هل سيتمكن الناس بعد ظهور الامام المهدي عليه السلام من أن يعملوا المعاصي؟ باعتبار ماهو معروف من دور الامام عليه السلام بعد ظهوره هو تطهير الارض من الظلم ونشر العدل، والمعاصي والذنوب من اوضح صور ظلم الفرد لنفسه ولدينه
هل سيتمكن الناس بعد ظهور الامام المهدي عليه السلام من أن يعملوا المعاصي؟ باعتبار ماهو معروف من دور الامام عليه السلام بعد ظهوره هو تطهير الارض من الظلم ونشر العدل، والمعاصي والذنوب من اوضح صور ظلم الفرد لنفسه ولدينه، واذا كان الجواب: نعم سيتمكن الناس من ارتكاب الذنوب، فهل هذا معناه ان حال ظهور الامام المهدي عليه السلام لايختلف عن غيبته؟
الجواب:
بقلم الشيخ حميد وناس ال عجمي:
اولا: إن القاعدة الشرعية الصحيحة هي أن التكليف بالاحكام الشرعية الفقهية او الأخلاقية الاسلامية التي توجب مخالفتها العصيان، هذا التكليف مستمر بالاسلوب نفسه منذ عصر التشريع ونزول الوحي على النبي الاعظم صلى الله عليه واله وسلم والى قيامة الساعة، طبقا لما ورد في بعض الروايات الشريفة: حلال محمد حلال الى يوم القيامة وحرام محمد حرام الى يوم القيامة، فموضوع الحلال والحرام وطبيعة التكليف به والثواب والعقاب المترتب عليه هو بنفس الحال منذ عصر نزول التشريع الى يوم القيامة، نعم قد يصدف ان تكون هناك حالات اضطرارية فردية او جماعية يتغير فيها التكليف، او تكون التبعة المترتبة عليه مختلفة، لكنها حالات اضطرارية خاصة ولا تمثل حالة عامة .
واستمرار هذا التكليف بهذا النسق الثابت يكشف عن طبيعة ثابتة عند المكلف، لان التكليف وضع من مشرع عادل عالم حكيم، وحيث ان المكلف اليوم وما قبله له القابلية التكوينية للاتيان بالذنوب والمعاصي، فهذا معناه استمرار هذه القابلية على حالها الى اخر زمن التكليف وهو قيام الساعة .
ثانيا: ان قيام التكليف الشرعي على مبدأ الاختيار وعدم الجبر في كل مراحله، له مبادئ حكيمة واهداف يراد الوصول اليها من قبل الفرد نفسه، وهذه الاهداف يمكن اجمالها بهدف واحد هو: حصول حالة التكامل عند الفرد والفوز بمراتب القرب من الله تعالى، تكريما لما اختاره من سلوك وعمل صالح، اذن فالقول بعدم امكان ارتكاب الذنوب بعد ظهور مولانا الامام المهدي عليه السلام، يلزم منه سلب حق اختيار السلوك من افراد عصر الظهور، وبالتالي سد طريق التكامل امامهم ومنعهم من التقرب لله تعالى، وبهذا يكون عصر الظهور ذا طبيعة متدنية واقل من عصر الغيبة وما قبلها، وهي نتيجة لا يمكن الالتزام بها، لسبب بسبط هو ان عصر الظهور يمثل النتيجة النهائية من خلق الجنس البشري وبعث الانبياء وانزال التشريعات، فكيف تكون هذه النتيجة النهائية اقل قيمة مما سبقها؟
اذن وتفاديا لهذه النتيجة الخاطئة لابد من الالتزام ببقاء اسلوب التكليف على حاله والسماح للافراد بمخالفة هذا التكليف لينفتح امامهم طريق التكامل والقرب الالهي، بلا فرق قبل الظهور او بعده.
ثالثا: ما ذكر اعلاه ليس معناه ان حال ظهور الامام المهدي عليه السلام لايختلف عن غيبته، او ان الفرد والمجتمع البشري لا يلحظ اختلافا او فرقا بين عصر الغيبة وعصر الظهور، فالفرق من جهة معنوية موجود وكذلك من جهة عملية تطبيقية:
اما من حيث الجهة الاولى، والمقصود بها الجهة المعنوية التربوية فيمكن القول ان الوعي الفردي والمجتمعي المتحقق بعد الظهور باهمية تطبيق الاحكام الشرعية والشعور بالمسؤولية تجاه الدين سيرتفعان عند الفرد والمجتمع بصورة كبيرة جدا، لكن بصورة تدريجية طويلة الامد تمتد لعدة سنوات، وذلك نتيجة للتربية المعنوية التي يقدمها الامام عليه السلام للمجتمع، فيكشف لهم حقيقة القبح الذي يتضمنه الذنب وسوء حال الفرد الذي يختار طواعية ان يخرج عن حد كرامة الله تعالى له بالعبودية، فتقل تبعا لذلك الذنوب والمعاصي جدا، الا ان قابلية الاتيان بها تبقى على حالها دائما الى قيام الساعة، وهذه هي الجهة الاولى من جهات الفرق بين عصري الغيبة والظهور .
اما الجهة الثانية وهي الجهة العملي التطبيقي، فان الامام المهدي عليه السلام سيضع التشريعات القانونية وقواعد السلوك العام للافراد، تلك التشريعات والقواعد التي لن تسمح بمخالفة الشريعة الإسلامية باي درجة كانت، وهذا ما سينتج جو مجتمعي عام ظاهره الالتزام بالشريعة وسد كل باب يمكن ان يسبب ارتكاب الذنوب والمعاصي لاي سبب كان، فالفرد المنحرف الذي لم تتربى نفسه بعد ولم يتاثر بالتربية المهدوية بحيث انه لازال لا يستشعر قبح الذنوب وعظم مقام العبودية، مثل هذا الفرد لن يجد ميدانا او بيئة مناسبة لترجمة هذا الانحراف والنقص عنده عمليا، الا بصورة فردية خفية بعيدة عن سلطات المراقبة المهدوية .