المصداق الأكمل لقراءة القرآن في شهر رمضان

بواسطة |   |   عدد القراءات : 2584
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
المصداق الأكمل لقراءة القرآن في شهر رمضان

 

 بقلم : الشيخ ميثم الفريجي

 

يتساءل البعض عن الطريقة المُثلى لقراءة القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك حيث يتوجّه المسلمون في هذا الشهر الفضيل الى الأهتمام بتلاوة كتاب الله في البيوت والمساجد والمحافل العامة ؟ 

 وكيف تتحقّق هذه الطريقة ؟ 

وقبل بيان الجواب، نقول ومن الله التسديد : 

 القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه الذي أنزله على قلب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ، حيث قال تعالى : (( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )) النحل : 44 ، ليكون دستوراً للمسلمين ، بل لعموم البشرية يرجع اليه في تنظيم أمورهم العبادية ، والمعاملاتية : الفردية ، والاجتماعية وعلى جميع المستويات ؛ الاخلاقية والروحية ، والاقتصادية ، والسياسية ، والاجتماعية ونحوها .

وهو مصدر التشريع الأول للأحكام الشرعية ، والمعارف والعلوم .

والذي عبّر عنه الحق تبارك وتعالى أنّه : (( لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )) فصلت : 42 ، وأنّه : (( تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ )) النحل : 89 ، وأنّه محفوظ ومُصان من كل خطأ وزلل : (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) 

الحجر : 9 

وهو رسالة الحبيب وعهده ، فينبغي النظر والتأمل فيه في كل زمان ومكان .

ومن هنا جاء الحث الأكيد على التواصل والتعايش مع القرآن الكريم في تلاوة آياته ، وتدبّر كلماته 

ويزداد هذا المعنى ويتضاعف في شهر رمضان المبارك حيث ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) : ( أنّ لكلِّ شيء ربيعاً وربيع القرآن شهر رمضان )1 ، وانه الشهر الذي أُنزل فيه القرآن ، قال تعالى :(( شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ )) البقرة : 185

 

ومن هنا حقَّ علينا ان نسأل : كيف نقرأ القرآن في شهر رمضان 

والجواب :

أنَّه بعد ان نوفّر جملة من الآداب التي رغّب بها الشرع الحنيف لقاريء القرآن وجعلها من السنن

منها : استحباب الكون على طهارة 

و منها : استحباب الجلوس في مجلس يستقبل القبلة 

و منها : الخشوع والاحترام والتقديس لكتاب الله تعالى 

ونحوها

بعد ذلك نقول : 

لابدَّ من توفّر عنصرين مهمّين لكي نحقّق المصداق الأكمل لقراءة القرآن الكريم في شهر رمضان وفي غيره من الشهور  

 

 الاول : عنصر الكم 

فنكثر من قراءته ، والنظر فيه 

كما صح في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ( القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده ، وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية )2

 

وعن النبي (صلى الله عليه واله) في الخطبة الرمضانية : ( ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل اجر من ختم القرآن في غيره من الشهور )3

 وعن الامام الباقر(عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (( من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين ، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية كتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاث مائة آية كتب من الفائزين ، ومن قرأ خمسمائة آية كتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من تبر ؛ القنطار خمسة عشر ألف مثقال من ذهب والمثقال أربعة وعشرون قيراطا أصغرها مثل جبل أحد وأكبرها ما بين السماء إلى الأرض )4 .

 

الثاني : الكيف او النوع بأن نقرأ القرآن بتدبّر ، وتفكّر ، ووعي ، وشوق ، وحب ، وتأمل ، وتروّي ، وليس قراءة سطحية لمجرّد ترديد الألفاظ على الالسن ، وكأنَّ همَّنا إنجاز ما بأيدينا 

وقد انعكس هذا المعنى في جملة من الآيات الشريفة ، والروايات المباركة 

قال تعالى :(( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً )) النساء : 82 

وقال تعالى :(( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ )) محمد : 24 

وقال تعالى : (( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ )) ص : 29

وفي الرواية عن أبي عبد الله (عليه السلام ) انه قال : ( إن هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى فليجل جال بصره ويفتح للضياء نظره فإن التفكّر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور )5

 

وعن علي بن أبي حمزة قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال له أبو بصير : (( جعلت فداك اقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة ؟ فقال : لا ، قال : ففي ليلتين ؟ قال : لا ، قال : ففي ثلاث ؟ قال : ها وأشار بيده ، ثم قال : يا أبا محمد إن لرمضان حقاً وحرمة لا يشبهه شئ من الشهور ، وكان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقل ، إن القرآن لا يقرأ هذرمة - السرعة في القراءة - ، ولكن يرتل ترتيلاً فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها وسل الله عز وجل الجنة وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوَّذ بالله من النار )) 6 . 

 

وورد الاستحباب في ترتيل القرآن بالصوت الحسن ففي الرواية عندما سئل الامام الباقر ( عليه السلام ) عن قول الله عز وجل (( ورتّل القرآن ترتيلا )) قال : قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ( بيّنه تبيانا ولا تهذّه هذّة الشعر ولا تنثره نثر الرَّمل ولكن افزعوا قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة ) 7

 

وعن أبي عبد الله (عليه السلام ) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : (( لكل شئ حلية وحلية القرآن الصوت الحسن ))8 .

 والخلاصة : أنَّنا يمكن ان نحقّق المصداق الأكمل لقراءة القران في شهر رمضان اذا اتبعنا ما ذكرناه ، ولله الحمد 

---------

1: الكليني ، الكافي : ج2 ، ص 630

2: نفس المصدر :ج2 ، ص209

3: الصدوق ، الأمالي : ص 104: 4: الكليني الكافي ج2 ، ص 612

5: نفس المصدر ج2 ،ص 600

6: نفس المصدر ج2 ص 617

7: نفس المصدر ج2 ص 614

8: نفس المصدر ح2 ص 615

Powered by Vivvo CMS v4.7