• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

قطف ثمار زيارة الاربعين

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1221
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
قطف ثمار زيارة الاربعين

بقلم: فضيلة شيخ ميثم الفريجي


جرت سيرة العقلاء في تجمعاتهم  العلمية ، والاجتماعية ، والفكرية ، والاقتصادية ، والسياسية ، وغيرها ان يخرجوا بثمار مهمة ونتائج فعّالة يسعون فيها الى تطوير قدراتهم ، والوصول الى الكمال فيما اجتمعوا من اجله .


وهذا ديدن الشارع المقدس الذي هو سيد العقلاء ، ورئيسهم ، فقد جرى في أغلب أحكامه الاجتماعية - كصلاة الجماعة ، والجمعة والعيدين ، والحج ، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والجهاد ، واحياء الشعائر المقدسة ونحو ذلك - على اظهار العزة والقوة والمنعة بين صفوف المسلمين

قال تعالى :(( إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ )) الصف : 4 

وتغذيتهم الغذاء الروحي والمعنوي الذي هو زادهم الى الاخرة

قال تعالى : (( وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُونِ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ )) البقرة : 197 


وقد برز ذلك واضحاً في فعّاليات زيارة الاربعين ، حيث اجتمع المسلمون من بقاع الارض المختلفة ، وبلغات وألوان متعدّدة ، وأزياء وجنسيات متنوعة  ؛ تجمعهم كلمة الله تبارك وتعالى ، وحبهم وولائهم لنبيهم ، وأهل بيته صلوات الله عليهم ، وإيماناً منهم بقضية الامام الحسين عليه السلام ؛ الذي أحيا في القلوب والعقول عنصر التحرّر من الطاغوت ، والشيطان ، والنفس الامارة بالسوء ، ودعى الى ان يعيش الانسان حراً كريماً عزيزاً في مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية ، ويعمل بقانون السماء الذي اختطه الله تعالى لعباده ، وبلَّغه أنبياؤه ورسله الكرام ليعم الخير والسلام والسعادة على ربوع المعمورة

فكانت هذه الجموع التي ناهز عددها الملايين غصّت بهم ارض المقدسات ؛ عراق الصمود ، والولاء ، والاباء وفتح المؤمنون قلوبهم وبيوتهم ومواكبهم  خدمة لهم وإيماناً بما هدفوه من زيارتهم 


 فأستحق هذا التجمع ، وهذه المسيرة المباركة ان تكون هي الاكبر والأضخم في العالم الحديث من حيث  العُدَّة ، والعدد ، والهدف  ، وقد اعترف بذلك بعض المتابعين من الغرب ودعى الى تضمينها في موسوعة غينيس   

‏(Guinness World Records) 

للأرقام القياسية ، وكل ذلك من دون ان يلحظ اي خرق او تلكأ على كافة المستويات الأمنية والخدمية بالرغم من الظروف المعروفة التي يمر بها العراق   

، بينما يعجز الغرب والدول المتقدمة من تنظيم فعّاليات اقل بكثير من هذا العدد مع ما لديهم من طاقات وامكانيات متطورة ولا تكاد تخلو من التلكآت .

 

  فهنيئا للزائرين الكرام هذا الحب والولاء لسبط النبي صلى الله عليه وآله ، وسيد الشهداء الحسين الشهيد صلوات الله عليه ، وهنيئا لكل من ساهم في إنجاح هذه الزيارة العظيمة من دون استثناء والقائمة تطول ان أردنا ان نحصي ولهم الشكر جميعا قال تعالى :((  وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ )) آل عمران : 57  


 ولكي يتمّ الهدف الاسمى من الزيارة ، وتؤتي اُكلها كل حين بأذن ربِّها ، وترقى الى مستوى الطموح الذي يريده الله تعالى ، وأولياؤه المعصومون عليهم السلام لابد ان تقطف الثمار وتجنى النتائج الطيبة منها على المستويين الفردي والاجتماعي


اما على المستوى الفردي :

 فقد قال تعالى : (( ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ ))

الحج :32

فأنَّ هذه الشعيرة المقدسة ( زيارة الامام الحسين عليه السلام ) ، وغيرها من المقدمات الموصلة الى الله تعالى  من تقوى القلوب فينبغي للزائر الكريم ان لا يعود الا بهذه الثمرة الحميدة التي هي من البركات المعنوية لإمامنا الحسين عليه السلام لان سفينته أوسع وفي لجج البحار أسرع  ، فلنرجع محمّلين بزاد الزيارة المعنوي ، وهي التقوى ، ولننظر من جديد في علاقتنا مع الله تبارك و تعالى ، ولنحافظ على هذه المكاسب ليحيا الحسين عليه السلام في عقولنا وقلوبنا منهجاً وعقيدةً وسلوكاً ، ولا نرتضي بأقل من ذلك . 


وعلى المستوى الاجتماعي :


١. ينبغي استثمار هذه التجمعات المليونية المباركة لأبراز خط الاسلام النظيف ، والمعتدل الذي يقوده اهل البيت عليهم السلام في قبال الخط الآخر الذي وقف عاجزاً عن اعطاء الصورة المشرقة للاسلام المحمدي الأصيل ، بل اساء في الفكر والعقيدة حتى فرّخ وأولد الارهاب ، والتطرّف ، ولازال يغذيه من الأفكار الدخيلة .


