بيعة الامام المهدي عليه السلام من تمام اعمال يوم الغدير.
بقلم الشيخ عمار النصرالله
إن ماجرى يوم الغدير من اعلان الولاية لعلي بن ابي طالب عليه السلام إنما هو في حقيقته تأسيس وتأصيل لمبدأ الامامة الالهية. ذلك المبدأ الذي عقد على لوائه جمع الأمة الاسلامية ولم شتاتها وتوحيد مسارها بعد رسول الله صلى الله عليه واله. والحفاظ على المنجزات التي تحققت نتيجة الجهود المضنية التي تحملها نبينا الاكرم صلى الله عليه حتى قال (( ماأوذي نبي مثلما أوذيت))١.
نعم تلك الجهود الجبارة والعظيمة والمكتسبات الكبيرة لم تكن لتبقى فيما لو رحل النبي صلى الله عليه واله ولم يعين خليفة من بعده ليدير شؤون الدولة الفتية التي يتربص بها اعدائها ويتحينون الفرص لنسف دعائمها وهد اركانها. وهذا الدور المحوري والكبير لا يملأ فراغه احد. ولا ينهض به على اتم وجه الا رجل مسدد ومؤيد من الله تعالى. فكان ذلك الرجل هو علي ابن ابي طالب عليه السلام.
والملفت للنظر ان حاجة الأمة الى رجل مسدد ومؤيد من الله تعالى ليس مقيدا بزمان دون آخر. وانما هي حاجة متجددة مادامت السموات والارض. وقد اشار الامام الصادق عليه السلام الى تلك الحقيقة بقوله ((لو لم يبق في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجة))٢.
وبسبب تلك الحاجة المتجددة الى الحجة الالهية على الناس اعلن الله تعالى يوم الغدير بان إكمال الدين وإتمام النعمة باتباع منهج الامامة الالهية والتي استهلت بخير البشر بعد النبي صلى الله عليه واله وهو امير المؤمنين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين.
وبين النبي الاكرم صلى الله عليه واله أن منهج الامامة سيستمر الى احد عشر اماما بعد علي عليه السلام. فيكون مجموع الأئمة اثنا عشر. حيث جاء في صحيح البخاري على لسان جابر بن سمرة عن عبد الملك، سمعتُ جابرَ بن سَمُرةَ قال: سمعت النبي صلى الله عليه واله يقول:(( يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمةً لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال: كلهم من قريش))٣.
وأخرج مسلم في صحيحـه هذا الحديث باختلاف يسير بعبارة خليفة كلها منقولة عن جابر بن سمرة الذي يقول:(( انطلقت إلى رسول الله مع أبي، فسمعته يقول: "لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة فقال كلمةً صمّنيها الناس، -أي حالوا دون سماعه الكلمة- فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش))٤.
كما ورد الحديث بنفس المضمون في سنن أبي داود (٥) وسنن الترمذي (٦).
وبعد كل هذا يتبين لنا بأن حادثة الغدير المباركة لازالت مستمرة الى يومنا هذا. وكأني بالنبي الاكرم صلى الله عليه واله لازال رافعا يد الحجة في هذا الزمان وهو الامام المهدي عجل الله فرجه. وينتظر من يبايعه على طاعة الله وطاعة رسوله ونصرة الدين. خصوصا واننا في زمن كثر فيه التشكيك والتشويه والتزوير للحقائق الالهية الثابتة. فتكون بيعة المولى صاحب العصر والزمان بالثبات على الدين. والعمل الجاد والدؤوب على ملئ الفراغات ورد الشبهات ودفع المنكرات ماستطاع المؤمن الى ذلك سبيلا. فلا زال اهل الباطل يتدافعون مع اهل الحق لازالتهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها.
فالبيعة ليست اعلان باللسان فقط واسدال الستار عن الجانب العملي. وانما هي كلمة باللسان وعمل بالاركان. ومن تمام اركانها معرفة امام الزمان حق معرفته. والعمل على التواجد في ساحات العمل الاسلامي والدفاع عن الدين.
فقد ورد عن الامام المهدي روحي وارواح العالمين له الفداء فيما ورد عنه إلى الشيخ المفيد رحمه الله (( فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا، وليتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة))٧.
فهنيئا لمن صدق الله تعالى في امره للنبي صلى الله عليه واله بتنصيب علي ابن ابي طالب عليه السلام في يوم الغدير. وهنيئا لمن استمر ببيعة امام الزمان عجل الله فرجه وواصل بيعته بالعمل الصالح الذي يرضي الله تعالى.
( اَللّـهُمَّ إنّي أُجَدِّدُ لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أَيّامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي، لا أَحُولُ عَنْها وَلا أزُولُ أَبَدا).
لبيك ياصاحب الزمان.
._________________________________________
١-بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٩ - الصفحة ٥٦.
٢-الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ١٧٩.
٣-صحيح البخاري ج٩ الصفحة ٨١.
٤- صحيح مسلم ج٣ الصفحة ١٤٥٣.
٥-سنن ابي داود ج٤ الصفحة ١٠٦.
٦-سنن الترمذي ج ٤ الصفحة ٥٠١.
٧-أهل البيت في الكتاب والسنة - محمد الريشهري - الصفحة ٤١٢