حوار الأديان ضرورة حضارية
بسمه تعالى
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ال عمران: 64
هناك رؤيتان في تاريخ الأديان:
١- رؤية تركز على المختلف.
٢- و أخرى تركز على المشترك وفهم المختلف فيه انه مسألة طبيعية ضرورية ولابد أن يكون الاحترام هو الأمر المتبادل والبحث العلمي والدليل هو الحكم لاغير (قل هاتوا برهانكم).
ولا زالت هذه الرؤى مسيطرة على البشرية مع التقدم العلمي والعقلي والفكري ،وفي الغالب تلعب السياسة دورا مهما في ذلك لأجل استغلال الدين لاغراضها غير المشروعة ، ومن المشاريع المهمة في ذلك :
إنعقاد (مؤتمر قادة الأديان) الذي عقد الأسبوع الماضي يوم الإثنين الخامس من شهر اكتوبر/تشرين الأول الجاري في آيسلندا بحضور رئيس وزرائها وجمع من زعماء وقادة الأديان في العالم وبرعاية أممية واسعة تتصدرها الأمم المتحدة.
وقد شارك فيه المرجع السيد محمد تقي المدرسي دام ظله استجابة للدعوة الموجهة إليه.
ونحب أن نشير إلى بعض النقاط حول ذلك:
اولا : إن الحوار هو قاعدة أساسية في الدين الاسلامي وفي المذهب الشيعي ، وقد صدرنا كلامنا بهذه الآية الكريمة التي دعت إلى (كلمة سواء ) بين الأديان الإلهية السماوية ، محورها الإيمان بالله تعالى ، وعدم التسلط على الإنسان بحيث يكون البعض اربابا والبعض الآخر عبيداً ،ونحن نجد صورة الحوار واضحة في القران الكريم - الكتاب المقدس للمسلمين -، فالله عزوجل يحاور الملائكة في اصل الخلق ويحاور الشيطان ،ويبرز لنا صور محاورة ويستخدم هذه اللفظة كثيرا ،مما يشيع ثقافة الحوار بين أتباعه وبين الآخرين .
ثانيا : بات الأمر العالمي والانقسام الدولي حول المصالح يلزم الجميع على ضرورة الحوار خصوصاً بين أهل الأديان لان الساسة في العالم يستخدمون الدين للدنيا ويكرهون كل اهل دين بالدين الآخر ويشيعون الدعايات ويحاربون الأديان في خطابهم السياسي وهذا ما فعله مؤخراً الرئيس الفرنسي؛ اذ ادعى وجود أزمة دينية إسلامية وأن الإسلام يعاني من أزمة وجودية!
مما سبب تشنجا عاما، بل تحركاً من مؤسسات إسلامية و دولية ضد هذا الخطاب الذي يثير الكراهية ، فلابد من مواجهة ذلك عبر الحوار وعبر التعرف على الاخر ولن يكون ذلك إلا بالجلوس معه ، فمهما قرأت عن الآخر لن تعرفه جيدا عبر لسان خصومه ، وعلى وجه الخصوص فان أهل الأديان المختلفة اذ يتعرف احدهم على الآخر عبر مباحث (علم الكلام) والذي أسس للدفاع عن العقيدة، ومن ثَمّ من الصعب معرفة الآخر عبره.
ثالثا : أنّنا في مركز الإمام الصادق عليه السلام للدراسات والبحوث الإسلامية في النجف الاشرف، مع اي دعوة للحوار مادامت تصب في مصلحة مبدأ التوحيد وخدمة الإنسانية ، لاننا نؤمن أن الحوار هو الطريق الأمثل للوصول إلى الحقيقة، بل والاستقرار العالمي ، بعيدا عن لغة الإقصاء والتكفير والتخوين ، لذلك ندعو الجميع إلى هذا الحوار، ونعلن الاستعداد لخوض غماره بما نمتلك من مقومات ومؤهلات تؤدي بنا في النهاية إلى إرساء قواعد مشتركة للعيش الكريم الذي يقوم على قاعدة احترام الآخر، وما أسسه الدين الإسلامي المبارك، وجاء على لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وصيته لعامله على مصر مالك الأشتر : (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم. ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان أما اخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)
فإن سيرة أهل البيت عليهم السلام ماهي إلّا حوار مستمر مع الآخر ، هذه السيرة العطرة التي باتت الأنسانية بحاجة اليها
وفي الختام
نسأل الله تبارك وتعالى ربّ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين وربّ بقية الانبياء والمرسلين وربّ البشر أجمعين أن يؤلّف قلوب بني البشر ، ويجمع كلمتهم على حبّه ، والاقرار له بالعبودية الحقّة لتنفتح عليهم بركات السماوات والأرضين .
قال تعالى : ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ )) الاعراف : 96
ألهي : ( يا غاية آمال المُحبّين أسألك حبّك ، وحبّ من يحبّك ، وحبّ كل عملّ يوصلني الى قربك ، وأن تجعلك أحبّ اليَّ ممّا سواك ، وأن تجعل حبي أياك قائدا الى رضوانه ....)
بأحب الخلق اليك محمد وآله أحبائك الميامين
مركز الإمام الصادق عليه السلام
النجف الأشرف
28 صفر 1442 هج
ذكرى وفاة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله