سعيد بن قيس الهمداني
سعيد بن قيس الهمداني
سعيد بن قيس الهمداني (رضوان الله عليه)
اسمه ونسبه:
سعيد بن قيس بن زيد.. بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، وهو من عِليَة هَمْدان وكبرائها، ومن سلالة ملوكها، وكان سيِّدُها المطاع.
ولادته:
لا يوجد تاريخ واضح لولادته، لعدم نصِّ المؤرخين والمترجمين له على ذلك، ولفقدان القرائن التي تشير إلى تاريخ يُقدَّر أو يُخمَّن.
إلا أن الذي نقف عليه هو أن سعيد بن قيس كان من كبار جيل التابعين.
سيرته:
كان سعيد بن قيس رجلاً صالحًا عابدًا، وهو – بالإضافة إلى ذلك – الرجل الشجاع المحارب الصامد، الذي كان له باعٌ طويل وتجربة عميقة ناجحة في المعارك.
وقد بَرزَت قدراته العسكرية وملكاته القيادية في المواقع الحساسة وعند تسلمه للمسؤوليات التي اُنيطت به في معركتَي الجَمَل وصِفِّين، وما بعدهما من المناورات التي كانت بين جيوش الإمام الحسن (ع) سبط رسول الله (ص) وجيوش معاوية.
وكان سعيد (رضوان الله عليه) من أعمدة القتال في تشكيلة الجيش العلَوي، فكان أمير المؤمنين (ع) يُخرج إلى القتال مَرَّةً الأشتر، ومَرَّةً حُجْرَ بن عديٍّ، ومَرَّةً سعيدَ بن قيس الهمداني، ومَرَّةً قيس بن سعد بن عُبادة الأنصاري.
وكان سعيد يحرس الإمام (ع) حراسة نابهة، ويحرص على حياته المباركة أشد الحرص، ويتبعه اتِّباع الظل.
واللافت في شجاعة سعيد بن قيس أنها مقرونة بالذكاء والخطط الحربية والحنكة العسكرية، فلم تكن مجرد طاقات بدنية عالية، إنما كانت مُطَعَّمَةً بالتجربة الطويلة والخبرة العميقة.
كما كان ذا قدرة متفوقة في ضبط الجيش، واتخاذ الموقف النسب في المكان والزمان المناسبين.
جهاده:
اشترك سعيد بن قيس في فتح نَهاوَند سنة (19 هـ)، وكان صاحب راية همدان في معركة الجمل، وقد شارك أيضًا في عقر الجمل.
كما أنه كان من أَحَدِ الخمسة الذين أيَّدوا أمير المؤمنين (ع) في المسير إلى الشام (صفين)، وقد عُقد له اللواء على همدان.
وذهب هو وبشير الأنصاري رسولَين إلى معاوية إتمامًا للحجة عليه قبل بدء القتال، فقال له سعيد: والله يا ابن هند! لتَغلِبنَّ سيوفُ صاحبِنا ما تودُّ أنَّ اُمَّك لم تلدك، ولم تكن في العالمين، ولما اشتد القتال اقترب سعيد من معاوية وكاد يقتله.
وقد أبطل خطة معاوية الذي بعث كتيبة بقيادة عبيد الله بن عمر بن الخطاب لتهاجم جيش الإمام علي (ع) من الخلف، فحمل عليهم سعيد بن قيس وصدهم.
وتقدم سعيد في همدان أمام أصحاب الصفوف من جيش معاوية، فقتل هو وجماعة بصفوفهم أكثر من ثلاثة آلاف فارس من قوات الشام في بقعة واحدة.
ثم حملوا على أصحاب معاوية حتى ألجأوهم إلى التلِّ، ثمّ صعدت همدان في أثرهم فحدروهم من التلِّ وأخذت السيوف هامات الرجال.
ولاؤه لأمير المؤمنين (ع):
يُعد سعيد بن قيس من الرجال الذين يُفتَخر بهم ويُشار إلى إيمانهم ومنزلتهم الاعتقادية والولائية.
