• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

اليهود في القرآن الكريم

بواسطة |   |   عدد القراءات : 14679
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
اليهود في القرآن الكريم

اليهود في القرآن الكريم

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ 

إذا نظرنا إلى القرآن الكريم نجد آيات كثيرة تتحدّث عن اليهود ولكنّ أكثرها في سورة البقرة، لأنّها أوّل سورة نزلت في المدينة كما يصرّح بعض العلماء، واليهود كانوا أشهر مجموعة من أهل الكتاب في المدينة وكانوا قبل ظهور النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ينتظرون رسولاً بشّرت به كتبهم الدّينيّة، كما أنّهم كانوا يتمتّعون بمكانة اقتصاديّة مرموقة ولذلك كان لليهود نفوذ عميق في المدينة.

فالآية تذكّر اليهود بنعم الله الكثيرة عليهم ومنها اختيار الأنبياء منهم كموسى وهارون ويوشع وداوود وسليمان وأيّوب وعزير وزكريّا ويحيى صلوات الله عليهم أجمعين وغيرهم ومريم أمّ عيسى (عليهما السّلام) إسرائيليّة ينتهي نسبها إلى داوود ولكنّ اليهود لا يعترفون بالسّيّد المسيح ابن مريم (عليهما السّلام) ويزعمون أنّ المسيح المذكور بالتّوراة لم يأت بعد.

ومنها تشريفهم بالتّوراة والزّبور، وتحريرهم من فرعون، ونجاتهم من الغرق، وإنزال المنّ والسّلوى عليهم، وإعطاءهم الملك والسّلطان في عهد سليمان، وغير ذلك ممّا يستوجب الإيمان والشّكر لا الإنكار والكفر كما فعلوا بنقضهم للعهد والميثاق كما يظهر القرآن الكريم وسنتحدّث عن ذلك إن شاء الله تعالى.

 

 

مفهوم اليهود

 

 

اليهود: تقول هادوا أيْ صاروا يهودًا يقول الله سبحانه: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ ﴾ معناه دخلوا في اليهوديّة.

وهوّد الرّجل: حوّله إلى ملّة اليهود وفي الحديث: كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبَوَاه يهوّدانه أو ينصّرانه معناه أنّهما يعلّمانه دين اليهوديّة والنّصارى ويدخلانه فيه.

والتّهويد: أن يصير الإنسان يهوديًّا.

وهاد وتهوّد إذا صار يهوديًّا، وهاد يهود هودًا أيْ تاب، واختلف في اشتقاق اسم اليهود فقيل هو من الهود أيْ التّوبة ومنه قوله: ﴿ إنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ سورة الأعراف الآية 156، وسمّوا بذلك لتوبتهم عن عبادة العجل وقال زهير:

سِوى مربع لم يأتِ فيه مخافة    ولا رهقًا من عابدٍ متهوّدٍ 

أيْ تائب.

وقيل إنّما سمّوا يهودًا لأنّهم نسبوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب فعرّبت الذّال دالاً، وقيل إنّما سمّوا يهودًا لأنّهم هادوا أيْ مالوا عن الإسلام وعن دين موسى (عليه السّلام)، وقيل سمّوا بذلك لأنّهم يتهوّدون أيْ يتحرّكون عند قراءة التّوراة ويقولون إنّ السّماوات والأرض تحرّكت حين أتى الله موسى (عليه السّلام) التّوراة، واليهود اسم جمع واحدهم يهوديّ كالزّنجيّ والزّنج، والرّوميّ والرّوم.

أمّا لماذا سمّي اليهود « بني اسرائيل »؟

الجواب: هو أنّ « إسرائيل، أحد أسماء يعقوب والد يوسف (عليه السّلام)، وفي سبب تسمية يعقوب (عليه السّلام) بهذا الاسم ذكر المؤرّخون غير المسلمين عللاً ممزوجة بالخرافة أعرضنا عنها ».

وأمّا علماؤنا فيقولون: بأنّ إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السّلام) وإنّ « إسر » تعني « العبد » و « ئيل » بمعنى الله فتكون معنى إسرائيل عبد الله.

