٣٩ ـ عقيدتنا في التعاون مع الظالمين
٣٩ ـ عقيدتنا في التعاون مع الظالمين
ومن عظم خطر الظلم وسوء مغبّته أن نهى الله تعالى عن معاونة الظالمين والركون إليهم ﴿وَلاَ تَركُنوا إلى الَّذِينَ ظَلَموُا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ومَا لَكُمْ مِن دُونِ اللهِ مِنْ أَولياءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ﴾
هذا هو أدب القرآن الكريم، وهو أدب آل البيت عليهم السلام، وقد ورد عنهم ما يبلغ الغاية من التنفير عن الركون إلى الظالمين، والاتّصال بهم، ومشاركتهم في أي عمل كان، ومعاونتهم، ولو بشق تمرة .
ولا شك أنّ أعظم ما مُني به الاسلام والمسلمون هو التساهل مع أهل الجور، والتغاضي عن مساوئهم، والتعامل معهم، فضلاً عن ممالأتهم ومناصرتهم واعانتهم على ظلمهم.
وما جرَّ الويلات على الجامعة الاسلامية إلاّ ذلك الانحراف عن جدد الصواب والحق، حتى ضعف الدين بمرور الاَيام، فتلاشت قوّته، ووصل إلى ما عليه اليوم، فعاد غريباً، وأصبح المسلمون أو ما يسمّون أنفسهم بالمسلمين، وما لهم من دون الله أولياء ثم لا ينصرون حتى على أضعف أعدائهم، وأرذل المجترئين عليهم، كاليهود الاَذلاّء، فضلاً عن الصليبيين الاَقوياء.
لقد جاهد الاَئمة عليهم السلام في إبعاد من يتّصل بهم عن التعاون مع الظالمين، وشدّدوا على أوليائهم في مسايرة اهل الظلم والجور وممالأتهم. ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب، ومن ذلك ما كتبه الامام زين العابدين عليه السلام إلى محمد بن مسلم الزهري بعد أن حذره عن إعانة الظلمة على ظلمهم:
«أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلَّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم،
ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما أيسر ما عمَّروا لك في جنب ما خرَّبوا عليك. فانظر لنفسك؛ فإنّه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول...» .
ما أعظم كلمة «وحاسبها حساب رجل مسؤول»؛ فإنّ الانسان حينما يغلبه هواه يستهين في أغوار مكنون سرّه بكرامة نفسه، بمعنى إنّه لا يجده مسؤولاً عن أعماله، ويستحقر ما يأتي به من أفعال، ويتخيَّل أنّه ليس بذلك الذي يُحسب له الحساب على ما يرتكبه ويقترفه إنّ هذا من أسرار النفس الانسانية الاَمّارة، فأراد الامام أن ينبِّه الزهري على هذا السر النفساني في دخيلته الكامنة؛ لئلاّ يغلب عليه الوهم فيفرط في مسؤوليته عن نفسه.
وأبلغ من ذلك في تصوير حرمة معاونة الظالمين حديث صفوان الجمَّال مع الامام موسى الكاظم عليه السلام ، وقد كان من شيعته، ورواة حديثه الموثّقين
قال ـ حسب رواية الكشي في رجاله بترجمة صفوان ـ: دخلت عليه فقال لي: «يا صفوان كلّ شيء منك حسن جميل، خلا شيئاً واحداً».
قلت: جعلت فداك! أيّ شيء؟
قال: «إكراؤك جمالك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ».
قلت: والله ما أكريته أشراً ولا بطراً، ولا للصيد، ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاّه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني.
قال: «يا صفوان أيقع كراؤك عليهم؟»
قلت: نعم جعلت فداك.
قال: «أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك؟»
قلت: نعم.
قال: «فمن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فهو كان ورد النار».
قال صفوان: فذهبت وبعت جمالي عن آخرها.
فإذا كان نفس حب حياة الظالمين وبقائهم بهذه المنزلة، فكيف بمن يستعينون به على الظلم، أو يؤيدهم في الجور، وكيف حال من يدخل في زمرتهم، أو يعمل بأعمالهم، أو يواكب قافلتهم، أو يأتمر بأمرهم؟!