بقلم الشيخ عبد الحكيم الخزاعي 

قال النبي صلى الله عليه وآله ( فاطمة بضعة مني) 

لاشك اننا لو أردنا التعرف على شخصية عظيمة مثل شخصية السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام لابد من الوقوف على سؤال من هي الزهراء والذي يرتبط بالجانب النسبي ، وكذلك سؤال ماهي الزهراء وهو السؤال عن الماهية والشخصية والجانب السببي ،ثم نقف على الدور الريادي والرسالي الذي قامت به الصديقة عليها السلام.

ولابد من الملاحظة ان هذا بقدر الباحث لا بقدر المبحوث عنه فكيف لكتب الدنيا كلها أن تقف على تلك الحقيقة العظيمة الشامخة وهي على معرفتها دارت القرون الأولى.

من هي الزهراء ؟هذا السؤال لاشك انه عن الهوية الشخصية وليس عن الحقيقة وهو سؤال عن الجانب الشخصي النسبي وليس السببي ،ولكن في ذوات المعصومين هناك علاقة وثيقة بين السبب والنسب فهم في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة ،فلم تنجسهم الجاهلية بانجاسها ولم تلبسهم من مدلهمات ثيابها ، فللنسب دوركبير في الاعداد للسبب اي البعد الايماني والعقدي والروحي . 

"الزهراء عليها السلام ثمرة النبي صلى الله عليه واله والسيدة خديجة "

لاشك ان الاب هو النبي الاعظم صلى الله عليه واله وقد اثابه الله واعطاه (الكوثر) وهي الصديقة الزهراء بحسب السياق الذي يتحدث عن تعيير النبي صلى الله عليه ةاله بانه ابتر . 

وهذا الاب اعطى وورث الزهراء جميع الاشياء حتى الصورة الظاهرية فضلا عن الباطنية فحتى مشيتها لم تختلف عن مشية رسول الله صلى الله عليه واله وهذا ما جاء في مصادر المسلمين (ما رأيتُ أحدًا كانَ أشبَه سمتًا وَهديًا ودلًّا برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من فاطمةَ كانت إذا دخلت عليهِ قامَ إليها فأخذَ بيدِها وقبَّلَها وأجلسَها في مجلسِه وَكانَ إذا دخلَ عليها قامت فأخذت بيدِه فقبَّلتهُ وأجلستهُ في مجلسِها) سنن الترمذي والنسائي .

فقانون الوراثة ظهر بصورة جلية بين الصديقة الزهراء وبين النبي محمد صلى الله عليه واله (وعن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشبه الناس وجها وشبها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)كشف الغمة للاربلي ج2 .

ولاشك ان هذا الجانب مهم فهي صورة مصغرة واضحة عن ابيها صلى الله عليه واله .

اما الام فهي ام المؤمنين خديجة صلوات الله وسلامه عليها وقد نصت زيارة وارث لما عددت مزايا الامام الحسين عليه السلام انه ابن خديجة الكبرى ، وهذه الام ذو مرتبة عظيمة عند الله وعند رسول الله صلى الله عليه واله فقد اخبر عائشة لما اعابتها امامه بقوله صلى الله عليه واله ( «لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني في مالها – بمالها – إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها – الولد دون غيرها من النساء أولاداً إذ حرمني أولاد النساء)الاستيعاب لابن عبد البر .

فهذه المرأة العظيمة فيها كل مواطن العظمة والسمو والرفعة ولاشك ان المرأة اقرب الناس الى بنتها فمن هذين المصدرين ورثت الزهراء عليها السلام معادن الرفعة والسمو والطهارة . 

ماهي الزهراء ؟ 

لاشك ان السؤال عن الماهية في الشخصية الانسانية يختلف عن السؤال الشخصي عبر المكون النسبي فسؤال الماهية يتناول المكونات الذاتية الراجعة الى الشخص والى الذات نفسها وان قلنا ان المكون السببي يتأثر في شخصية المعصوم كثيرا بالمكون السببي كنوع من الوراثة في الطهارة وفي الذات . 

ولاشك ان الغوص في حقيقة وماهية الزهراء صعب مستصعب فهذه الذوات لها بعدا ظاهريا بحسب البشرية ولهم بعدا باطنيا بحسب السر والبعد الالهي الروحي بحيث نستطيع ان نقول انهم لايعرفهم حق معرفتهم غير الله وغير انفسهم . 

ونحن نطل على ماهيتها من خلال الايات القرانية والحديث الشريف  

فهي اولا : الكوثر والكوثر هي الخير الكثير فالخير الكثير الذي نال الرسالة من خلال الثقل الاصغر والسبب هو الزهراء عليها السلام فعدم الظلال بحسب حديث الثقلين انما يكون من خلال التمسك بالثقلين واحد الثقلين مصدره السماء وهو القران والاخر مصدره الزهراء عليها السلام . 

ثانيا : هي سيدة نساء العالمين وهذا ماورد في احاديث النبي صلى الله عليه واله وفي مصادر المسلمين ففي حديث مروي في الصحاح قال النبي صلى الله عليه واله (فقال : ‏ ‏يا ‏ ‏فاطمة ‏ ‏أما ترضي أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ‏ ‏أو سيدة نساء هذه الأمة ‏، ‏قالت : فضحكت ضحكي الذي رأيت(صحيح مسلم فضائل الصحابة وقد ورد في صيغ عديدة  

« فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة » ، أو « سيّدة نساء هذه الأُمّة » ، أو « سيّدة نساء المؤمنين » ، أو « سيّدة نساء العالمين ». 

هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في : صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ، وفي مسند أحمد ، وفي الخصائص للنسائي ، وفي مسند أبي داود الطيالسي ، وفي صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء ، وفي المستدرك وصحيح الترمذي ، وفي صحيح ابن ماجة ، وغيرها من الكتب

رابعا : هي بضعة النبي صلى الله عليه واله فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني ». 

