الزهراء: أول المدافعين عن الإسلام
بقلم : فضيلة الشيخ عبد الحكيم الخزاعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الزهراء: أول المدافعين عن الإسلام
لقد كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) الرائدة الأولى بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الدفاع عن الإسلام وعن الولاية الإلهية التي هي حق أمير المؤمنين (عليه السلام). وتجلى في خطابها الشريف عدة أمور جوهرية، أبرزها:
أولاً: الدفاع عن ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)
كانت الزهراء (عليها السلام) أوضح صوت في بيان حق أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخلافة والإمامة. في خطبتها الشهيرة أمام نساء المهاجرين، قالت:
> "وَيْحَهُمْ أَنَّى زَحْزَحُوهَا عَنْ رَوَاسِي الرِّسَالَةِ وَقَوَاعِدِ النُّبُوَّةِ وَمَهْبِطِ الْوَحْيِ الْأَمِينِ وَالطَّبِينِ بِأَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ..."
لم يكن دفاعها لمجرد كونه زوجها، بل لأنه الحق الإلهي المنصوص عليه، فهي ترى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الأحق بالخلافة:
> "وَمَا نَقَمُوا مِنْ أَبِي حَسَنٍ إِلَّا نَكِيرَ سَيْفِهِ وَشِدَّةَ وَطْأَتِهِ وَنَكَالَ وَقْعَتِهِ وَتَنَمُّرَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ."
وأشارت إلى أن الإصرار على تنحية هذا الحق سيؤدي إلى خسارة عظيمة للدين والدنيا معًا. ولذا، جاء حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله):
> "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" (مسند أحمد).
ثانياً: الدفاع عن أحكام الإسلام وفلسفة التشريع
أوضحت الزهراء (عليها السلام) أن تنحية الإمام الشرعي عن مكانه لا تعني فقط إقصاء فرد، بل تعني إضعاف التشريع الإلهي وإفراغه من روحه ومقاصده. فقد بينت أن الإمامة هي تمام الدين وكمال النعمة ورضا الله، كما في قوله تعالى:
> "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا" (المائدة: 3).
قالت في خطبتها الفدكية:
> "فجعل الله الإيمان تطهيرًا لكم من الشرك، والصلاة تنزيهًا لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتًا للإخلاص، والحج تشييدًا للدين..."
وأكدت أن الإمامة والطاعة هما نظام الأمة وأمانها من الفرقة، فقالت:
> "وطاعتنا نظامًا للملة، وإمامتنا أمانًا من الفرقة."
ثالثاً: الدفاع عن الحقوق الإنسانية وحقوق المرأة
في مطالبتها بفدك، لم تكن الزهراء (عليها السلام) تطالب بحق شخصي فحسب، بل كانت تدافع عن مبدأ الدفاع عن الحقوق أمام الظلم. أرادت أن توجه رسالة مفادها أن السكوت عن الظلم يعني ترسيخه، وأن السلطة الحقيقية هي التي تحفظ الحقوق، لا تصادرها.
قالت في خطبتها الفدكية:
> "أيّها المسلمون، أأُغلب على إرثي؟ يابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئًا فريًا..."
واستعانت بالنصوص القرآنية لدحض الادعاءات الظالمة، فقالت:
> "إذ يقول: {وورث سليمان داود}، وقال في ما اقتص من خبر يحيى بن زكريا: {فهب لي من لدنك وليًا يرثني ويرث من آل يعقوب}..."
وختمت بيانها بالتهديد الإلهي للمبطلين يوم القيامة:
> "فنِعْمَ الحَكَم الله، والزعيم محمد (صلى الله عليه وآله)، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون..."
خاتمة
إن موقف السيدة الزهراء (عليها السلام) في الدفاع عن الإمامة والشريعة والحقوق الإنسانية كان بمثابة ثورة مستمرة في وجه الظلم والانحراف. لقد قدمت نموذجًا خالدًا للأحرار في التمسك بالحق والوقوف في وجه الباطل، وجعلت من نفسها أسوة وقدوة لكل من ينشد العدالة ويدافع عن المبادئ الإلهية.
إن من أراد أن يكون على مستوى محبتها حقًا، فليسر على دربها، ويقتفِ أثرها في نصرة الحق والدفاع عن القيم الإلهية. وبهذا الطريق، ينال المرء محبتها وشفاعتها يوم القيامة، حيث تكون هي الحجة الكبرى والشفيعة العظمى لأتباعها والمخلصين في ولائها.