دراسات فقهية مقارنة بين قانون الأحوال الشخصية العراقي ومشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري (1)

بواسطة |   |   عدد القراءات : 809
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
دراسات فقهية مقارنة بين قانون الأحوال الشخصية العراقي ومشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري (1)

دراسات فقهيّة تتناول قانون الأحوال الشخصية العراقي ومدى مطابقته للشريعة الإسلامية، ومدى الاحتياج إلى تعديله، كما تتناول الموانع الفقهية عن تقنين الأحكام الشرعية ووضعها في قوالب ذات صياغة قانونية. كما أنها تسلط الضوء على القانون الجعفري للأحوال الشخصيّة وإمكان جعله بديلا عن قانون الأحوال الشخصية العراقي. دراسة تحاول إيجاد حلول لهذه التساؤلات بالمقارنة بين المذاهب الإسلامية، ومنها إلى القانونين المُشار إليهما.  بقلم : سماحة الشيخ یحیی السعداوي

 المقدّمة ( الحلقة الأولى)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الإنسان، علمه البيان، والصّلاة والسّلام على خير الأنام، محمّد وعترته الكرام. وبعد، خلق الله سبحانه وتعالى آدم وقرنه بحواء كأسرة أولى لنشوء البشرية، وأقرّها سبحانه وتعالى في جميع الأديان والتشريعات؛ لما فيها من سعادة البشرية وتنظيمها وتكاثرها وديمومتها؛ لذا بذلت المجتمعات الإنسانية سعيها الحثيث في تنظيم الأسرة.

و اختلفت صور السعي و طرقه و مقادیره بین المجتمعات والقوانين والتشريعات الدينية والمدنية، فالكنيسة جمعت شؤون الأسرة من النكاح والطلاق وتقييد المواليد والوراثة وغيرها بدعوى أنّ السيّد المسيح هو الذي منحها سلطة التشريع والتحليل و التحریم، وأما الإسلام فقد وضع أحكام تنظيم الأسرة في فقه الأسرة.

وأما الدول المدنية الحديثة فقد نظمته بما يسمى قانون الأحوال الشخصية، الذي ابتدعه الفقه الإيطالي لتنظيم الأسرة.

وقد ظهر هذا المصطلح في البلدان الإسلامية في أواخر القرن التاسع عشر على يد الفقیه البصری (محمد قدری باشا).

وفي العراق كانت المحاكم المدنية تعطي حق النظر بقضاء الأحوال الشخصية على وفق المذهب الجعفري و السنّي، و أجريت محاولات لتوحيد قانون الأحوال الشخصية بین الطائفتین، ولکنها لم تفلح حتی عام ۱۹۵۹ م بعد الانقلاب علی الحکم الملکي اذ نجح مشروع توحيده بقانون (١٨٨)،

إلا أن المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد محسن الحكيم قد أبدت رأيها فيه وطالبت بإلغائه؛ لمخالفته الشريعة الإسلامية، وأيضاً طالبت بإلغائه بعد انقلاب ١٤ رمضان، وطالب الشيخ محمد رضا المظفر عميد كلية الفقه – آنذاك – بإلغاء القانون من أساسه، ورأى أنه لا يقبل التعديل بالمذكرة التي رفعها إلى حكومة انقلاب ١٤ رمضان، مبيناً مبرراته وآثار مخالفة الشريعة على المجتمع، ولكن الحكومة اكتفت بتعديل القانون في المادة الخاصة بالإرث، وأصبح بعد ذلك منهجاً يدرّس في كليات القانون في الجامعات العراقية.

وقد طلب منّي أحد الإخوة المشايخ الذين يدرّسون قانون الأحوال الشخصية في إحدى الجامعات العراقية أن نشترك في شرح قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (۱۸۸) لسنة ۱۹۵۹ م، و بدأنا المشروع فی الاحکام العامة والزواج و نتیجة لانشغاله توقف المشروع وبقي أوراقاً مبعثرة.

