• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

هل لكلِّ أمةٍ رسول؟

بواسطة |   |   عدد القراءات : 2078
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

هل لكلِّ أمةٍ رسول؟
أَخبرَ اللهُ أَنَّه بعثَ لكلِّ أُمَّةٍ من السابقين رسولاً من أَنفسهم.
قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) .
وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ) .
وقال تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ) .
ويَعترضُ القسيسُ الفادي على هذه الآيات، التي تقررُ هذه الحقيقة،
ويَعتمدُ في اعتراضِه على الكتابِ المقَدَّس، الذي يقولُ بعكْسِ ذلك، قال:
" تقولُ هاتان السورتانِ المكيَّتان: إِنَّ اللهَ أَرسلَ في كلِّ أُمَّةٍ نبياً منها إِليها.
ويقولُ الكتابُ المقَدَّس: إِنَّ الأَنبياءَ والرسلَ هم من بني إِسرائيل، إِليهم وإِلى
كلِّ العالَم..
فإذا صَدَقَتْ أَقوالُ القرآنِ، فكيفَ لم يُخرجْ للأُممِ في إفريقية
وأَوروبة وأَمريكة وأسترالية وآسية أَنبياءَ منهم وإِليهم؟
ولو كانت لهذه الأُمم أَنبياءُ منها وإليها، لجازَ أَنْ يكونَ للعربِ رسولٌ منهم! "  .
يَزعمُ المفْتَري أَنَّ الرسلَ والأَنبياءَ محصورون في بني إِسرائيلَ فقط، فلم
يَبْعث اللهُ رَسولاً ولا نبيّاً من غيرِهم!.
لكل أمة رسول منها إليها
إنه جاء فى القرآن أن لكل أمة رسول منها. وهذا يناقض الكتاب المقدس فى أن الأنبياء والرسل هم من بنى إسرائيل وإليهم وإلى كل العالم. فإذا صدق ما فى القرآن فكيف لم يخرج للأمم فى إفريقيا وأوروبا وأمريكا واستراليا وآسيا: أنبياء منهم وإليهم؟ ولو كان لهذه الأمم أنبياء - منها وإليها - لجاز أن يكون للعرب رسول منهم.
الرد على الشبهة:
إن كلمة الرسول تأتى على الحقيقة وتأتى على المجاز. فعيسى - عليه السلام - رسول على الحقيقة. وإذا هو أرسل واحداً من الحواريين إلى قرية من القرى فإنه يكون رسول رسول الله عيسى على المجاز. ففى إنجيل متى: " هؤلاء الإثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً: " إلى طريق أمم لا تمضوا.. " [متى 10: 5] .
وابتداء الدعوة إلى الله كان فى زمن أنوش بن شعيث بن آدم؛ لقوله: " حينئذ ابتُدئ أن يُدعى باسم الرب " [تك 4: 26] وظل الحال على هذه الدعوة التى كانت دعوة إلى مكارم الأخلاق وعدم سفك الدماء ظلماً إلى زمان نوح - عليه السلام - ولم يكن من المطعومات شىء محرم فلما خرج نوح من السفينة أعطاه الله شريعة فيها أن كل الطعام حلال، وأن يحب المرء لأخيه ما يحبه هو لنفسه، وليس فيها شريعة تبين أن هذا حلال وهذا حرام. ففى الإصحاح التاسع من سفر التكوين: " كل دابة حية تكون لكم طعاماً. كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع.. " وظلت شريعة نوح سائدة على العالم إلى أن جاء موسى - عليه السلام - وأعطاه الله التوراة (موعظة وتفصيلاً لكل شىء (وأمره أن يخصص سِبط لاوِى من بين الأسباط ليعرفها ويعرّفها للناس.
