زيارة الاربعين ودورها في تعجيل الظهور المقدس .
بقلم الشيخ حميد وناس ال عجمي.
من الروايات الجميلة والنافعة جدا ما ورد في تفسير العياشي: 2 / 154 سورة هود، عن الامام الصادق عليه السلام: (أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام أنه سيولد لك فقال لسارة فقالت : (أألد وأنا عجوز)، فأوحى إليه: أنها ستلد ويعذب أولادها بردها الكلام علي، قال: فلما طال على بني إسرائيل العذاب ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا فأوحى الله إلى موسى وهارون ليخلصهم من فرعون فحط عنهم سبعين ومائة سنة فقال الصادق عليه السلام: هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا، فأما إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه ) .
ويمكن طرح فهم إجمالي سريع لمضمون هذه الرواية الشريفة: بأن الله تعالى قد أوصل مقدارا من المعرفة العالية عن طريق الوحي للنبي ابراهيم عليه السلام, مضمون هذه المعرفة أنك سيُولد لك بشكل إعجازي يخالف الحالة الاعتيادية لباقي أفراد البشر, فنقل النبي عليه السلام هذه المعرفة الاعجازية عالية المستوى الى زوجته سارة, فاظهرت سارة شيئا من الاستغراب الاعتراض بقولها: أألد وأنا عجوز .
فجاء الرد الالهي بان الوعد الاعجازي سيقع كما هو مقدر له, وستحتاج ذرية إبراهيم وسارة لاربعمائة سنة من التعليم والتربية العملية شديدة الصعوبة, ليكونوا اهلا لتلقي المعارف الالهية العالية وينقادون لها طوعا, وفعلا جرى كل ذلك, الا أن بني أسرائيل الذين هم ذرية إبراهيم وسارة, لحقهم التوفيق الالهي لسبب ما, فضجوا وبكوا الى الله تعالى, فتكاملت قابلياتهم بهذا الفعل, وصاروا اهلا لتلقي المعارف الالهية والانقياد لها والعمل على طبقها بشكل اسرع مما هو معتاد, وهذا ما أوجب إستغنائهم عن مائة وسبعين سنة من التربية العملية الصعبة .
ثم يعلق الامام الصادق عليه السلام على هذه الحالة بقوله: (هكذا أنتم، لو فعلتم، لفرج الله عنا، فاما إذا لم تكونوا، فان الامر ينتهي إلى منتهاه), هكذا انتم ايها الشيعة بهذا الحال أيضا, فإما أن تبقوا تحت التربية العملية الصعبة, بإنعزال قيادتكم المعصومة عن أمر الامة, الى أن تعرفوا لهذه القيادة حقها, والقيمة العظمى للمبادئ التي تنادي بها القيادة المعصومة, أو أنكم تضجوا كما ضج بني إسرائيل وتقروا للقائد والمنهج الحق فيقع الفرج لنا ولكم .
وبعد هذا العرض التوضيحي لمجمل مضمون الرواية الشريفة، ينكشف مدى الاهمية البالغة للشعائر الحسينية وخاصة زيارة الاربعين وما يسبقها عادة من خدمات تقدم للزوار، أهمية كل ذلك في زيادة الوعي الفردي والمجتمعي بأهمية تطبيق شريعة الله والسماح للقيم والاخلاق الاسلامية ان تنال حضها من التطبيق، فكل من عرف الشعائر الحسينية الاربعينية يلاحظ بكل وضوح ما تتخله تلك الشعائر من روحانية عالية، ورواج لاخلاق التسامح والتعاون والايثار والتضحية وبذل الوسع في مساعدة الاخرين، وغيرها من القيم التي تظهر جلية في شعائر زيارة الاربعين .
فالزيارة وشعائرها تمثل في جوهرها دورة معرفية تطبيقية مكثفة للقيم العادلة التي ستقوم عليها دولة الامام المهدي عليه السلام، الا انه ومع الاسف فان هذه الدورة تنتهي غالبا دون اخذ العبرة والموعظة منها، بالتوجه لله تعالى كما توجه بني اسرائيل من قبل بنيات خالصة وقلوب طاهرة، بالدعاء بدوام هذه الخدمة واستمرارها على انها نمط سلوكي قائم في المجتمع بصورة مستمرة، وذلك بتحكيم دبن الله والاخلاق الاسلامية في كل شؤون المجتمع، وجعل غاية كل فرد في عمله طلب رضا الله تعالى وقبول الامام المعصوم عليه السلام .
وفي هذه الحالة فقط تكون الدورة المعرفية لزيارة الاربعين قد اثمرت ثمرتها المنشودة، فتتدخل ارادة الله تعالى وحكمته بالاذن لمولانا الامام المهدي عليه السلام بالظهور وارتفاع حالة العذاب الذي يعيشه الفرد والمجتمع في هذا العصر، نتيجة غيبته وابتعاد مفاهيمه العادلة عن ساحة التطبيق العملي، نعم تتدخل الارادة الإلهية وترفع حالة الغيبة حتى لو كان المقدر لها سابقا الاستمرار لسنوات اخرى .
اما اذا اصر المجتمع على حالة الغفلة عن الحكمة العالية للدورات التعليمية للشعائر الحسينية وخاصة زيارة الاربعين، فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه كما ذكر الامام الصادق عليه السلام في الرواية، فيستمر البلاء والعذاب الى امد لا يعلمه الا الله تعالى، ذلك الامد الذي يكون كافيا لتربية المجتمع وتوجيهه نحو شرع الله تعالى، اذا فالزيارة الاربعينة تحمل في طياتها مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق كل مشارك في هذه الزيارة، وهي مسؤولية اخذ العبرة ومعرفة الحكمة من هذه الزيارة والتوجه لله تعالى، مما ينتج خلاص البشرية جمعاء من عذاب غيبة الامام المهدي عليه السلام .