وبعد الإعلان عن تقديم مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري إلى الحكومة وما أثاره من كلام بين مؤيدين ومعارضين، بدت لي فكرة لدراسة القانونين دراسة فقهية بين المذاهب الإسلامية؛ ليتضح أنّ قانون الأحوال الشخصية العراقي هل هو مخالف للشريعة الإسلامية أم لا؟ وهل مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري يصح أن يكون بديلاً عنه، أو يمكن أن نجمع عدّة قوانين كل واحد منها يستند إلى مذهب من المذاهب الإسلامية لتوحيد الأحكام القضائية في الدولة العراقية؟

وهل هذا هو المفهوم من تطبيق المادة الدستوریة (41) من الدستور الدائم التي تدعو إلى حرية الالتزام بالأحوال الشخصية؟

أو نحتاج فقط إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي بما يتوافق مع الدستور الدائم الحالي وموافقة الشريحة الإسلامية، وأسس الديمقراطية؟

وما المانع الفقهي والشرعي من تقنين وتدرين الأحكام الشرعية الإسلامية و صياغتها في قوانين ؟ وهل يمكن معالجته، وولادة قانون أحوال شخصية إسلامي جديد يوحّد المسلمين في الأحوال الشخصية، ويكون بديلاً للقانون النافذ، ويتلاءم مع مقتضيات العصر، ويحلّ مشاكل المسلمين بالشكل الذي ينسجم و حياتهم العصرية، و يعالج المستحدثات الخاصة بشؤون الأشخاص؟

ولذا شرعت بهذا البحث وأسميته:(دراسات فقهية مقارنة بين قانون الأحوال الشخصية العراقي ومشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري (الأحكام العامّة والزواج أنموذجاً)، وبما أنّ عدد الصفحات المسموح به للبحوث المنشورة في مجلة دراسات علمية محدّد فقد اختصرت البحث بفقرة من الأحكام العامة وفقرتين من كتاب الزواج كأنموذج من قانوني الأحوال الشخصية العراقي والجعفري، ورتبته في مبحثين وخاتمة على النحو التالي:

المبحث الأوّل: وفيه مطلبان:

المطلب الأول : تأريخ قانون الأحوال الشخصية العراقي وأسباب نشوئه وتعريفه لغة واصطلاحاً.

الطلب الآخر: دراسة في الأسس، والمباني العامة لقانوني الأحوال الشخصية العراقي، وقانون الأحوال الشخصية الجعفري .

المبحث الثاني: وفيه – أيضاً – مطلبان:

المطلب الأول: دراسة تحليلية وفقهية لعنوان الباب الأوّل (الزواج) والمادة الثالثة (ف ١) من قانون الأحوال الشخصية العراقي، وما يقابلها عنوان الباب الثاني (النكاح) والمادة (٤٢) من مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري.

المطلب الآخر: دراسة تحليلية وفقهية للمادة الثالثة (ف ٤) تعدّد الزوجات، وما يقابلها المادة (١٠٢) و(١٠٤ ) من مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري.

الخاتمة: في النتائج والمقترحات التي توصّلنا إليها من خلال البحث.

وبعد، فقد بذلت غاية الوسع فيه، لإيجاد الفكرة وإخراجها من القوّة إلى الفعل، هذا والله أسأل أن يكون نافعاً ولا سيما مع ما تضمّنه من الآراء المباركة للمجتهدين والمراجع العظام حفظ الله الباقين منهم ورحم الماضين، سائلين المولى عز وجل السداد والتوفیق و قبول الاعمال انه سمیع مجیب.