 

 

نبذة مختصرة عن تاريخ اليهود

 

 

بعد أن هاجر النّبيّ يعقوب (عليه السّلام) بأولاده من فلسطين إلى مصر، حيث يقيم ولده يوسف (عليه السّلام) وزير فرعون في ذاك العهد، أقطعهم فرعون إكرامًا ليوسف أرضًا خصبة في مصر وظلّت سلالة يعقوب هناك أمدًا غير قصير، ولكنّ الفراعنة الّذين جاؤوا فيما بعد اضطهدوا اليهود، وساموهم الخسف والعذاب، فذبحوا الأبناء، واستحيوا النّساء، واتّخذوا منهم خدمًا وعبيدًا، ثمّ أرسل الله نبيًّا منهم ولهم، وهو موسى بن عمران (عليه السّلام) فحرّرهم من الظّلم والاستعباد، ثمّ طلب منهم العودة إلى فلسطين، وقتال أهلها ووعدهم النّصر، فتقاعسوا جبنًا وجورًا، فكتب الله عليهم أن يتيهوا في صحراء سيناء أربعين سنة، وفي هذه البرهة توفّي هارون، ثمّ أخوه موسى (عليه السّلام) فخلفه ابن أخته يوشع بن نون. وحوالي القرن الثّالث عشر قبل الميلاد أغار بهم على أرض فلسطين فاحتلّوها، وأبادوا معظم أهلها، وشرّدوا البقيّة الباقية، تمامًا كما صنع نسلهم الصّهاينة في فلسطين سنة 1948 وعلى سبيل المثال لا الحصر ما حصل في دير ياسين حيث جمع الصّهاينة حوالي 25 امرأة حاملاً وبقروا بطونهم بالمُدَى والحراب، وهكذا جمعوا أهل قرية الزّيتونة في المسجد ثمّ نسفوه بالدّيناميت على رؤوسهم وهكذا فعلوا في صبرا وشاتيلا والمسجد الإبراهيميّ وكثير من المجازر وإلى الآن هي مستمّرة في الأرض المحتلّة فلسطين اليوم. المهمّ بعد يوشع أرسل الله سبحانه منهم الكثير من الأنبياء وفي سنة 596 ق.م. أغار على فلسطين ملك بابل وهو « بختنصر » فأزال ملكهم من فلسطين، وذبح منهم كثيرًا، وأسر كثيرًا.

وظلّوا بحكم « بختنصر » إلى سنة 538 ق.م. حيث تغلّب ملك الفرس على « بختنصر » فتنفّس اليهود الصّعداء، واستمرّوا تحت سيطرة الفرس زهاء مئتَيْ عام، وبعدها وقعوا تحت حكم خلفاء الاسكندر الكبير، ثمّ تحت سيطرة الرّومان. وفي سنة 135 ق.م. ثار اليهود على الرّومان، ولكنّ هؤلاء تغلّبوا على اليهود، وأخمدوا ثورتهم، ثمّ أخرجوهم من فلسطين، فهاموا على وجوههم في مختلف بقاع الأرض شرقًا وغربًا، شرذمة في مصر، وأخرى في لبنان وسورية، وثالثة في العراق ورابعة في الحجاز أمّا اليمن فقد عرفها اليهود، ورحلوا إليها للتّجارة في عهد سليمان (عليه السّلام) الّذي تزوّج ملكة اليمن بلقيس.

ومع ظهور الإسلام باعتباره الرّسالة الّتي تقف بوجه مصالحهم اللامشروعة وانحرافاتهم وغطرستهم فإنّهم وقفوا بوجه الدّعوة وبدؤوا يحوكون ضدّها المؤامرات الّتي لا زالت مستمّرة حتّى اليوم.

 

 

بنو إسرائيل ونقضهم الميثاق

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾

بنود هذا العهد الّذي أقرّ به بنو إسرائيل ونقضوه على الشّكل التّالي:

1 - التّوحيد وإخلاص العبوديّة لله سبحانه.

2 - وبالوالدَيْن إحسانًا.

3 - الإحسان إلى الأقارب واليتامى والفقراء.

4 - التّعامل الصّحيح مع الآخرين.

5 - إقامة الصّلاة.

6 - إيتاء الزّكاة.

ثمّ تذكر الآية الّتي جمعت هذه الأمور نقضهم للميثاق وعدم وفائهم بالعهد أيضًا.

7 - سفك الدّماء.

8 - عدم إخراج بني جلدتكم من ديارهم.

9 - إفداء الأسرى، أيْ بذل المال لتحريرهم من الأسر.

ثمّ تذكر الآية الّتي جمعت هذه الأمور إقرارهم بالميثاق وبعد ذلك يتعرّض القرآن إلى نقضهم للميثاق وقتلهم بعضهم الآخر وتشريد بعضهم الآخر وإلى تعاون بعضهم ضدّ البعض الآخر ثمّ يشير إلى تناقض هؤلاء في مواقفهم إذ يحاربون بني جلدتهم ويخرجونهم من ديارهم يقول الله سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ 

فالقرآن يندّد بشدّة باليهود لنقضهم هذه العهود ويتوعّدهم نتيجة لهذا النّقض بالخزي في الحياة الدّنيا والعذاب في الآخرة.

