الشيخ يوسف آل عصفور البحراني
الشيخ يوسف آل عصفور البحراني
الشيخ يوسف الدرازي البحراني
(1107ـ 1186 هـ)
نسبهُ ومولُده:
هو الفقيه العظيم والمحدّث الكبير الشيخ يوسُف نجل العلامة الكبير الحجة العلم الأوحد الشيخ أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صالح بن أحمد بن عصفور بن أحمد بن عبد الحسين بن عطية بن شيبة الدرازي البحراني.
كان مولدُه بقرية (ماحوز) حيث كان قد هاجر شيخنا الأوحد الشيخ أحمد (والد الشيخ يوسُف) من موطنه (دراز) إليها لينهي دراسته العالية على شيخه المحقق الكبير الشيخ سُليمان الماحوزي وكان قد حمل معه عياله فالقى رحله مستوطناً هناك عاكفاً على الأخذ والتحصيل من شيخه المومأ إليه وفي مدة أقامته ولد له الشيخ المترجم له عام (1107).
حياته:
ولما كان الشيخ يوسُف أول ذكر وُلِدَ لأبيه أختص به جده لأبيه التاجر الصالح الكريم الحاج إبراهيم (وكان تاجراً له سُفن وعمال يمتهن غوص اللؤلؤ ويتعاطى تجارته وتصديره).
فشبّ المترجم له ودرج في حجر جده البار ونشأ وترعرع تحت كلائته فأحضر له معلماً في البيت يُعلّمه القراءة والكتابة حتى أتقنهما فقام والده بتدريبه وتربيته بكل عطفٍ وحنان وتصدى لتدريسه وتعليمه وتولى ذلك بنفسه محافظاً عليه يوليه عنايته وتوجيهه فطفق يُلقى عليه الدروس الآلية ويملي عليه المبادئ ويعلمه العربية ويفيض عليه العلوم الأدبية وغير الأدبية حتى أكملها واصبح ماهراً فيها. وحاز مكانته السامية في فنون الأدب وتضلعه في علوم البلاغة. واستمر على ذلك يقرأ على والده ويستقي من منهله العذب ونميره الصافي.
وكانت حياة الشيخ يوسُف ملؤها البلايا والفتن والرزايا والمحن فكأنه قُدّرَ عليه من أول يومه أن يكون غرضاً للآفات والنكبات.
فما إن مضت من عمره خمس سنين إلا وابتدأت الفتن والاضطرابات والحوادث الداخلية في بلاده (البحرين) فوقعت الحروب القبلية بين القبيلتين (الهولة) و(العتوب). واستمرت هي وتبعاتها سنين.
ولما تنتهي هذهِ المشكلة ولم يكد ينجو منها أهل البحرين إلا ودُهِموا بأعظم منها وأشد وأخزى ألا وهي هجمات الخوارج على البحرين كرةً بعد أخرى حتى إذا كانت السنة الثالثة حاصروها واحتلوها عنوة فكانت وقعة عظمى وداهية دهماء لما وقع من عظيم القتل والسلب والنهب وسفك الدماء وتلف الأموال حتى أضطر وجهاء البلد وزعماؤها إلى الجلاء عن أوطانهم فارين بعيالهم منجين أنفسهم ومنهم والد الشيخ المترجم له فقد هاجر والده (رحمه الله) وخلّف أكبر ولده وهو الشيخ يوسف في ذلك المأزق الحرج والموقف الرهيب عساه يتحفظ على ما تبقى من بقايا النهب وعساه يسترجع بعضاً مما نهب من أثاث ومتاع ولا سيما الكتب التي أخذت سلباً وذهبت نهباً خلفه ليستنقذ الذاهب وليتحفظ على الباقي ويبعث بذلك إلى والده شيئاً فشيئاً.
وبعد سنين قضاها كما مر لحق أباه بالقطيف فجدّد به العهد وكان والده قد سأم المقام وملّ المكث هناك لكثرة العيال وقلة ذات يده وقد أثّرت أحداث البحرين عليه تأثيراً عجيباً خصوصاً عندما أحرقوا داره المعمورة مما أثّر على صحة والد الشيخ يوسف وطال به المرض إلى شهرين إلى أن وافاه أجله وأختاره الله إلى دار رحمته الواسعة ضحوة اليوم الثاني والعشرين من شهر صفر سنة 1131 هـ ـ ق فخسرت الأمة عامة والشيخ يوسف خاصة.
مشايخه وأساتذته:
قد حج الشيخ يوسف البيت الحرام وزار مشاهد أئمة الهدى (عليهم السلام) وأتيحت له عدة رحلات إلى النجف الأشرف وإيران حيث غادرهما إلى كربلاء المقدسة وقد ألف فيها بعض تآليفه. وقد استطاع من خلال زيارته تلك أن يحصل على نضج في التفكير وغزارة في العلم وقد درس عند جملة من العظماء عدّ (رحمه الله) أربعة من مشايخه في كتابه لؤلؤة البحرين وهم:
1 ـ والده العلامة الشيخ أحمد.
2ـ العلامة الفذ الشيخ أحمد بن عبد الله بن الحسن بن جمال البلادي البحراني المتوفى سنة 1137.
3 ـ المحقق الحجة الشيخ حسين ابن الشيخ محمد جعفر الماحوزي المتوفى عام 1171. وهو عمدة مشايخه وشيوخه في الفقه والحديث.
4 ـ الشيخ عبد الله بن علي بن أحمد البلادي البحراني المتوفى في شيراز سنة 1148.
