هل الأرض ثابتة لا تتحرك؟
هل الأرض ثابتة لا تتحرك؟
زَعَمَ الفادي أَنَّ القرآنَ أَخطأَ في حديثِه عن خَلْقِ الأَرْض، عندما قال:
إِنَّ الأَرضَ ثابتةٌ لا تَتَحرك! وهذا خطأٌ جغرافيٌّ فَلَكي، لأَنَّ دورانَ الأَرضِ
بدهيةٌ مُسَلَّمة!.
وأَوردَ الفادي آياتٍ من سور: الرعد وَالنحل والحجر والأنبياء ولقمان،
كلُّها تُقرِّرُ ثَباتَ الأَرضِ وعدمَ حركتِها أَو دورانِها!.
قال: " جاءَ في سورةِ لقمان: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) .
وجاءَ في سورةِ الرعد: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ) .
وجاءَ في سورةِ الحجر: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) .
وجاءَ في سورةِ النحل: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) .
وجاءَ في سورةِ الأَنبياء: (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) .
اختارَ الفادي خمسَ آياتٍ من خمسِ سُوَر، تتحدثُ عن الجبال
الرواسي، التي ثَبَّتَ اللهُ بها الأَرض، لئلا تَميدَ وتضطربَ بأَهْلِها.
ورجعَ إِلى تفسيرِ البيضاوِيّ ليأخذَ منه تفسيرَ الآيات.
قال: " وقال البيضاويّ تفسيراً لآيةِ الأَنبياء: (أَن تَمِيدَ بِكم) " كراهةَ أَنْ تَميدَ بهم ".
وقال تفسيراً لآيةِ الرعد: (وَهُوَ اَلَذِى مَدَّ اَلارضَ) : " بَسَطَها طولاً وعَرْضاً،
لتَثبتَ عليها الأَقدام، ويتفلَّبُ عليها الحيوان ".
وأَجملَ البيضاويّ تفسيرَ هذه الآياتِ بما فَسَّرَ به آية سورة النحل، فقال: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) : أَي: كراهةَ أَنْ تَميلَ بكم وتضطرب.
لأَنَّ الأَرضَ قبلَ أَنْ تُخْلَقَ فيها الجبالُ كانت كُرَةً خفيفةً، بَسيطةَ الطبع، وكانَ من حَقِّها أَنْ تتحركَ بالاستدارةِ كالأفلاك، أَو أَنْ تتحركَ بأَدنى سببٍ للتحريك..
فلما خُلقت الجبالُ على وجهِها تَفاوتَتْ جوانبُها، وتوجهَت الجبالُ نحو
المركز، فصارَتْ كالأَوتادِ التي تمنَعُها عن الحركة ...
وقيل: لما خَلَقَ اللهُ الأَرضَ جَعَلَتْ تَمور، فقالَت الملائكة: ما هي بِمَقَرّ أَحَدٍ على ظهرِها، فأَصبحتْ وقد أُرسيتْ بالجبالِ ...
الآياتُ الخمسُ التي أَوردَها الفادي صريحةٌ في أَنَّ اللهَ جَعَلَ الجبالَ رواسيَ
مُثَبِّتَةً للأَرض، لئلّا تَميدَ الأَرضُ وتضطربَ وتتحركَ بأَهلها، ولولا هذه الجبالُ لاضطربَت الأَرضُ بأَهْلِها.
فهي رَواسٍ تستقرُّ بها الأَرض، وهي أَوتادٌ تُثَبّت الأَرض.
قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) .
ونتحفَّظُ على كلامِ الإِمامِ البيضاويّ، الذي ذَكَرَ فيه أَنَّ الأَرضَ كانت
تَمورُ وتتحرك، لأَنه لا دليلَ له على ذلك، لا من القرآن ولا من السنّة، كما نتحفظُ على كلامِه الذي نَسَبَ فيه للملائكةِ قولَهم: إِنَّ الأَرضَ لا تصلحُ أَنْ تكونَ مَقَرًّاً لأَحَدٍ على ظهرِها! لأَنه لا دليلَ له على هذا الكلام الذي نَسَبَه لهم، لا من القرآنِ، ولا من السنّةِ الصحيحة! ومعلومٌ أَنَّ أَنباءَ الماضي لا تُؤْخَذُ إِلّا من آيةٍ صريحة، أَو حديثٍ صحيحٍ مرفوعٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد صَدَّرَ البيضاويُّ كلامَه بصيغةِ " قِيلَ "، الدالة على التشكيكِ والتَّوْهين!.