 

 

بنو إسرائيل قتلة الأنبياء

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ﴾ 

من يتابع تاريخ بني إسرائيل يجد أنّ أكثر الأنبياء أرسلوا اليهم وذلك لخبثهم وشدّة مكرهم وانحرافهم. وقد قابلوا هذه العناية بهم ونعم الله تعالى عليهم بالكفر والمعاصي واتّباع الأهواء والرّغبات وذلك لتكبّرهم وإصرارهم على ممارسة الفساد وتعطّشهم للدّماء، فقد كذّبوا فريقًا من الأنبياء كنبيّ الله عيسى (عليه السّلام) ونبيّ الله محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقتلوا فريقًا آخر كنبيّ الله يحيى (عليه السّلام) وزكريّا (عليه السّلام).

وقال سبحانه في هذا السّياق: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ﴾ 

وقال أيضًا سبحانه: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ﴾ 

 

 

عذاب اليهود

 

 

لقد بلغ العناد بهم حدًّا طلبوا فيه أن يرَوُا الله جهرة شرطًا لإيمانهم يقول الله سبحانه: ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ﴾ 

فهذه الآية بالإضافة إلى أنّها تحكي ظاهرة لجاج اليهود وعنادهم الّذي تميّزوا به دومًا ينمّ أيضًا هذا الطّلب عن جهل بني إسرائيل لأنّ إدراك الإنسان الجاهل لا يتعدّى حواسه.

ومن جملة وقاحتهم في هذا السّياق أنّهم أنكروا كلّ الكتب السّماويّة دفعة واحدة يقول الله سبحانه: ﴿ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ﴾ 

 

 

تعصّب اليهود ونفاقهم

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ 

تاريخ اليهود يؤكّد أنّهم مصرّون على تحريف الحقائق ونكران ما عقلوه، في الوقت الّذي كان من المتوقّع أن يكون اليهود أوّل من يؤمن بالرّسالة الإسلاميّة بعد إعلانها لأنّهم أهل كتاب خلافًا للمشركين ولأنّهم قرأوا صفات النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كتبهم.

لكنّ القرآن يوجّه أنظار المسلمين إلى الحالة النّفسيّة السّائدة لدى هؤلاء القوم فهم يريدون النّبيّ منهم ولهم تعصّبًا ويوضح لهم أنّ الانحراف النّفسيّ يدفع إلى الإعراض عن الحقيقة مهما كانت هذه الحقيقة واضحة بيّنة.

ثمّ يتحدّث عن نفاقهم فهم يتظاهرون بالإيمان لدى لقائهم بالمسلمين ويبرزون إنكارهم عند لقائهم باصحابهم، بل يلومون أولئك اليهود الّذين يكشفون للمسلمين عمّا في التّوراة من أسرار.

 

 

غرور اليهود وادّعاؤهم الكاذب

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ ، فالله سبحانه يشير إلى واحدة من ادّعاءات اليهود الدّالة على غرورهم، هذا الغرور الّذي يشكّل الأساس لكثير من انحرافاتهم، فهم يعتقدون بأنّهم شعب الله المختار، وأنّ عنصرهم متفوّق على سائر الأجناس البشريّة، وأنّ مذنبيهم لن يدخلوا جهنّم سوى أيّام قليلة كأربعين يومًا بعدد الأيّام الّتي عبدوا فيها العجل ليتنعّموا بعدها بالجنّة.

ومن مظاهر أنانيّتهم استفحال ذاتيّاتهم.

هذا الادّعاء لا ينسجم مع أيّ منطق، إذ لا يمكن أن يكون بين أفراد البشر أيّ تفاوت في نيل الثّواب والعقاب أمام الله سبحانه وتعالى. وقال الله سبحانه في هذا السّياق: ﴿ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ 

وهذا ينافي العدالة الّتي تقوم على أساس تفضيل النّاس بعضهم على بعض بالإيمان والتّقوى والعمل الصّالح.

وقال أيضًا سبحانه في هذا السّياق: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ 

إذن القانون العامّ الّذي يقوم على المنطق قوله تعالى:

﴿ بَلَى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾  فهذا هو القانون العامّ الّذي يشمل المذنبين من كلّ فئة وقوم.

 

 

بشّر اليهود بالنّبيّ ثمّ أنكروه

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ 

التّاريخ يذكر بأنّ اليهود كانوا يبحثون بولع شديد عن منطلق البعثة النّبويّة ليكونوا أوّل من يؤمن برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهاجروا ليتّخذوا من يثرب سكنًا بعد أن وجدوا فيها ما يشير إلى أنّها أرض الرّسول المرتقب وبقوا فيها ينتظرون بفارغ الصّبر النّبيّ الّذي بشّرت به التّوراة كما كانوا ينتظرون الفتح والنّصر على الّذين كفروا تحت لواء هذا النّبيّ وكانوا يفتخرون أمام الأوس والخزرج بأنّهم سيكونون من خاصّة صحابة النّبيّ المبعوث.

وإذا بهم يقفون إلى جانب أعداء النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ـ بسبب لجاجهم وعنادهم ـ بينما التفّ حول الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كان بعيدًا عن هذه الأجواء.

فالأهواء والمصالح الشّخصيّة لعبت دورًا بارزًا في إبعاد هذه الفئة عن الحقيقة وحوّلتهم إلى أعداء أشدّاء على المؤمنين.

وقال الله سبحانه في هذا المجال: ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ 

 

 

إثارة اليهود للفتن والحروب

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ 

يتحدّث القرآن الكريم عن الأوس المدعومة من قبل يهود بني قينقاع، والخزرج المدعومة من قبل بني النّضير، لمّا أغرى قوم من اليهود بينهم بذكر حروبهم في الجاهليّة ليفتنوهم عن دينهم، الّذي خلّصهم من نزعات الجاهليّة وأحقادها وعداوتها وخصومتها وجعلهم متوادّين متحابّين متآلفين.

وكاد يقع الصّدام بينهم فبلغ ذلك النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فركب حمارًا وآتاهم ونهاهم عن عادات الجاهليّة خاصّة أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بينهم، وقد أعزّهم الله بالإسلام فبكوا وعانق بعضهم بعضًا فنزلت الآيات المباركة.

فتاريخهم إذن يشهد عليهم بأنّهم أهل فتن فهم الّذين أشعلوا الحرب العالميّة الثّانية وكثير من الحروب في هذا العصر سببها ومحرّكها هم اليهود أيضًا الخلافات والصّراعات بين الأحزاب والطّوائف، فعلينا أن نحذرهم ونفوّت عليهم مؤامراتهم وخططهم ونردّها إلى نحورهم.

 

 

مكر اليهود وخداعهم وحسدهم

 

 

يقول الله سبحانه عنهم: ﴿ وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

يقول بعض المفسّرين: إنّ اثني عشر من يهود خيبر وغيرها وضعوا خطّة ذكيّة لزعزعة إيمان بعض المؤمنين، فتعاهدوا فيما بينهم أن يصبحوا عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويتظاهروا باعتناق الإسلام، ثمّ عند المساء يرتدّون عن إسلامهم، فإذا سئلوا لماذا فعلوا هذا، يقولون: لقد راقبنا أخلاق محمّد عن قرب، ثمّ عندما رجعنا إلى كتبنا وإلى أخبارنا رأينا ما رأيناه من صفاته وسلوكه لا يتفّق مع ما هو موجود في كتبنا، لذلك ارتددنا، إنّ هذا يحمل بعضهم على القول بأنّ هؤلاء قد رجعوا إلى كتبهم السّماويّة الّتي هم أعلم منّا بها، إذًا لا بدّ أن يكون ما يقولونه صحيحًا وبهذا تتزعزع عقيدتهم.

وفي هذا السّياق يقول الله سبحانه: ﴿ وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ 

وسبب الإصرار على إخراج المسلمين عن دينهم هو الحسد والتّعصّب والحقد على المسلمين يقول الله سبحانه: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ 

 

 

قسوة القلب والإجرام عند اليهود

 

 

يقول الله سبحانه: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ 

عدم الرّحمة وقسوة القلب عند اليهود ظاهرة مثل عين الشّمس فلا شفقة ولا إنسانيّة فهم ينتقلون من مجزرة إلى أخرى فمن دير ياسين إلى الطّائرة المدنيّة إلى صبرا وشاتيلا إلى قانا والآتي قد يكون أفظع والدّول الّتي ترفع شعار شرعة حقوق الإنسان مع مجلس الأمن والأمم المتّحدة لا يعملون ما يوقف الإجرام الصّهيونيّ عند حدّه بل يقفون إلى جانبها ضدّ شعب أعزل من السّلاح، فوصفهم بأنّ قلوبهم كالحجارة أو أشدّ قسوة يستحقّونه بجدارة وأمّا ما يؤكّد نفسيّتهم الإجراميّة قوله تعالى: ﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ 

وارتكابهم للجرائم كما أشرنا كثيرًا جدًّا ما ينتظر العالم من شعب يريد أن يبني لنفسه دولة عنصريّة بالقوّة وعلى يد العصابات الصّهيونيّة الّتي ارتكبت أبشع الجرائم بحقّ الإنسانيّة وهي وصمة عار على جبين العالم المتحضّر، وزعماء هذه العصابات أصبحوا وزراء حاكمين كديّان وبيغن ورابين وشارون وغيرهم، فقسوة القلب والإجرام متجذّرة فيهم وآثارها بادية لمن كان له قلب.

