطاعة لم يجدوا عنها صادّاً، وإن انتهوا إلى معصية فشاء أن يمنّ عليهم بأن يحول بينهم وبينها، فعل، وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها جبراً، ولا أُلزموها كرهاً، بل منَّ عليهم بأن بصَّـرهم وعرّفهم وحذّرهم وأمرهم ونهاهم، لا جَبْلاً لهم على ما أمرهم به فيكونوا كالملائكة، ولا جبراً لهم على ما نهاهم عنه، ولله الحجة البالغة، فلو شاء لهداكم أجمعين، والسلام على من اتّبع الهدى"3

وكذلك جواب الإمام الحسين عليه السلام لنافع بن الأزرق الذي يعدّ من رؤوس الخوارج حيث كان يسأل عن الإله الذي يُعبد4.

وممّا استخدمه الإمام السجاد عليه السلام في نشر المعارف الحقّة أسلوب الدعاء. وكان يذكر في طيّات أدعيته مطالب عقائديّة عالية، كانت الشبه تدور حولها.

فقد روى الشيخ المفيد أنّ عليّ بن الحسين عليه السلام كان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم إذ سمع قوماً يشبّهون الله بخلقه، ففزع لذلك وارتاع له، ونهض حتّى أتى قبر رسول الله، فوقف عنده، ورفع صوته يناجي ربّه، فقال في مناجاته له:

"
إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئة فجهلوك، وقدّروك بالتقدير على غير ما به أنت ، شبهوك وأنا بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شيءٌ، إلهي ولم يدركوك، وظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك لو عرفوك، وفي خلقك يا إلهي مندوحةٌ أن يناولوك، بل سوّوك بخلقك فمن ثم لم يعرفوك، واتخذوا بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك، فتعاليت يا إلهي عمّا به المشبّهون نعتوك"5.

ــــــــــــــــــــ

1.      لاحظ مثلا إجابته عن القضاء والقدر, بعد أن سأله شيخ عنهما:الصدوق ت:381ه: التوحيد/تصحيح وتعليق: هاشم الحسيني الطهراني,منشورات: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية-قم المقدسة ص381.ونهيه عن الخوض الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: نهج البلاغة/ شرح محمد عبده/ دار الذخائر, قم-إيران, ط.الاولى1412ه/ ج4 ص69.

2.      2-آل عمران:34.

3.      الحراني-ابن شعبة-الوفاة: ق4/تحف العقول/مؤسسة النشر الاسلامية التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة, ط.الثانية 1404ه ص231.

4.      ابن عساكر ت:571ه: تاريخ مدينة دمشق/تحقيق:علي شيري/منشورات دار المفيد للطباعة والنشر,بيروت-لبنان,ط. 1415ه ج14 ص183و184.

5.      الصدوق ت:381ه: التوحيد/تصحيح وتعليق: هاشم الحسيني الطهراني,منشورات: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية-قم المقدسة ص153.

Powered by Vivvo CMS v4.7