الشيخ يحيى السعداوي النجف الأشرف ۱۲/ ذو القعدة / ١٤٣٥ه

المبحث الأوّل

تأريخ قانون الأحوال الشخصية العراقي وأسباب نشوئه وتعريفه لغة واصطلاحاً ودراسة فقهية للمادة الأولى (ف ١) من قانون الأحوال الشخصية العراقي، و ما يقابلها المادة (٢٤٥) (ف أولا) من قانون الأحوال الشخصية الجعفري، وفيه مطلبان:

المطلب الأول: تأريخ قانون الأحوال الشخصية العراقي وأسباب نشوئه وتعريفه لغة واصطلاحاً، وفيه مقصدان:

المقصد الأوّل: تاريخ قانون الأحوال الشخصية في العراق وأسباب نشوئه:

الأحوال الشخصية: مصطلح قانوني ابتدعه الفقه الإيطالي في القرن الثاني عشر”(١). ابتدأت حركة التقنين بالمعنى المعاصر في الدول الإسلامية في أواخر العهد العثماني في مجال القانون المدني، بيد أنّ حركة التقنين لم تبدأ بعد في مجال الأحوال الشخصية، إلّا أن جملة من الاعتبارات … تمس بشكل أو بآخر مجال الأنكحة والمواريث”(٢)، أدّت إلى نشوئه فظهر في أواخر القرن التاسع عشر على يد الفقيه المصري (محمد قدري باشا المتوفي ١3٠٦ هـ – ١٨٨٤م) “(٣) الذي قام بوضع مجموعة فقهية خاصّة سمّاها (الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية).

كما قد صدر القانون الوقتي للمرافعات الشرعية (قانون حقوق العائلة العثماني ١٣٣٦هـ – ١٩١٤م ) و اقتصر علی أحکام الزواج و الطلاق (٤).

والمادة ( ١٨٠١): تعطي للسلطان بصفته خليفة للمسلمين حق الفرض على الأمة(٥)؛ ولذا تصدّى المرجع الديني محمّد حسين آل كاشف الغطاء لشرح رأي الإمامية بقوله: (إن القضاء والحاكمية عند الإمامية منصب إلهي لا دخل له بالسلطان)”.(٦)

وقد ذكر مصطلح (الأحوال الشخصية) في كتب بعض مؤلفي الشيعة – لا في كتب الفقه الإمامي الجعفري – على نحو ما نراه في كتاب الأحكام الجعفرية في الأحوال الشخصية الذي طبع سنة (١٣٤٢ هـ – ١٩٢١م) للشيخ عبد الكريم الحلي”،(٧) والسيد أمير علي المتوفي سنة ١٩٢٨م”،(٨) ويوسف بن علي الفقيه العاملي الحاريصي، الذي كان فقيهاً إمامياً(٩).

وفي العراق ظهرت عبارة (المواد الشخصية) في بيان المحاكم رقم (٦) الصادر عام ١٩١٧م و(م١٢) والتي تنصّ على تطبيق الأحكام الفقهية الخاصّة بتلك الطوائف على المنازعات المتعلّقة بأحوالهم الشخصية من قبل محاكم المواد الشخصية.

وقد أصبحت محاكم المواد الشخصية تعنى بالأحوال الشخصية لغير المسلمين. و ذکرت عبارة (الاحوال الشخصیة) فی تعدیل بیان المحاکم عام ۱۹۲۱ م، ثمّ فی قانون الحاکم الشرعیة الصادر فی (۳۰/ حزیران / ۱۹۲۳م). وترسخت هذه العبارة بتشريع قانون الأحوال الشخصية للأجانب رقم (٧٨ لسنة 1931م) ( 10).

و قد قام دیوان التدوین القانوني في عام ۱۹۳۳م بمحاولة لإصدار قانون للأحوال الشخصية لتوحيد المسلمين، و وضعت لائحة لهذا المشروع لكنها تعثّرت كثيراً، ثم وضعت وزارة العدل في عام ١٩٤٥م مشروع قانون باسم (لائحة قانون الأحوال الشخصية)، ليكون قانوناً متمّماً لمشروع القانون المدني، وقد تضمّن قانون الأحوال الشخصية للمذهبين الحنفي والجعفري كلاً على حدة، ولكنه لم يرَ النور.

