الوحدة والتآخي من بركات الحج
بقلم : الشيخ ميثم الفريجي
بسمه تعالى
الحمد لله رب العالمين والصلاة وأتم التسليم على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين.
لقد حثنا الله تعالى على التأسي برسوله الكريم (صلى الله عليه وآله)، فقال:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) الأحزاب: 21
وحدود التأسي مفتوحة على جميع الأصعدة، بدأً من حياته الشخصية المباركة التي هي منار للهدى والتقى، ومرورا لمعالجاته الميدانية لمشاكل الأمة، وصولا الى الروح القيادية التي يحملها في جنباته الشريفة، فضلا عن أخلاقه، وسماحة خصاله، وروحه الشفافة التي يحملها بين جنبيه حتى أثني عليه الحق تعالى في كتابه الكريم، فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم: 4
فما أحوجنا نحن المسلمون اليوم الى أن نتأسى برسولنا الكريم، بلمّ صفوفنا، وتوحيد كلمتنا، وصدقنا مع بعضنا في الدعوة الى الوحدة والمؤاخاة، فقد بان الشرخ في صفوف المسلمين، وتفرقت كلمتهم في مواقفهم وآرائهم أزاء قضاياهم المصيرية، بينما يتوحّد أعداؤهم للنيل منهم وصب الأذى عليهم، فصدق من قال: (تفرقنا عن حقنا واجتمعوا على باطلهم).
قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ) الصف: 4
وقال:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات: 10.
وورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله: (مثل المؤمنون في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد اذا اشتكى عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
وأول فعل صدر عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قبل أن يؤسس دولته الكريمة حينما وطأة قدماه مدينته المنورة، أنّه آخى بين المهاجرين والأنصار، ودعا كل واحد من الأنصار أن يواخي واحد من المهاجرين، ويقاسمه كل شيء حتى اذا كان لأحدهم زوجتان، وليس للمهاجر زوجة طلق إحداهما وزوجها الآخر، وعلى هذا الأساس الرصين – من المؤاخاة بين المسلمين – انطلق ليفتح العالم كله بالعدل والمحبة، وينشر كلمة الحق وراية الهدى: (قولوا لا اله الا الله تفلحوا).
ولو ترك هذه المؤاخاة، وتوحيد الصفوف لانفتحت المشاكل الداخلية بين المسلمين، ولضعف عودهم، وذهبت هيبتهم ودولتهم، ولشاعت روح التقاطع والتناحر بينهم ولكن أنّى يكون ذلك، وفيهم رسول الله J القائد الميداني الفذ الذي ربّته يد السماء، وجعلته إسوة وقدوة لجميع البشر.
أقول: المسلمون أحق من غيرهم بالتأسي بفعل رسولهم الكريم من زرع روح التآخي، ورص الصفوف، وتوحيد الكلمة بين المسلمين، ونبذ روح التفرقة والخلاف والتناحر، خاصة وأن أيام الحج على الأبواب حيث كتب الله تعالى لهم أن يجتمعوا من كل صوب وحدب على اختلاف السنتهم، وتقاليدهم، وأعرافهم، ولباسهم، وألوانهم تجمعهم كلمة واحدة (لا إله الا الله محمد رسول الله)، حول قبلة واحدة، وقرآن واحد، وأهداف واحدة.
قال تعالى: (وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)الحج: 27 .
ومن هنا ندعو أهل الحل والعقد وجميع أبناء الأمة الإسلامية المباركة أن يستثمروا وجودهم في هذا الزمان المبارك - أشهر الحج - والمكان المبارك ـ مكة المكرمة ومدينة رسول الله J ـ لينطلقوا الى تحديد الهدف الأهم (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، من خلال رص الصفوف، وتوحيد الكلمة، وزرع روح الأخوة، لنكون فعلا (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ).
ولنكن صادقين في الدعوة الى الوحدة والتآخي بخلق ثقافة المحبة، والأخوة، والاحترام المتبادل، والشراكة الحقيقية في الجسد والروح، ولا تتحقق هذه الثقافة إلَّا بقيام صناّع الرأي في هذه الأمة من علماء، ومفكرين، وكتاب، وخطباء، وأدباء ونحوهم في إشاعة هذه الأجواء الإيجابية وحينئذ ستتوجه الأمة كلها بهذا الاتجاه، وتبتعد عن لغة التكفير، والإلغاء، والاتهام، والحقد.
نسأله تعالى أن يوحد كلمة المسلمين، ويجعلها العليا، ويأخذ بأيديهم لما فيه الخير وصلاح الأمة ورضا الله تبارك وتعالى، (ورضوان من الله أكبر ذلك وهو الفوز العظيم)، وأن يتمم حجهم ومناسكهم بيسر وراحة، ويجعل موسمهم هذا زاخرا بالعطاء والأمل.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) الأنفال: 24.
قال تعالى (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ)الشورى: 47.