العفة في الشعر الجاهلي وما بعده من العصور
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
ــــ العفة في الشعر الجاهلي وما بعده من العصور ــــ
استكمالا لما طرحناه سابقا من حلقات عن العفة عند عرب الجاهلية نذكر اليوم قصتين:
1ـ قصة وقعت مع النابغة الذبياني الذي انشد في وصف امرأة النعمان حين مرت بمجلسهم فسقط برقعها الذي كانت قد تقنعت به فبادرت واسرعت ان سترت وجهها بيد والتقطت البرقع بالأخرى فخلد لها النابغة هذا الموقف بهذا البيت الشعري تثمينا منه لهذه العفة التي ابدتها :
سقط النصف ولم ترد إسقا طه فتناولته واتقتنا باليد
فلتتأمل نساء عصر الحضارة في موقف هذه المرأة الجاهلية التي تغطي وجهها طلبا للعفاف مع كفرها !!
2ـ من أعجب القصص الجاهلية في العفة هي قصة عثمان بن طلحة.
حيث لقي (أم سلمة) حاملة رضيعها حينما فرت مهاجرة من مكة إلى المدينة، بعد ان هاجر زوجها ولم يستطع اخذها معه.
فأبى عثمان أن يتركها وحدها وقال لها : " والله ما لك من مترك " فأخذ بخطام بعيرها ، وانطلق يقودها إلى المدينة.
قالت أم سلمة :" فو الله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه ، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ، ثم استأخر عني حتى إذا نزلنا استأخر ببعيري فحط عنه ، ثم قيده في الشجرة ، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها.
فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله ، ثم استأخر عني فقال : اركبي فإذا ركبت فاستويت على البعير أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ينزل بي فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة.
فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال زوجك في هذه القرية فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعا إلى مكة "
وكان عثمان بن طلحة إذ ذاك مشركا ومع هذا فأنت ترى موقفه العجيب في مروئته ، وعفته ، وعدم انتظاره أي مقابل على ما فعل وتحمله عناء الطريق ذاهبا وراجعا ، بل انها من اعداءه، والادهى انه يستطيع ان يحصل بايصالها الى كفار مكة على جائزة وافرة، ولكنه ابى كل ذلك عفة منه ورجولة ومروءة، ولعل الله شكر له هذا الموقف فمنَّ عليه بعد ذلك بالإسلام .
ان هذه المواقف توجب علينا التأمل الشديد فيما يؤل اليه امرنا كأفراد وعوائل ومجتمعات، واننا في أي مرتبة من مراتب الإنسانية ، وما الذي يحاك لنا وما الذي يراد بنا ان نصل اليه من الخلاعة والميوعة وفقدان الغيرة والعفة وغيرها من الصفات التي ترتقي بالمجتمع الى الكمال لو وجدت، او تنزل به الى الحضيض لو فقدت.