و بعد انقلاب الرابع عشر من تموز ۱۹۵۸م شکّل مجلس السیادة برئاسه نجيب الربيعي، وألّفت وزارة العدل العراقية بتاريخ ٧ شباط ١٩٥٩م لجنة لوضع لائحة الأحوال الشخصية بدعوى تعزيز التوازن السياسي وتكفّل الحريات، واستطاعت اللجنة صياغة مشروع قانون للأحوال الشخصية، والذي عرف بقانون رقم (١٨٨) لسنة ۱۹۵۹ م”،(١١) وقد قال القاضی خروفة حول بعض موادّه: راعت اللجنة أيضاً الانسجام بين أحكام القانون المدني في الوصية وبين ما ورد في هذه اللائحة من أحكام”.(١٢)

ونُقل عن عبد اللطيف الشواف أحد المكلفين بصياغة الدستور الدائم – الذي لم يُنجز – قوله: (جلب عبد الكريم القانون المدني، واطّلع على القسم الخاص بانتقال حقوق التصرّف … واقترح وطلب إضافة المواد كما وضعها السنهوري في القانون المدني إلى قانون الأحوال الشخصية، لتطبّق على المواريث كلّها، وبذلك نكون قد أكملنا نقص عدم وجود قسم للميراث في المشروع، بالإضافة إلى توحيد أحكام المذهبين السّني والجعفري في هذه المسألة الهامة من مسائل الحياة).

وأضاف الشوّاف: (إنّ عبد الكريم رفض التحذيرات من استغلال هذا النصّ واعتبار الحكومة ضدّ الشريعة الإسلامية مستنداً إلى رأي أبداه رئيس مجلس السيادة نجيب الربيعي بأنّ الإرث … قد جاء في القرآن بصيغة الوصية: (يُوصِيكُمُ اللّه في أولادكم للذّكر مثل ُحظّ الأنثيين) (١٣)(١٤).

وبهذه المادة يعدّ مخالفاً لنصّ القرآن الكريم الصريح؛ ولذا أبدت المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد محسن الحكيم ، رأيها فيه وطالبت بإلغائه؛ لمخالفته الشريعة الإسلامية في عدّة مواد.

ثمّ أتى البعثیون بانقلاب ١٤ رمضان / شباط عام ١٩٦٣ م، و طالبتهم المرجعیة الدينية أيضاً بإلغاء القانون، وكذا الشيخ محمّد رضا المظفر رفع مذكرة إلى حكومة الانقلاب بالمبررات الملحة لإلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم (١٨٨) لسنة ١٩٥٩م، وأنه لا يقبل التعديل ؛ فكان موقفه داعماً لموقف المرجعية الدينية المطالب بالإلغاء، ومبيناً مبرراته من مخالفته الشريعة، وصريح القرآن الکریم، و خروجه عن إجماع المسلمين، وما يخالف بعض المذاهب دون بعض.

كما أبدى العلامة السيد محمد بحر العلوم إشكاله بقوله: (وإنه حدّد طبيعة القضاء وهي لا تحدّد بالقانون، وإنما بالشرع)”(١٥).

ولذا أصدروا التعديل رقم ١١ لسنة ١٩٦٣م لإيقاف العمل بالموادّ المتعلقة بالمواريث، وتطبيق فقه المذاهب بدلاً منها؛ ليكون (لِلذّكر مثل حظ الأنثيين) (١٦).

لكن المرجعية الدينية استمرت في مطالبتها بإلغاء القانون بنحو كلّي، وأنّ وجود مثل هذا القانون يعطي القاضي سلطة الفقيه، ويسدّ باب الاجتهاد في الأحكام. و حاول الدستور الموّقت لسنة ١٩٦٨م وضع مادة صريحة لطمأنة المؤسسة الدينية، جاء فيها: (الإرث حق تحكمه الشريعة الإسلامية)”(١٧).