٢. تركيز مبدأ ان الامام الحسين ليس لأتباعه فحسب ، وأنّما هو لعموم المسلمين ، بل للانسانية جمعاء كما كان جدُّه رسول الله صلى الله عليه واله : ((  وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) الانبياء :107


وذلك لينفتح العالم بأسره على مباديء الحسين التي جسَّدها في كربلاء ، والتى سعى فيها الى تخليص المجتمعات من الحاكم الظالم الجائر ، وابداله بالعادل الرحيم بالناس الذي يقف معهم كأحدهم ، ويبني لهم المجتمع العادل الذي تسوده روح الاخوة ، والتسامح ، والسلام ، وفي عالمنا الحديث نجد ان اغلب المجتمعات تبحث عن هذه المباديء الكريمة بعد ان غابت المثل العليا ، والقيم الاخلاقية ، والروحية في التعاطي مع قضايا الناس وهمومهم وآلامهم وآمالهم 


٣. إيضاح فكرة ان خط الامام الحسين بمبادئه الكريمة والعظيمة لازال مستمراً ، وهناك من يحمل هذه المباديء ويعيشها بروحه ، وجسده ، وهو حفيد الحسين والخارج من صلبه والتاسع من ولده : الامام المهدي الموعود المنتظر لاحقاق الحق ، وارساء دعائم العدل في بقاع المعمورة لتحيا المجتمعات بسلام ، وامان ، وتعيش العز والكرامة تحت رايته المباركة  بعد ان يملأ الارض قسطاً وعدلاً  كما ملأت  ظلماً وجوراً 


٤.  استثمار هذه الأجواء المباركة لتصحيح المفاهيم المغلوطة ، والشبهات المنتشرة في المجتمع والتي تظهر بحركات وافكار تناقض ما عليه الاسلام ومذهب اهل البيت (عليهم السلام) ، كفكرة الدجل والشعوذة التي يمارسها البعض ويثقف لها من خلال الفضائيات ، و بعض الأفكار الباطلة التي تسمّت بمسميات متعددة ترتبط بظاهرها بحركة الامام المهدي ( عج ) بهتاناً وزوراً ، واصبح لها رواجاً وانتشاراً  حتى في حاضرة العلم والدين النجف الأشرف وغير ذلك من الأفكار والشبهات الباطلة فضلا عن الظواهر السلبية المنحرفة 


٥. تفعيل فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بحقيقتها التي اراد القرآن الكريم : ((  كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ )) آل عمران :110 

وقال تعالى :(( وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ )) آل عمران :104


فانّها من أهداف نهضة الامام الحسين وقيامه ، ولازالت داعيته تملأ أقطار السماوات والأرض : (( ألا من ناصر ينصرنا )) ، والنصرة الحقيقية هي بالانتصار لاهداف الامام الحسين التي هدفها واراق دمه المبارك من اجلها :( ما خرجت أشرا ولا بطرا ولكن خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله ، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر ...) 


٦. ادامة روح الوحدة والتآلف بين المؤمنين ، فالإمام الحسين عليه السلام قد وحّدهم وجمعهم في زمان واحد ، ومكان واحد ، وصوت واحد ، وهدف واحد وكلهم ينادي : ( لبيك يا حسين ) بعدما تخلّى كل فرد وجهة ومؤسسة وحزب عن تعصبّه لذاته وعاش الهم الاكبر والهدف الاسمى ، فلماذا نرجع بعد الزيارة متفرقين متشتتين 


قال تعالى :((  وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ )) الانفال : 46


 وكل تلك الثمار المباركة وغيرها ، أنَّما هي في عاتق ومسؤولية المؤسسة الدينية المباركة في النجف الاشرف وغيرها من حواضر العلم والدين في أراضي الاسلام كقم المشرفة ولبنان والخليج ونحوها

،  والفرصة الآن مؤاتية جداً للعمل ، ونشر المباديء الحقة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام ) الذي هو الاسلام الحقيقي الناصع بعد ان سقطت جميع النظم ، والأيديولوجيات العاملة في الساحة بما فيها الخط الاخر الذي يحمل اسم الاسلام ظاهرا ، 

فضلاً عن النظم الوضعية التي أبعدت الناس عن القيم الروحية وأوصلتهم الى ضياع الشخصية والمبدأ ، واوقعتهم في مشاكل لا مخرج منها الا نظرية السماء .

ويبرز هنا دور المرجعية الدينية  لانها قطب الرحى في ادارة العمل الاسلامي المبارك ، فلابد من إعداد الخطط الكفيلة لانجاح مشروع الامام الحسين ( عليه السلام ) الذي عبّر عنه في رسالته الى أخيه محمد ابن الحنفية : ( من التحق بي استشهد ومن لم يلتحق بي لم يدرك الفتح ) 

مشروع الامام الحسين هو فتح العالم بالعدل الالهي ، والقيم السماوية التي دعى اليها الأنبياء ، والرسل ، وجسَّدها الامام الحسين ( عليه السلام )  على ارض الواقع ، ذلك الفتح هو المشروع المرتجى .

قال تعالى : (( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ )) القصص : 5


ولا تنجح حركة المرجعية الّا من خلال الأدوات الفاعلة من العلماء ، وطلبة العلوم الدينية ، والمبلّغين ، والمثقفين ، والرساليين العاملين ، والاعلاميين ، والمؤسسات الفاعلة في هذا المجال ،  خاصة بعد انفتاح التواصل بين الأفراد و المجتمعات من خلال الوسائل الحديثة في التواصل الاجتماعي وغيرها


قال تعالى : (( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ )) الصف : 8-9 

 

Powered by Vivvo CMS v4.7