تلامذته:
قد ترك المترجم له لفيفاً من المشايخ الأفاضل وطلاب العلم والفضيلة، فكانت فتعقد له حلقات تدريس يستقون من نمير علمه ويرتوون من عباب فضله إلا انه من المؤسف جداً أن التاريخ أهمل الجميع ممن تخرجوا عليه في بلاد إيران ولا سيما معهدها الديني (شيراز) وكذلك كربلاء المقدسة التي بقي فيها زعيماً مدرساً طيلة عشرين سنة يوم كانت تعج بالألوف من العلماء والمشتغلين؛ فمن هؤلاء:
1 ـ الرجالي الشهير أبو علي الحائري محمد بن إسماعيل مؤلف كتاب منتهى المقال في علم الرجال.
2 ـ المحقق القمي ميرزا أبو القاسم صاحب القوانين.
3 ـ السيد أحمد العطار البغدادي المتوفى سنة 1215.
4 ـ السيد أحمد الطالقاني النجفي المتوفى سنة 1208.
5 ـ الشيخ احمد الحائر.
6 ـ الأمير السيد علي الحائري صاحب الكتاب القيم (الرياض).
7 ـ السيد مهدي بحر العلوم.
8ـ المحقق احمد النراقي صاحب الكتاب القيم (مستند الشيعة).
وغيرهم من العظماء والعلماء الأفذاذ ممن تتلمذوا على يديه ورووا عنه (قدس سره وأسرارهم الشريفة).
مدحه والثناء عليه:
لقد أثنى أصحاب التراجم والرجال على المترجم له واتفق الجميع على إكباره ممن عاصره إلى يومنا هذا ومن هؤلاء الذين ذكروه وأثنوا عليه:
1 ـ تلميذه أبو علي الحائري مؤلف كتاب منتهى المقال المشهور برجال أبي علي قال في ترجمة الشيخ يوسف البحراني (رحمه الله): عالم فاضل متبحر ماهر متتبع محدث ورع عابد صدوق دين من أجلة مشايخنا وأفاضل علمائنا المتبحرين.
2ـ وقال تلميذه الأمير عبد الباقي سبط العلامة المجلسي في منتخب لؤلؤة البحرين: كان فاضلاً عالماً محققاً نحريراً مستجمعاً للعلوم العقلية والنقلية.
3 ـ وقال المحقق الكبير الشيخ أسد الله التستري في كتاب مقابس الأنوار: العالم العامل المحقق الكامل المحدث الفقيه المتكلم الوجيه خلاصة الأفاضل الكرام. وعمدة الأماثل العظام الحاوي من الورع والتقوى أقصاهما، ومن الزهد والعبادة أسناهما، ومن الفضل والسعادة أعلاهما ،ومن المكارم والمزايا أغلاهما الرضي الزكي التقي النقي المشتهر فضله في أقطار الأمصار وأكناف البراري المؤيد بعواطف ألطاف الباري.
إلى غير ذلك من كلمات المدح والثناء والوصف والإِطراء.
آثاره:
لقد ترك الشيخ يوسف البحراني (رحمه الله) إلى جانب التدريس آثاراً باقية إلى يومنا هذا كانت وما زالت محط أنظار العلماء. وقد عدّ البعض مؤلفاته فتجاوزت الأربعين بين مصنف ومؤلف ورسالة وحاشية وتعليقة وغيرها منها:
1 ـ كتابه القيم والذي اشتهر كاشتهار الشمس في رابعة النهار. وهو الحدائق الناضرة حتى أصبح أشهر من اسمه حتى كاد لا يذكر إلا بوصف صاحب الحدائق. وهو مطبوع في (25) مجلداً
2 ـ لؤلؤة البحرين في تراجم العلماء.
3ـ الأربعون حديثاً في مناقب أمير المؤمنين (عليه السلام) استخرجها من كتب العامة.
4ـ حاشيته على كتاب مدارك الأحكام للفقيه السيد محمد العاملي (رحمه الله).
5 ـ حاشيته على شرح الشمسية في المنطق.
6 ـ الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتب عليه من المطالب.
7 ـ معراج البينة في شرح من لا يحضره الفقيه.
وغيرها من الآثار والمآثر القيمة فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء وأتمه.
وفاته ومدفنه:
توفي الشيخ يوسف البحراني (رحمه الله) بعد الظهر من يوم السبت رابع ربيع الأول عام 1186هـ ق عن عمر ناهز الثمانين كرّسه في خدمة العلم والدين وضحّاه في تدوين الفقه وتبويبه ورد فروعه على أصوله وقضاه في جمع شتات أحاديث أئمة بيت الوحي (صلوات الله وسلامه عليهم) وبثها في الملا الديني. (قدس الله روحه ونور مضجعه وجزاه عن نبيه وعن أئمته خيراً).
لبى (رحمه الله) نداء ربه بعد زعامة دينية ألقيت إليه مقاليدها زهاء عشرين سنة فما أن صوت الناعي بفقده إلا وتهافت أهل كربلاء من كل صوب وحدب على تشييع جثمانه الطاهر. حتى دفن بالحائر الشريف بالرواق الحسيني عند رجلي الشهداء.
وقد رثاه جمع من شعراء ذلك العصر منهم الشاعر والأديب. السيد محمد آل السيد رزين حيث قال:
يا قبر يوسف كيف أوعيت العـلى وكنفت في جنبك من لا يكـنف
قامت عليه نـوائـح مـن كـتبه تشكو الظليمة بعـده وتأسـف
كـ(حدائق) العلم التي من زهرها كانت أنامل ذي البصائر تقطف
إلى أن يقول:
فقضيت واحد ذا الزمان فأرخوا (قرحت قلب الدين بعدك يوسف)
فالسلام عليكم يا علم الشيعة وفخرها ورحمة الله وبركاته.