ولكنّ المرجعيّة الدينيّة لا تكتفي إلّا بإلغائه كما جاء في رسالة السيد الحكيم: (إرجاع الأمور إلى العهد الذي كانت عليه سيرة المسلمين منذ أيام الخلافة الإسلامية، وإنّ موقفنا هذا هو نفس الموقف الذي وقفناه منذ صدور القانون حتى يومنا هذا، وإلى أن يتمّ رفعه)”(١٨).

وهذا مطابق لموقف مالك بن أنس حين أراد أبو جعفر المنصور ومن بعده الرشيد اختيار كتابه (الموطأ) قانوناً قضائياً للدولة العباسية، فنهاهما مالك من ذلك وقال: (إن أصحاب رسول الله (ص) اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان، وكل مصيب)”(١٩)،

ومطابق أيضاً لعلماء الأزهر حين جمعهم محمد علي باشا وقال لهم: (لا أريد أن أحكم بشيء حرّمه اللّه، لكن اجتمعُوا وضعوا لي قانوناً… قالوا ما وصلنا إلى شيء)”(٢٠).

ولذا لم تفلح اللجنة التي شُكّلت في مصر من كبار العلماء في أوائل عام ١٩١٥م لتقنين قانون للأسرة يستنبط من المذاهب الأربعة ويختار منها، بحيث يؤخذ من كل مذهب ما يكون صالحاً وفقاً لروح العصر، رغم إعدادها لائحة بهذا الشأن”(۲۱).

ومع كل ما تقدّم من سيرة المسلمين غير المتصلة بالمعصوم لكن الواقع إننا بحاجة إلى وجود قانون عصريّ في مجال الأحوال الشخصية خصوصاً؛ لأنّه يشكّل أساساً لوحدة الشعب العراقي، وانطلاقة لبناء العائلة العراقية التي تقدّر فيها المرأة بما أعطاها الإسلام من الحرية، وبشكل تراعى فيه المواثيق والاتفاقيات الدولية، ويُعدّ دفاعاً عن قیم الحضارة والتمدّن بما یسمح به الدستور الاسلامي.

المقصد الآخر: تعريف قانون الأحوال الشخصية لغة واصطلاحاً:

الفرع الأوّل: تعريف الأحوال، والشخصية، والتقنين، والقانون لغة:

أولا: الأحوال لغة: الحال تؤنث فيقال: حال حسنة”،(۲۱) والحال تذكر وتؤنث وتجمع على الأحوال”(۲۲).

قال الراغب: الحالُ: ما يختصّ به الإنسان وغيره، من الأمور المتغيرة، في نفسه وبدنه وقُنْيَتِه(۲۳) اقتنى يقتي اقتناء، أي: اتخذه لنفسه، لا للبيع ] وقال مرّة: الحال يُستعمل في اللغة للصّفة التي عليها الموصوف. إلى أن قال – والحالة: واحدة حال الإنسان وأحواله”(۲۴).

الحال : كينة الإنسان وما هو عليه من خير أو شر … وهي الحالة أيضاً… حال الشيء وكينيته”.(۲۵)

والفرق بين الشأن والحال: الشأن لا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور، فكل حال شأن، ولا ينعكس. قاله الراغب”،(٢٦) يؤيده قوله تعالى شأنه: (كل يوم هو في شأن)”.(٢٧)
ثانياً: الشخصية لغة: (شخص): ” الشخص “: سواد الإنسان وغيره تراه من بعد، وكل شيء رأيت جسمانه فقد رأيت شخصه، وجمعه: الشخوص والأشخاص” (٢٨) وجمعه في القلة أشخص.

والشخيص: العظيم الشخص، بين الشخاصة. الشَّخص : كل جسم له ارتفاع وظهور”.(٢٩) . ولفظ الشخص مذكر (٣٠) والأنثى شَخيصةٌ، والاسم الشخاصة قال ابن سيده: (ولم أسمع له بفعلٍ فأقولُ إن الشَّخاصة مصدر)”.(٣١)

ثالثاً: الأحوال الشخصية لغة: وحال الشيء يحول حؤولاً في معنيين، يكون تغييراً، ويكون تحويلا”(٣٢).

وحال الشخص يحول إذا تحرّك وكذلك كل متحول عن حالة، ومنه قولهم استحلت الشخص أي نظرت هل يتحرّك”(٣٣)، فكأنّ القائل إذا قال لا حَوّل ولا قوّة إلا بالله يقول: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله”(٣٤).

رابعاً: التقنين لغة من قنن، قال الفراهيدي والجوهري: والقنة: قوّة (من قوى) حبل الليف، ويجمع على قنن”.(٣٥). وقال الزمخشري: قنن الأنوق تبيض في قنة الجبل وفي قنن الجبال”.(٣٦) وأما الزبيدي فيقول: (قنن): القَنُّ تتَبُّعُ الأَخبار”.(٣٧).

خامساً: القانون لغة: اختلف في تحديد أصل هذا اللفظ، فالرأي الغالب أنه ليس بعربي”.(٣٨) . وذهب بعضهم إلى أنه عربي الأصل مادة وشكلا، ومادته لفظ (قن)”،(٣٩)، ووجدته أقرب معنى للقانون، وقنت الشيء أقينه قيناً: لممته وأصلحته”.(٤٠)

والقنقن: الدليل الهادي البصير بالماء تحت الأرض”؛(٤١) ولذا ذكره صاحب مختار الصحاح”(٤٢) ضمن مادة قنن فقال: والقوانين: الأصول، الواحد قانون”،(٤٣) والقانون: مقياس كل شيء ج: قوانين”،(٤٤) وشكلا على صيغة (فاعول) التي تدل على الكمال وبذل الجهد، وأيضاً لم أجد هذا المعنى في كتب اللغة ووجدت أن فاعول من الحجر المنع”.(٤٥). وأن قانون : ما كان على فَعلان أن يكون مؤنثه بغير زيادة إلا الألفَ كرَيّانَ ورَيَّا وسَكرانَ وسَكرَى”(٤٦).

وقيل القانون: يوناني أو سرياني: مسطر الكتابة”.(٤٧) ولا نريد التحقيق في عربية اللفظ من عدمها؛ لعدم الاستفادة من ذلك.

فالمسلمون يطلقون لفظ الشريعة على القواعد القانونية ولفظة القانون تطلق بمعناها اللغوي (مقياس لكل شيء) أو القاعدة المطردة ولم تستعمل لفظة القانون بمعناها الاصطلاحي (مجموعة القواعد) إلا في منتصف القرن التاسع”.(٤٨)

الفرع الثاني: تعريف الأحوال الشخصية والتقنين والقانون اصطلاحاً:

أولاً: الأحوال الشخصية اصطلاحاً، قد جاء في الموسوعة العربية الميسرة تحت لفظ (أحوال شخصية) ما نصه: مجموعة ما يتميّز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثراً قانونياً في حياته الاجتماعية، مثل كونه ذكرا أو أنثى وكونه زوجاً أو أرملاً أو مطلقاً، أو أباً أو ابناً شرعياً، أو كونه تام الأهليّة أو ناقصها لصغر سن أو عتهٍ أو جنون، أو كونه مطلق الأهلية أو مقيدها لسبب من أسبابها القانونیة. وقد حدّدت محکمة النقض المصریة فی ۱۹۳٤/۹/۲۱ م هذا المعنی).(٤٩).

