• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

أمّ البنين: امرأةُ الوفاء والتضحية

بواسطة |   |   عدد القراءات : 160
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
أمّ البنين: امرأةُ الوفاء والتضحية

 


بقلم : فضيلة الشيخ عبد الحكيم الخزاعي


تمهيد

تمثّل السيدة أمّ البنين فاطمة بنت حزام الكلابية (عليها السلام) أحد أنصع النماذج النسائية في الولاء والإيثار والفداء لأهل البيت عليهم السلام. فهي المرأة التي قدّمت أبناءها الأربعة قرابين في سبيل سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، وبقيت وفيةً لعهده حتى آخر لحظة من حياتها.

أولاً: أمّ الوفاء… لا تسأل عن أبنائها بل عن الحسين

يروي أصحاب المقاتل والسير أنّ بشير بن حذلم حين دخل المدينة مناديًا: «يا أهل يثرب لا مقام لكم بها… قُتل الحسين فأدمعي مدرار»، خرجت إليه امرأة تحمل طفلًا مذهولة، فقيل له: إنّها أمّ البنين والدة العباس (عليه السلام) وإخوته الشهداء.

يقول بشر:

«إنّها لم تسألني عن أولادها الأربعة، بل سألتني عن الحسين عليه السلام».

(تنقيح المقال، المامقاني، ج3، ص70)

من الناحية النفسية، فإنّ الأمومة غريزة وفطرة، ووجدان الأمّ يهتزّ بشدة لفقد ولدها، بل قد تشعر بمكروه يصيب ابنها قبل أن تعلم به، ومع ذلك، فإنّ أمّ البنين وصلت إلى مرحلة من الاندكاك الروحي بالحسين بحيث صار فقده أعظم من فقد أبنائها، لا عن ضعف عاطفة تجاههم، بل لِعمق معرفتها بمقامه ،لقد أشرقت شمس الحسين في قلبها، فغاب نور الأقمار الأربعة تبعًا لغيابه، إذ كانوا انعكاسًا لنوره وامتدادًا لولايته.

ثانياً: العلاقة المقدّسة مع الإمام الحسين عليه السلام

إنّ مقام أمّ البنين هو مقام معرفة الإمام، وهي نموذج واضح لكيفية بناء الرابطة مع المعصوم، فعندما تزوّجها أمير المؤمنين عليه السلام قالت له:

«لا تنادني باسم فاطمة؛ خوفًا أن يتذكّر الحسن والحسين أمّهما فاطمة الزهراء، فتنكسر قلوبهما».

(الخصائص العبّاسية، الكلباسي، ص25)

بهذا الحسّ الرفيع في مراعاة مشاعر الإمامين بدأت رحلتها مع سيّد الشهداء، فمن لا تحتمل جرح مشاعره، كيف تحتمل جرح قلبه بسهمٍ مثله مثلّث؟ لذلك بقيت بعد كربلاء في حزنٍ دائم حتى توفّيت وهي تحمل غصّتها الكبرى.

ثالثاً: الطاعة طريق الكرامة

لم تكن معرفة أمّ البنين بالمعصوم معرفةً فكرية فحسب، بل كانت معرفةً تتجسّد طاعةً وعملاً وفداءً، ولهذا ورد في زيارتها:

«حَتّى أَصبَحتِ بِطَاعَتِكِ لله، وَلِوَصيِّ الأوصِياء، وَحُبّكِ لِسَيِّدَةِ النِّسَاءِ فاطمة الزهراء، وَفِدائِكِ أَولادَكِ الأَربَعَةَ لِسَيِّدِ الشُّهَدَاء بابًا للحَوائِج».

فالطاعة لأمير المؤمنين، والولاء العميق للزهراء، والفداء للحسين؛ هي التي جعلت أمّ البنين بابًا من أبواب قضاء الحوائج، وقد نقل المرجع السيد محمود الحسيني الشاهرودي (قده) أنّه كان يصلّي على النبي مئة مرة، ويهدي ثوابها لأمّ البنين، فتُقضى حاجته.

(أعلام النساء، كحالة، ج4، ص40)وهذا ما جُرّب بين المؤمنين، حتى أصبح إهداء الفاتحة لها معروفًا بقضاء الحاجات.

رابعاً: الأمّ العظيمة وصانعة الأبطال

أنجبت أمّ البنين أربعة من خيرة أهل الأرض بعد المعصومين، وقد قال فيهم سيّد الشهداء:

«ما رأيتُ أصحابًا ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوفى من أصحابي وأهل بيتي».

ويكفي أنّ من بينهم أبا الفضل العباس عليه السلام:

قمر العشيرة، وفادي الحسين، وقطيع الكفّين، والنافذ البصيرة.

وقد قال فيه الإمام الصادق عليه السلام:

«كان عمّنا العباس نافذ البصيرة، صلب الإيمان، وله منزلة عند الله يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة».

(سرّ السلسلة العلوية، أبو نصر البخاري، ص89)

إنّ بصيرته لم تكن إلا ثمرة تربية عظيمة اشترك فيها الإمام علي عليه السلام وأمّ البنين، فقد فتح عينيه على أمّ تُقدّس الإمام وتعيش لأجله.

خامساً: لوعة الفقد وندبة البقيع

فجعت أمّ البنين بأبنائها الأربعة، وبقيت سنين تخرج إلى البقيع تنعى بنيها بأشدّ الندب، حتى كان الناس يلتفون حولها لبكائها، وكان مروان بن الحكم يأتي متأثّرًا بندبتها.

ومن أشهر الأبيات المنسوبة إليها:

لا تدعونــي ويــكِ أمَّ البنينِ

تُذكِّرينــي بليــوثِ العريـــــنِ

كانــت بنــونَ لي أُدعــى بهــم

واليــومَ أُصبحتُ ولا مـن بَنينِ

أربعــةٌ مثلُ نُسورِ الرُّبى

قـد واصـلوا الموتَ بقَطعِ الوتينِ

تنازعَتْهم خُرْصانُ الـوَغى

فكلُّهم أمسى صريعاً طعينِ

يا ليتَ شعري أكما أخبروا

بأنَّ عبَّاسَ قطيعُ اليَمينِ؟

(إبصار العين، السماوي، ص64)

 

وماتت – سلام الله عليها – وفي قلبها تلك اللوعة، وبقي قبرها في البقيع شاهدًا على مظلوميتها، تزيدها ظلمًا أيدي الوهابية بهدم قبتها.

 

فسلامٌ عليها يوم وُلدت، ويوم ماتت، ويوم تُبعث حيّة.

 

المصادر

 

تنقيح المقال، المامقاني، ج3، ص70.

الخصائص العباسية، الكلباسي، ص25.

أعلام النساء، كحالة، ج4، ص40.

سرّ السلسلة العلوية، أبو نصر البخاري، ص89.

إبصار العين في أنصار الحسين، السماوي، ص64.

 

Powered by Vivvo CMS v4.7