ومهما أثنت كتب الرجال عليه فإن ثناء الإمام المعصوم (ع) يبقى هو الأسمى والأوثق.
فينقل لنا التاريخ أن عمرو بن الحُصَين السَّكوني عندما حاول اغتيال أمير المؤمنين علي (ع) بادَرَه سعيد بن قيس فقتله، فانزعج معاوية، وجمع جمعًا من القبائل وأمرهم بقتال هَمْدان خاصة.
فلما رآهم أمير المؤمنين (ع) نادى: يا همدان، فأجابوه: لبيك لبيك يا أمير المؤمنين، وأبلَوا بلاءً حسَنًا، فيما توجه سعيد في رجال همدان حتى هزم تلك الجموع وألحقها بمعسكر معاوية.
فسُرَّ بذلك الإمام علي (ع) وأثنى على سعيد وهمدان قائلاً: يا آلَ همدان، أنتم مِجَنِّي ودِرعي، بكم أستَظهِر.
ولما أحسنت همْدان القتال في صِفِّين قال أمير المؤمنين (ع) بعد أن جَمعَهم: يا معشرَ همدان، أنتم دِرعي ورُمحي، يا همدان، ما نَصرتُم إلا الله ولا أجَبتُم غيرَه.
هنا قام سعيد بن قيس فقال: أجَبنا اللهَ وأجَبناك، ونصرنا نبيَّ الله (ص) في قبره، وقاتَلْنا معك مَن ليس مثلَك، فارمِ بنا حيث أحببت.
ويُستشهد الإمام علي (ع) ويبقى سعيد بن قيس ثابتًا على عهد الولاية، متمسكًا بحبل الإمامة، فإذا جاء الإمام الحسن (ع) أمر عُبيدَ الله بن العباس أن يشاور في أموره قيس بن سعد وسعيدَ بن قيس، فإذا أصيب عبيد الله في المعركة كان الأمير بعده قيس بن سعد، وإن أصيب قيس هذا كان الأمير سعيد بن قيس.
أشعاره وخطبه:
جمع سعيد بن قيس فنونًا من البلاغة، مغرِّدًا بالشعر العلَوي، ومترنِّمًا ببدائع القصائد الإسلامية، وصادعًا بروائع الخطب والكلمات.
ولكن النصوص القليلة التي وصلت إلينا عن سعيد لا تروي غليل المتعطِّش لشعره.
ولقد جاء في أدبه مفردات خاصة، استفادها من النصوص القرآنية والنبوية الشريفة، فجاءت كلمة (الإمام) و (الوصي) و (المولى)، وتعابير كثيرة تحكي عمقه الاعتقادي وتَثبُّتَه على معالم الدين الحنيف.
كما أنه قد انسَابَ في أدب سعيد الفخر أمرًا عفويًا، إذ هو زعيم هَمْدان، وهمدان قبيلة يحق لها أن تفخر بمواقفها الشامخة.
فكان يقول:
قلْ للوصيِّ أقبلَتْ قحطانُها
فادعُ بها تكفيكَها هَمْدانُها
همُ بَنوها وهُمُ إخوانُها
وشعره حماسي قتالي يهيج النخوة والغيرة، ويثير القلوب إلى الجهاد والشهادة، ونثره كذلك في الخطابة والرسالة.
فهو يكتب مثلاً إلى شُرَحبيل بن السِّمط الكندي الذي أغواه معاوية: فلا تكن رأسَ الخطيئة، ومفتاحَ البليَّة، فإنِّي ما زلت لك ناصحًا، وعليك مشفقًا.
وفاته:
لم نعثر على تاريخ محدد لوفاة سعيد بن قيس الهمداني (رضوان الله عليه)، إلا أن المرجَّحَ عند أهل الأخبار أن وفاته (رضوان الله عليه) كانت بين سنة (41 – 45 هـ).