(يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي)
سؤال /السلام عليكم....
ممكن شرح وتفصيل للكلام الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصفه للإمام المهدي عجل الله فرجه حيث يقول: (يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي), (شرح نهج البلاغة ج٩ص٤٠).
الجواب / وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
بما إن دولة مولانا الإمام المهدي عليه السلام هي دولة العدل المطلق, والعبودية الخالصة لله تعالى، فهي قطعا ستقوم بكل تفاصيلها على أسس إسلامية خالصة, وبعيدا عن أي آراء بشرية, وقوانين وضعية لم تشرع من قبل الله تعالى .
وحقيقة الْهَوَى البشري أنه: (ميل النفس إلى الشهوة, ويقال ذلك للنّفس المائلة إلى الشّهوة، وقيل: سمّي بذلك لأنّه يَهْوِي بصاحبه في الدّنيا إلى كلّ داهية، وفي الآخرة إلى الهَاوِيَةِ), (مفردات الراغب الأصفهاني, ص 147), فإذا إشتد ميل النفس للشهوات, صار ذلك الهوى بمثابة الإله لها, يأمرها فتطيعه من غير نقاش أو إعتراض, قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ )(الجاثية, الآية: 23) .
والإمام أمير المؤمنين عليه السلام يشير في هذا المقطع من كلامه بقوله: (يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى), إلى جانب مهم من جوانب الإصلاح المهدوي للفرد والمجتمع: فمولانا الامام المهدي عليه السلام يعطف هوى الفرد والمجتمع ورغباتهم بما لها من تأثير كبير, على الهدى الإسلامي المنزل من الله تعالى, وذلك من خلال ما يقوم به من نشاط تربوي صحيح للمجتمع, والتشريعات القانونية التي تحكمه .
وذلك بعد كان أرباب السياسة والإجتماع والإقتصاد بل وعامة الناس, ممن هم خارج الخط الديني القويم، قد عطفوا وأمالوا الهدى القانوني الإسلامي على هواهم المحقق لرغباتهم المنحرفة، في زمن الغيبة, فراحوا يحرفون النصوص الشرعية الهادية, ويفسرونها على وفق ما يتناسب وأهوائهم وأذواقهم الشخصية, مع أن العلاقة بين الهوى البشري والهدى الإسلامي, جاء تنظيمها صريحا في قوله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) (القصص/ 50), إذن فجعل الهوى البشري بما يتضمنه من ميول ورغبات قائدا متبعا, ينتهى بالفرد والمجتمع للضلال والإنحراف عن هدى الله تعالى, فلا يصل لمقام العبودية الخالصة له سبحانه, ولا ينعم بالعدل الإسلامي المطلق .
وفي القسم الثاني من كلام أمير المؤمنين عليه السلام, بقوله: (ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي), يبين الآلية العملية التي من خلالها يقوم مولانا الإمام المهدي عليه السلام, بعطف الهوى الفردي والمجتمعي على الهدى الإسلامي, وذلك بأن يتم توجيه الأراء لجهة تنسجم فيها مع القرآن الكريم, فيكون المحور الذي يتحرك حوله الرأي تابع للقران الكريم, فيدور الرأي في فلك المفاهيم العظيمة للقرآن الكريم, والتوجيهات العملية التي انزلها الله تعالى على نبيه الاكرم صلى الله عليه واله وسلم .
بعد أن يكون المجتمع البشري عامة والمسلم خاصة, قد مر بفترات جاهلية عزلت تلك المفاهيم والتطبيقات القرانية عن ساحة الواقع, وأتاحت لوسائل الاعلام والتعليم والثقافة حق عطف تفسير القرآن الكريم بل مطلق النصوص الشرعية من روايات شريفة وغيرها, على آراء فئة المنحرفين من أهل السلطة من حكام وغيرهم, ممن لا هدف لهم الا تحصيل المكاسب ونيل الملذات .
وما اجمل وادق فعل: ( يعطف) الذي استعمله الامام أمير المؤمنين عليه السلام في بيان النشاط المهدوي القراني، فمولا؟ نا الإمام المهدي عليه السلام في نشاطه بعطف الرأي على القرآن الكريم, لا يبدأ من النصوص القرآنية ليجعلها اسس لتصحيح الآراء الموجودة آنذاك, بل هو ينطلق من نفس تلك الآراء وما أثرته في واقع الحياة بصورة منحرفة, فعطفها ويميلها نحو القرآن الكريم، فهو يركز نشاطه على كل جانب من جوانب ذلك الواقع المنحرف منفردا, بإعتباره أثر تطبيقي ملموس للآراء البشرية, ثم يستعين بالنص القرآني كوسيلة إصلاحية لذلك الواقع الفاسد, بعرض تلك الآراء وما أنتجته على القرآن الكريم, وبذلك يبين عظيم الخلل في تلك الآراء, وحجم الأذى الذي لحق المجتمع بسببها ... والله اعلم بحقائق الأمور.
الشيخ حميد وناس ال عجمي.