الإمام الحسن عليه السلام والقرآن صنوان لا يفترقان
بقلم: فضيلة الشيخ ميثم الفريجي
بسمه تعالى
الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) من العترة الطاهرة، وأهل بيت النبي (صلى الله عليه واله) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين جعلهم النبي (صلى الله عليه واله) عدلاً وصنواً للقرآن الكريم وأوصى أمته قائلاً: (إنّي تاركٌ فيكم الثقلين ما إن تَمَسَّكتم بهما لنْ تضلّوا بعدي: كتابَ اللَّه وعترتي أهلَ بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوضَ). وقد أجمع المسلمون بكل طوائفهم ومذاهبهم على التسليم بصحة صدور هذا الحديث عنه (صلى الله عليه وآله)
والقرآن الكريم يحكي لنا في جملة من آياته نزلت في حق العترة الطاهرة وبيان فضلهم والإشارة الى مناقبهم وتعريف الأمة بهم، فكان الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) فيهم و معهم
منها: قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الأحزاب: 33، فعن علي بن الحسين (عليه السلام)، عن أم سلمة، قالت: نزلت هذه الآية في بيتي وفي يومي، كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندي فدعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) وجاء جبرئيل (عليه السلام) فمد عليهم كساء فدكياً، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي،. اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قال جبرئيل: وأنا منكم يا محمد. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): وأنت منا جبرئيل. قالت أم سلمة: فقلت: يا رسول الله، وأنا من أهل بيتك، وجئت لأدخل معهم. فقال: كوني مكانك يا أم سلمة، إنك إلى خير، أنت من أزواج نبي الله. فقال جبرئيل: اقرأ يا محمد: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليه السلام) ، وهذا الحديث من الأحاديث المستفيضة التي اتفق على روايتها كتب الفريقين، وتُعرف هذه الآية بآية التطهير
ومنها: قوله تعالى: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم…) آل عمران: 61 ، وتُعرف بآية المباهلة وقد أجمع الفريقان على أنَّ المراد بأبنائنا الحسن والحسين عليهما السلام
ومنها: قوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا ) ، نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، كما تظافرت الروايات في ذلك
ومنها: قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)، فعن سعيد بن جبير. قال: نزلت هذه الآية والله خاصّة في أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: كان أكثر دعائه يقول: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا)، يعني فاطمة، و(وَذُرِّيَّاتِنَا) يعني الحسن والحسين. (قُرَّةَ أَعْيُنٍ)، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): والله ما سألت ربّي ولداً نضير الوجه، ولا سألته ولداً حسن القامة، ولكن سألت ربي وُلداً مطيعين لله، خائفين وجلين منه، حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع الله قرَّت به عيني
ومنها: قوله تعالى: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) النمل: 59، عن ابن عباس قال: هم أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله): عليّ ابن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين وأولادهم الى يوم القيامة، هم صفوة الله وخيرته من خلقه ، وغير ذلك.
وكذا جاءت كلمات الإمام الحسن (عليه السلام) لتبيّن وتؤكد قدسية القرآن الكريم، وتدعو المسلمين للتمسك به، والتفكّر في آياته، والتبصّر بها بمعرفة ووعي، و ضرورة أنْ يقترن ذلك كله بالعمل بأحكامه وآدابه وتعاليمه، باتخاذه إماماً وهادياً، فلا يكتفى بحفظ كلماته وإجادة تلاوته، بلْ بالتفكر فيه و والتدبّر بآياته والعمل بأحكامه
ورد عن الإمام الحسن (عليه السلام): (ما بقي في الدنيا بقية غير هذا القرآن فاتخذوه إماماً يدلكم على هداكم، وإنَّ أحق الناس بالقرآن من عمل به وإن لم يحفظه، وأبعدهم منه من لم يعمل به وإن كان يقرؤه، وقال: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ، وقال: إن هذا القرآن يجيء يوم القيامة قائدا وسائقا يقود قوما إلى الجنة أحلوا حلاله وحرموا حرامه وآمنوا بمتشابهه، ويسوق قوما إلى النار ضيعوا حدوده وأحكامه واستحلوا محارمه)
ومن ضمن كلامه (عليه السلام): (إنَّ هذا القرآن يجيء يوم القيامة فيه مصابيح النور وشفاء الصدور، فليجل جال بضوئه، وليلجم الصفة قلبه، فإن التفكير حياة القلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور)
ونرى الإمام الحسن(عليه السلام) يحتج بالقرآن الكريم في مواطن كثيرة خاصة على الذين انقلبت لديهم المفاهيم واختلطت عليهم الأمور فيقول: (نحن حزب الله المفلحون و عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الأقربون، وأهل بيته الطاهرون الطيبون، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) والثاني كتاب الله، فيه تفصيل كل شيء لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه والمعول عليه في كل شيء لا يخطئنا تأويله بل نتيقن حقائقه فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله والرسول وأولي الأمر مقرونة: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)، ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) )
وقال المجلسي: وصح عن الحسن بن علي (عليهما السلام) إنه خطب الناس فقال في خطبته: أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) واقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت)
ميثم الفريجي
15 رمضان 1443 هــ
النجف الأشرف