والآتي قد يكون أكثر بشاعة إذا لم يضع لها العالم والشّعوب الحرّة حدًّا.

 

 

جبن اليهود وحبّهم للحياة

 

 

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿ لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ ﴾ 

القرآن الكريم يؤكّد خوفهم وجبنهم قديمًا فهم لا يبرزون لحرب المسلمين وإنّما يقاتلونهم متحصّنين بالقرى ويرمونكم من وراء الجدران بالنَّبْل والحجر، وفي هذا العصر ما يتفوّق به هذا العدوّ هو سلاح الطّيران والمدفعيّة الثّقيلة والصّواريخ، وكلّ ذلك يؤكّد قول الله سبحانه وقد فضحتهم المقاومة في لبنان وفلسطين ورأينا من خلال شاشات ووسائل الإعلام صريخ وبكاء وارتباك جنود الاحتلال من آثار ضربات المقاومة الإسلاميّة.

وسبب هذا الخوف والجبن هو حبّهم للحياة يقول الله سبحانه: ﴿ قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ 

وهذه تعتبر نقطة ضعفهم والّتي يعمل رجال المقاومة وخصوصًا الاستشهاديّين منهم على الاستفادة منها لدحر هذا العدوّ وإخراجه من أرض فلسطين وهذا ما عمل ويعمل عليه رجال المقاومة الإسلاميّة في لبنان.

 

 

قصّة محاولة اغتيال النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

 

 

بعد أن استطاع الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يضع حدًّا ليهود الجزيرة العربيّة وهم يهود بني قينقاع، والنّضير، وقريظة، وخيبر، وفدك ووادي القرى، وتيماء، هل استسلم بنو إسرائيل فعلاً للنّبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ وهل تصير الأفعى حمامة؟ كانت نفوس اليهود ملأى بالخبث والعلل بعد هزيمتهم النّكراء، وصمّموا على محاولة أخيرة لاغتيال الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودبّروا الخطّة التّالية:

تتظاهر زينب بنت الحارث - قائد اليهود الّذي صرعه عليّ (عليه السّلام) - بإيمانها الشّديد بالإسلام، وتتّقي الله ورسوله وتتوّرع زمنًا طويلاً إلى أن تنطلي هذه الحيلة على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصحبه، وانطلقت الخدعة على المسلمين وذاع صيت زينب الطّاهرة وفضائلها الحميدة، فقرّبها النّبيّ إلى صفوفه، وأصبحت تزور بيته باستمرار وفي أحد الأيّام، أعدّت زينب اليهوديّة حَمَلاً شهيًّا، وأهدته للنّبيّ وصحبه ليأكلوه وتناول النّبيّ قطعة لحم من الحمل ومضغها لكنّه لم يزدردها، وقال: « والله إن هذا العضم ليخبرني أنّه مسموم » ثمّ لفظ المضغة، ولم يكن الصّحابة قد بدؤوا الطّعام بعد، ولكن سبق لأحدهم وهو ابن البراء أن تناول لقمة من اللّحم وبلعها فمات على الفور، وأحضرت زينب « المؤمنة الفاضلة » إلى النّبيّ واعترفت له اليهوديّة قائلة « لقد بلغت من قومي يا محمّد ما بلغت فقلت في نفسي إن كنت ملكًا استرحت منك وإن كنت نبيًّا فتُخْبَر » وأجابها محمّد « ها قد أخبرت، ماذا تقولين الآن؟ ». ويخبر بعض الرّواة أنّ بنت الحارث ركعت أمام النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأسلمت له فعفا عنها، ويخبر رواة آخرون أنّ أحد المسلمين قد أطاح برأسها بعد أن اعترفت بجريمتها، على أيّة حال فعلت حادثة السّمّ هذه فعلها في المسلمين وجعلتهم لا يثقون باليهود ويخافون غدرهم بالرّغم من قضاء الرّسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليهم.

 

Powered by Vivvo CMS v4.7