ثانياً: التقنين اصطلاحاً:
١. عرّفه الأستاذ صبحي المحمصاني بقوله: ( صياغة الأحكام الشرعية في عبارات إلزامية، لأجل تنفيذها والعمل بموجبها)”.(٥٠)

٢. وعرّف بأنه صياغة الأحكام في صورة مواد قانونية مرتبة مرقمة، على غرار القوانين الحديثة من مدنية وجنائية وإدارية … إلخ. وذلك لتكون مرجعاً سهلاً محدداً، يمكن بيسر أن يتقيّد به القضاة، ويرجع إليه المحامون، ويتعامل على أساسه المواطنون”. (۵۱)
۳. وعرفه الدكتور وهبة الزحيلي بأنّه: ( صياغة أحكام المعاملات وغيرها من عقود ونظريات ممهّدة لها، جامعة لإطارها، في صورة مواد قانونية، يسهل الرجوع إليها)(۵۲).

ثالثاً: القانون اصطلاحاً: القانون بمعناه الخاص: (مجموعة القواعد القانونية التي تسنّها السلطة المختصة بالتشريع في دولة ما لتنظیم أمر معیّن. و هذا المعنی یرادف التشريع، و هو القانون المدوّن الذي تضعه السلطة التشريعية)”.(۵۳)

والمتحصّل: أن تعريف قانون الأحوال الشخصية – طبقاً لتحريف الأحوال الشخصية وبيان ما تعنيه -: هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظّم ما يتميّز به الإنسان من غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثراً قانونياً في حياته. والصفات الطبيعية والعائلية ككونه إنساناً، ذكراً أو أنثى، وكونه زوجاً أو أرملا أو مطلقاً، أو ابناً شرعياً، أو كونه تام الأهلية أو ناقصها؛ لصغر سن أو عته أو جنون أو كونه مطلق الأهلية أو مقيّدها بسبب من أسبابها القانونية.

الفرع الثالث: الفرق بين التدوين و التقنين والقانون:

١. الفرق بين التدوين والتقنين: يرى بعض الباحثين أن التقنين والتدوين بمعنى واحد، ولکن الصحیح وجود فرق بینھما، فالتدوین مصدر دوّن۔ کما عرفناہ ۔ : الکتابة المرتبة، وتدوين الأحكام يعني صياغة الأحكام الشرعية، وترتيبها من دون إلزام بها ولا جزاء على مخالفتها.

وأما التقنين – مصدر قنن – فهو: صياغة الأحكام والقواعد وترتيبها على شكل موادّ قانونية لها صفة الإلزام والجزاء على من خالفها. وأصبح علماً له منهج وطريقة خاصّة.

٢. الفرق بين التقنين والقانون: يتضح من تعريفها اللغوي أنّهما إمّا من مادة واحدة وهي (قنن) أو أنّ القانون من مادة (قنّ)، والفرق بينهما (اصطلاحاً) يتّضح من أنّ التقنين: هو وضع القوانين وصياغة الأحكام بترقيم وترتيب موادها بصفة الإلزام والجزاء على من خالفها، وأمّا القانون فهو مجموعة القواعد بعد تقنينها.

 

الهوامش:

