من وحي ذكرى شهادة السيّد محمد باقر الصدر (رض)
بقلم الشيخ: مهدي عاتي المالكي
أغتيال السيد الشهيد السعيد محمد باقر الصدر. ( رض ) جريمة إنسانيّة كبرى، جريمة إبادة جماعيّة لأمّة كاملة، لأنّه كان أمّة في رجل، كان كجده الخليل إبراهيم (ع) " أمّة قانتاً"، أمّة لأنّه كان يعيش هموم أبناء الأمّة بكلّ وجوده المبارك، ووصل لذكاءه العاطفي الكبير الى أعلى درجات التقمّص الوجداني ليس الفردي منه بل التقمّص الوجداني الإجتماعي، وهي صفة القادة الكبار والمصلحين العظام من أصحاب النفوس الكبيرة والهمّم العالية، فكان هدفاً نوعيّاً لسهام الظلمة والطغاة والفاسدين والمنحرفين من أشباه الناس، وهو حال كلّ مصلح حقيقي يحاول إصلاح أحوال أبناء مجتمعه الإنساني الكبير إصلاحاً شاملاً، دينيّاً وفكريّاً وثقافيّاً وأخلاقيّاً وسياسيّاً وإقتصاديّاً وإجتماعيّاً، إصلاحاً إبتدأ بجهود إصلاح المنظمة الدينيّة والفكر الديني، الذي يُمثّل قاعدة الإنطلاق الأقوى لأيّ عمليّة إصلاح حقيقية كبرى،
فالمصلح وفي كلّ زمان وعصر
- لا الصالح - هو الهدف الأوّل لمثل هولاء من شُذّاذ الآفاق ومردة الناس، لأنّه يمثّل التهديد الحقيقي لوجودهم السرطاني الخبيث في جسد المجتمعات الإنسانيّة، امّا الصالح الذي ليس من همّه أمر الإصلاح، أو لانّه لايمتلك أدواته فهو مأمون الجانب، وليي في وجوده أيّ خطر عليهم ..
إغتيال السيد محمد باقر الصدر جريمة إشترك فيها منفذوها، والممهّدين لها، والراضين بسكوتهم عنها - وإن كان رضاهم بعدم إستنكارهم القلبي وهو أضعف درجات الشجب والرفض لهذه الجريمة - ..
إغتياله إغتيال للعقل الإبداعي المتفرّد في علمه وفكره، العلم والفكر الحقيقي العالمي، لأنّ العلم والفكر لا يكون علماً وفكراً حقيقيّاً إلّا إذا كان عالميّاً، ويستهدف إصلاح العالم وأبناء العائلة البشريّة الكبرى، كما هي وظيفة ورسالة النبي الخاتم (ص) وأوصياءه (ع)، العلم والفكر الذي يُمهّد لقيام الدولة العالميّة الكبرى، على يدّ المصلح الأعظم الإمام الحجة المنتظر (ع) في دولة العدل الإلهي،العلم والفكر الذي إنبثق من أزقّة النجف الضيّقة، ليحطّم الحواجز المفروضة على المؤسّسة الدينيّة التي تمنع من إنطلاقها في فضاءات معرفيّة وثقافيّة وعلميّة واسعة ورحبة، وآفاق عالميّة تتناسب مع عالميّة الإسلام، إنطلق في مشروعه الإصلاحيّ الجذرّي من قلب المؤسّسة الدينيّة ليكسر حالة الجمود الفكري، والخواء الروحيّ، والتقوقع العلمي، إنطلق ليفضح القداسة
الزائفة، والجهل الواقعي المتجذّر في عقول كثير من أبناء هذه المؤسّسة،والمتستّر بمسوح رجال الدين وكلماتهم الجوفاء مهمّا إجتهدوا في إخراجها في قوالب لطيفة عذبة، ولينسف قواعد كبرياءهم الزائف، وإقتدارهم العلمي الموهوم، وتصحّر وجفاف ينابيع العطاء في نفوسهم، وقعودهم عن الإندكاك العضويّ في هموم ومشاكل والآلام وآمال أبناء أمّتهم..
➖➖➖➖➖➖➖➖
أعظم الله تعالى لكم الأجر، وأحسن لكم العزاء بذكرى شهادة العقل الإبداعي الأكبر، والروح الإنسانيٍة العظمى، والصالح المُصلِح الحقيقي السيّد الشهيد محمد باقر الصدر (رض).