وبعدَ ذلك سَجَّلَ الفادي تَساؤُلَه الخَبيث، فقال: " ونحنُ نسأل: إِذا كان
واضحاً أَنَّ الأَرضَ تَدورُ حولَ نفسِها مرةً كُلَّ أَربعٍ وعشرينَ ساعة، وينشأُ عن تلك الحركةِ الليلُ والنهار، وتَدورُ حولَ الشمسِ مع كل سنة وينشأُ عن ذلك
الدورانِ الفصولُ الأربعة، فكيفَ تكونُ الأَرضُ ممدودةً مبسوطةً ثابتةً لا
تتحرك، وأَنَّ الجبالَ تَمنَعُها عن أَنْ تَميد؟! ...
وهَدَفُ الفادي من طرحِ سُؤالِه تَخْطِئَةُ القرآنِ، في حديثِهِ عن الجبالِ
المثَبِّتَةِ للأَرض، التي تَمْنَعُها عن الحركة، لأَنَّ الأَرضَ تتحركُ حولَ نفسها،
وتَدورُ حولَ الشمس!!.
والفادي جاهلٌ باللغةِ وبالعلمِ وبالفلك، عندما اعتبرَ القرآنَ مُخطئاً، في
حديثهِ عن الجبالِ الرواسي، التي ثَبَّتَ اللهُ بها الأَرض، لئلّا تَميدَ وتضطربَ
بأَهْلِها.
لقد صَرَّحَ القرآنُ بأَنَّ الجبالَ مثبتةٌ للأَرض، حيثُ جعلَها الله رواسيَ
وأَوتاداً لئلّا تَميدَ الأَرضُ، كما نَصَّتْ على ذلك الآيات ُ السابقة.
وهذا هو الصوابُ بعينِه، فالجبالُ عاملُ تَوازنٍ في الأَرض، ولولاها لمادَت الأَرضُ واضطربَتْ، ولذلك سَمّاها اللهُ رواسيَ وأَوتاداً.
وسُمِّيتْ " رواسيَ " لأَنها أَشبهُ ما تكونُ برواسي السَّفينة، التي تحفظُ تَوازُنَها.
وسُميتْ " أَوتاداً " لأَنها أَشبهُ ما تكونُ بِأَوتادِ الخيمة، التي تُرْبَطُ بها حِبالُها، فتحفظُ تَوازُنَها ولا تَسقط.
فالجبالُ تحفظُ تَوازُنَ الأَرض، فلا تَميدُ ولا تَضطرب، ولا تَميلُ ولا تتأرجح..
وليس معنى هذا أَنَّ القرآنَ يُخبرُ أَنَّ الأَرضَ ثابتةٌ، لا تَتحركُ ولا تَجري
ولا تَسير، كما فَهمَ ذلك الفادي الجاهل، واعتَبَرَه خَطَأً جغرافيّاً فلكيّاً في
القرآن، واعْتَبَره متعارضاً مع دورانِ الأَرضِ حولَ نفسِها وحولَ الشمس، الذي هو " بدهية فلكية " في العصرِ الحديث.
لقد صَرَّح القرآنُ بأَنَّ الجبالَ تَحفظُ تَوازنَ الأَرض، فلا تَميدُ بأَهْلِها.
ولذلك خاطبَ الناسَ بذلك: (وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) .
فَمنْعُ المَيْدِ والاضطرابِ خاصّ بالبَشَر، ولكنَّ هذا لا يمنَعُ دورانَ
الأَرضِ حولَ نفسِها وحولَ الشمس، وكونُ الجبالِ رواسيَ وأَوتاداً لا يَعني
أَنها لا تَدورُ دورانَها المعْروف، إِنَّنا نوقنُ أَنَّ الأَرضَ تدورُ حولَ نفسِها مرةً
كُلَّ أَربعٍ وعشرين ساعة، فينتجُ عن ذلك الليلُ والنهار، كما أَنَّنا نوقنُ أَنَّها
تَدورُ حولَ الشمسِ مرةً كُل سنة، فينتجُ عن ذلك الفصولُ الأَربعة.
ولكنَّ الأَرضَ ثابتةٌ أَثناءَ دورانِها وحركتِها، وهي " متوازنةٌ " أَثناءَ هذا
الدوران اليوميّ والسَّنَوي، والذي جعلَها ثابتةً متوازنة في دورانِها هو الجبالُ
الرواسي الأَوتاد.
فدورانُها لا يمنعُ توازُنَها، وتَوازُنُها لا يُلغي دورانَها، فهي
ثابتةٌ متوازنةٌ، متحركةٌ جارية، وليستْ ثابتةً ساكنةً، واقفةً جامدة!!.