من معاني البكاء على الامام الحسين عليه السلام

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1843
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
من معاني البكاء على الامام الحسين عليه السلام

بقلم فضيلة الشيخ حميد وناس آل عجمي 

 

ورد عن الامام الرِّضَا عليه السَّلام  فِي وسائل الشيعة : 14 / 502 ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ: (يَا ابْنَ شَبِيبٍ: إِنْ كُنْتَ بَاكِياً لِشَيْ‏ءٍ فَابْكِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السَّلام، فَإِنَّهُ ذُبِحَ كَمَا يُذْبَحُ الْكَبْشُ، وَ قُتِلَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَجُلًا مَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ شَبِيهُونَ، وَ لَقَدْ بَكَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ لِقَتْلِهِ).

في هذا المقطع من كلام الامام الرضا عليه السلام يبين ثلاثة اشياء تتعلق بالبكاء على الإمام الحسين عليه السلام، هي: مورد البكاء، وسبب البكاء، وكيفة البكاء .

اما مورد البكاء: فهو كل شيء يمكن البكاء له، فاي شيء يحدث الالم في النفس ويؤدي لبكاء الانسان فهو مورد من موارد تذكر الامام الحسين عليه السلام والبكاء له وعليه، من حيث أنه عليه السلام بذل كل شيء لله تعالى بذلا مشوبا بالألم والتضحية الكبيرة، فمن يفقد عزيزا ويتألم لذلك الفقد عليه تذكر فقد الامام الحسين عليه لاعزائه فيكن بكاءه نصرة ومواساة للأمام الحسين عليه السلام، وكذا من كان من اهل العلم والفضل الذي يتألم لتغلب أهل الجهل والمعاصي عليه وتضييعهم لحقه، فإنه يبكي نصرة ومواساة لإمامه الذي وقع عليه هذا الظلم، والموارد كثيرة خارجة عن حد الإحصاء. 

ومن اللطيف ملاحظة أن الإمام الرضا عليه السلام هنا قال: (ان كنت باكيا لشيء فابكي للحسين) ولم يقل: (ان كنت باكيا على شيء فابكي على الحسين) فالبكاء للحسين قبل ان يكون عليه، فالبكاء وسيلة للوصول للحسين واهدافه العظيمة قبل ان يكون بكاء على المصائب التي وقعت للامام عليه السلام. 

وأما سبب البكاء: فهو لان الإمام الحسين عليه السلام ذبح من غير رحمة وقتل معه السادة العظماء من أهل بيته واصحابه صلوات الله عليهم اجمعين، وذبح الامام عليه السلام كما يذبح الكبش لهو من اهول الاهوال واعظمها، لما فيه من انتهاك لحرمته المقدسة وجرأة على الله تعالى عظيم السموات والارضين .

اما كيفية البكاء على الامام الحسين عليه السلام: فهي كما بكت السموات السبع والارضون في يوم مقتله عليه الصلاة والسلام، ومن الواضح أن السماوات والارضون ليس لها عيون تذرف الدموع، لتبكي بكاء البشر، بل انها تبكي بكيفية تنسجم مع طبيعتها التكوينية، باظهار حالة الانكسار والانكماش على النفس والظهور بمظهر الانزعاج والاعتراض الشديد على ما وقع من مصائب في ذلك اليوم بخلاف الحالة الاعتيادية للسموات والارضين، كما يحصل عادة للفرد البشري عند بكائه .

والفرد البشري اذا اراد ان يبكي هذا البكاء السماوي العميق، فعليه ان يظهر حالة الانكسار النفسي والانكماش الروحي والبدني عن الباطل واهله، المعبرة عن الانزعاج العميق والاعتراض الشديد على التعدي هلى حرمات الله تعالى ومخالفة اوامره، الذي يطول أثره ولا يزول بسرعة، ويصير بمثابة ملكة ثابتة للفرد لا يتحرك الا على وفقها .

والمتأمل بهذه الامور الثلاثة: (مورد البكاء الحسيني وسببه وكيفيته)، يظهر له جليا ان شعير البكاء العبادية الواعية تمثل في حقيقتها منهج إصلاح حقيقي غاية في العمق والتاثير للفرد والمجتمع .

حتى ينتهي الحال بالفرد ان يكون ملازما لحالة البكاء على الامام الحسين عليه السلام بهذا المعنى الواسع صباحا ومساء، كما ورد في سيرة مولانا الامام المهدي عليه السلام، بكاء الفرد الواعي الفاهم لحقيقة النهضة الحسينية المباركة المنقطع عن أهل الباطل المنافر لمشاريعهم وخططهم الشيطانية، الساعي بكل امكانياته لإصلاح الوجود واخراجه من حالة التمرد على دين الله تعالى والعصيان لاوامره المقدسة .

Powered by Vivvo CMS v4.7