هذا الحديث بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، وعدّة من المصادر .

والبضعة يعني قطعة منه فهو من النبي صلى الله عليه واله فهي لحمة ودمه وروحه وكيانه لذا يقول ما يؤذيها يؤذيه اذ ما يصيب الجزء لابد ان يصيب الكل وهو اشارة الى وجود اذية عليها سينالها من بعده . 

خامسا : انها محل الرضا والغضب الالهي « إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضىٰ لرضاها ». 

هذا الحديث تجدونه في : المستدرك ، وفي الإصابة ، ويرويه صاحب كنز العمال عن أبي يعلىٰ والطبراني وأبي نعيم ، ورواه غيرهم 

وهذا يدل على عصمتها صلوات الله وسلامه عليها .

سادسا : هي اصدق الناس واشبههم في ذلك برسول الله عن عائشة قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها غير أبيها. 

هذا الحديث تجدونه في : المستدرك وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وأقرّه الذهبي ، وفي الاستيعاب ، وفي حلية الأولياء 

ولاشك ان الصدق من اعظم الصفات وهي صادقة القول والفعل  

وهناك عشرات الاحاديث التي تبين ماهي الزهراء عليها السلام فهي ام ابيها وهي روحه التي بين جنبيه وهي احب الناس اليه واقربهم الى قلبه ،ولاشك ان هذه الاحاديث تكشف عن العظمة والمرتبة المعنوية عند الله فالنبي صلى الله عليه واله لاينطق هن الهوى ولايمكن ان نقول هذه الجهة هي من جهة كونه ابوها فقط بل هذه تكشف عن المرتبة العظيمة للصديقة الزهراء ولا شك ان التعمق بهذه الجهة والاطلاع عليها يطور العبد المؤمن ويساهم في علو مرتبته فمعرفتها تقرب العبد من الله وتنور باطنه  

ففي تفسير نور الثقلين والبرهان وكتاب بحار الأنوار(11)، عن تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي مسنداً عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير سورة القدر قال:«إنّ فاطمة هي ليلة القدر، من عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها، ما تكاملت النبوّة لنبيّ حتّى أقرّ بفضلها ومحبّتها وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الاُولى .

لما هي الزهراء ؟ 

لاشك ان الجانب النسبي والسبيي له دورا مهما في الكشف عن حقيقة الزهراء وله دورا اكيدا في التمهيد لمعرفة الدور الريادي والقيادي للصديقة عليها السلام فهي من هذه الجهة قدوة واسوة للمؤمنين والمؤمنات  

فقد قامت بادوار رسالية عظيمة في حياة النبي صلى الله عليه واله ومن بعد وفاته خصوصا في مايرتبط بقضية امير المؤمنين عليها وخلافته من بعد رسول الله صلى الله عليه واله وهذه الادوار كثيرة لكن يمكن الاشارة الى بعضها  

اولا: الوقوف بوجه السقيفة وفضح المخطط الذي قام به الاول والثاني في الانقلاب على الوصية الالهية (لما اختار الله لنبيّه دار أنبيائه، ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة (حسيكة) النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلّين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللغرّة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، ووردتم غير مشربكم) الخطبة الفدكية  

فهي تبين ان كل الذي وقع بعد رسول الله انما هو استجابة لدعوة الشيطان فالسقيفة في الاخير مشروع شيطاني وليس رحمانيا . 

ثانيا : بيان احقية وفضل امير المؤمنين عليه السلام : لّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرّون من القتال. الخطبة الفدكية  

فهي تبين فضل امير المؤمنين عليه السلام من جهة وتعرض بهم من جهة اخرى وبالتالي هو الاحق بالخلافة منكم يامن تفرون عن القتال . 

ثالثا : بيان مخالفة القوم لكتاب الله وهذه المخالفة مخالفة لما هو ضروري وصحيح ولايرتاب فيه احد قالت عليها السلام : 

أيّها المسلمون، أأغلب على إرثي؟ يابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فريّاً على الله ورسوله، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟ إذ يقول:«وورث سليمانُ داودَ»، وقال في ما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا(ع) إذ قال: «فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب»، وقال (أيضاً): «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله»، وقال: «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين»، وقال: «إن ترك خيراً الوصيةُ للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتقين»، وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصّكم الله بآية (من القرآن) أخرج أبي محمداً(ص) منها؟ أم تقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان؟ أولست أنا وأبي من أهل ملّة

واحدة؟ أم

أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحَكَم الله، والزعيم محمد(ص) والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم ما قلتم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر، وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم. 

فهل من يخالف الكتاب العزيز وسنة رسول الله صلى الله عليه واله يكون حفيظا ومستحفظا وامينا على الدين ؟  

وكثيرة هي المواقف التي وقفتها عليها السلام بل هي قد قامت بثورة سلمية في المدينة جعلت القوم يقفون بالضد منها حتى ذهبت غاضبة عليهم شهيدة مغصوبة  

وهذا ماعبر عنه امير المؤمنين عليه السلام وجاء في نهج البلاغة  

يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك. قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورق عنها تجلدي. إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك ، وفادح مصيبتك موضع تعز. فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك. إنا لله وإنا إليه راجعون. فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة. أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم. وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال. هذا ولم يطل العهد. 

ولم يخل منك الذكر. والسلام عليكما سلام مودع لا قال ولا سئم . فإن أنصرف فلا عن ملالة. وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين. نهج البلاغة 

هذا بعض ما اردنا بيانه عن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام والسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث بين يدي ربها مظلومة فينتصف لها