(١) ينظر: موسوعة الفقه والقضاء في الأحوال الشخصية: 10.
(٢) ينظر: قانون الأحوال الشخصية العراقي الضرورة ومتطلبات التطوير/ استهلال تاريخي.
(۳) هدایة العارفین : ۳۸۸/۲.
(٤) ینظر: شرح قانون الاحوال الشخصیة رقم (۱۸۸): ۱۰-۱۱.
(٥) ینظر: مواهب الجلیل: ۸/ ۸۰.
(٦) أضراء على قانون الأحوال الشخصية: ٢٩.
(٧) ینظر: الذریعة إلی تصانیف الشیعة: ۱/ ٢٩٦.
(٨) ينظر: أعيان الشيعة: ٣/ ٤٩٠.
(٩) ينظر: موسوعة طبقات الفقهاء: 14 ق 2 / ص 902.
(١٠) الوسیط: ٧.
(١١) لائحة الأسباب الموجبة المرقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩
(١٢) شرح قانون الاحوال الشخصیة: ۱/ ۱۱۹.
(١٣) النساء: ۱۱.
(١٤) عبد الكريم قاسم وعراقيون آخرون: ٨٤.
(١٥) أضواء على قانون الأحرات الشخصية. ١٥.
(١٦) النساء: ۱۱ .
(١٧) المادة: ۱۷ با / الدستور المؤقت ٢١\٩\١٩٦٨م قاعدة التشريعات العراقية/ مجلس القضاء.
(١٨) أضواء على قانون الأحوال الشخصية: ١٠.
(١٩) المدخل الفقهی العام: ۱۷۸/۱.
(٢٠) هل هناك مفهوم للحكم والسلطة في الفكر الإسلامي؟ مقالة في مجلة الثقافة الجديدة، العدد (۲۹۵) تموز – آب.
(۲۱) ينظر: الأحوال الشخصية: ١٢
(٢٢) العين: ٣/ ٢٩٩
(٢٣): ينظر المخصّص: ۳ ق ۳/ السفر الثانی عشر / ص ۲۹۷، و شرح أدب الکاتب: ٦٠.
(٢٤) تاج العروس:4 / ۱۸۳.
(٢٥) الصحاح : ٤/ ١٦٨٠.
(٢٦) ينظر: المخصّص: ۳ ق ۳/ السفر الثاني عشر / ص ۲۹۷.
(٢٦) ینظر: الفروق اللغویة: ۲۹۱.
(٢٧) الرحمان: ۲۹.
(٢٨) العين: ٤ / ١٦٥، الصحاح :3/ ١٠٤٢، مختار الصحاح: ١٧٦
(٢٩) تاج العروس ٩/ ٢٩٥
(٣٠) لسان العرب : ۳/ ٢٢٥.
(٣١) تاج العروس:٩/ ٢٩٦، لسان العرب : ٧/ ٤٥.
(٣٢) العين: ٣/ ٢٩٨
(٣٣)معجم مقاییس اللغة: ۲/ ۱۲۱، المخصص : ۳ ق ۳/السفر الثانی عشر، ص ۱۰۸، أساس البلاغة: ۲۰۸، النهایة فی غریب الحدیث و الاثر: ۱/ ٤٦٢، لسان العرب : ۱۱/ ۱۸۸ و ۱۸/ ۱۸۹.
(٣٤) لسان العرب: ۱۱/ ۱۸۹.
(٣٥) العین: ۵ / ۲۷، الصحاح: ٦/ ٢١٨٤
(٣٦) أساس البلاغة: ٧٩٤.
(٣٧) تاج العروس: ۱۸ / ٤٦٤
(٣٨) الصحاح: ٦/ ٢١٨٥
(٣٩) المدخل لدراسة القانون: ۱۹.
(٤٠)الصحاح: ٦/ ٢١٨٥
(٤١) العین: ۵ / ۲۷.
(٤٢) مختار الصحاح: ۲۸۵. ّ
(٤٣) الصحاح : ۹/ ۲۱۸۵.
(٤٤) القاموس المحیط: : ٤/ ٢٦١.
(٤٥) الصحاح: ۲/ ٦٢٤، لسان العرب: ٤ /١٦٩.
(٤٦) المخصص: ۵ ق ۱/ (السفر السادس عشر): ۱۸۵.
(٤٧) معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية: ٣/ ٦٢.
(٤٨) ینظر: المدخل لدرامسة النائون: ۲۰.
(٤٩) الوسيط في شرح قانون الأحوال الشخصية العراقي: ٨.
(٥٠) فقه النوازل : ۱/: ٩٤
(۵۱) ينظر: جهود تقنين الفقه الإسلامي: ٢٦.
(۵۲) مسيرة الفقه للاسلامي المعاصر.
(٥٣) المدخل لدراسة القانون: ۲۱.

 

يتبع…

Powered by Vivvo CMS v4.7