وهذا الذى ذكرته هو ما يقول به أهل الكتاب جميعاً، ونص عليه أهل الكتاب فى كتبهم. وعنه فى القرآن الكريم: (كل الطعام كان حلاً لبنى إسرائيل)  وهو حلال من أيام نوح - عليه السلام - وعلى ذلك نسأل المؤلف هذا السؤال وهو أن الناس من آدم أبى البشر إلى موسى الكليم كانت رسلهم من بنى إسرائيل أم من غير بنى إسرائيل؟ إن قلت إن رسلهم كانت من بنى إسرائيل يكذبك الواقع والكتب التى تقدسها، وإن قلت كانت من غير بنى إسرائيل فلماذا وجهت السؤال إلى المسلمين؟
أما من موسى إلى محمد صلى الله عليه وسلم فإن علماء بنى إسرائيل من اللاويين والهارونيين كانوا يبلغون التوراة لليهود وللأمم، وإذا انطلق واحد منهم إلى الأمم؛ فإنه يكون رسولاً إلى الأمم. ليس على الحقيقة، وإنما على المجاز بمعنى أنه رسول رسول الله موسى - عليه السلام - وظلوا على هذا الحال إلى زمان سبى بابل سنة 586 ق. م فإنهم وهم فى بابل حرفوا التوراة، وقصروا شريعة موسى على اليهود من دون الناس، وابتعدوا عن دعوة الأمم، وتعصبوا لجنسهم وتآمروا على الأمم (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا فى الأميين سبيل)  .
ومن قبل سبى بابل كان علماؤهم يدعون العرب إلى الله على وفق شريعة موسى. فيكون العالم الداعى رسولاً مجازاً. وهكذا فى سائر بلاد العالم. أما من بعد السبى وتخلى العلماء عن الدعوة فإن كل أمة سارت على ما عندها من العلم. وقد وبخهم المسيح عيسى - عليه السلام - على إهمالهم فى دعوة الأمم بقوله: " لكن ويل لكم أيها الكتبة والفَرِّيسِيُّون المراءون؛ لأنكم تُغلقون ملكوت السماوات قدام الناس؛ فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون " [متى 23: 13] .
ثم حث أتباعه بالانطلاق إلى بلاد اليهود أولاً بأمرين هما أن يعملوا بالتوراة، وأن يستعدوا لتركها إذا ما ظهر محمد رسول الله الذى يبشر به. وإذا فرغوا من دعوة اليهود فى بلادهم ينطلقون إلى الأمم، وسماهم رسلاً مجازاً. فقال: " إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحرىّ إلى حُراف بيت إسرائيل الضالة. وفيما أنتم ذاهبون، اكْرِزوا قائلين: " إنه قد اقترب ملكوت السموات " [متى 10: 5] . وملكوت السماوات هى مجئ محمد صلى الله عليه وسلم بعد مملكة الروم كما أنبأ النبى دانيال فى الإصحاح السابع من سفره. اهـ (شبهات المشككين) .

وهذا كذِبٌ على اللهِ - عز وجل -، واتِّهامٌ له بالظلم.

فإِذا كانَ كلامُه صحيحاً فماذا يقولُ في الأُممِ الذينَ عاشوا وماتوا قبلَ وُجودِ بني إِسرائيلَ في التاريخ؟
هل بَعَثَ اللهُ لهم نبيّاً إِسرائيليّاً قبلَ أَنْ يَخلقَ اللهُ بني إِسرائيلَ؟
هل بَعَثَ اللهُ لقومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ والبابليّين والكنعانيّين والمصريّين أَنبياءَ من بني إِسرائيل؟
وهؤلاءِ الأَقوامُ كانوا قبلَ بني إِسرائيل؟
أَمْ أَنَّ اللهَ لم يَبعثْ لهم رسولاً قط؟
وبعدما خَلَقَ اللهُ بني إِسرائيل هَلْ بَعَثَ اللهُ أَنبياءَ إِسرائيليّين للأَقْوامِ الآخَرين، كالفرسِ والرومِ واليونانِ والهنودِ والصينيين والأَفارقةِ والأَمريكيّينَ والأَوربيّين والأُستراليِّين؟.
إِنَّ ما قالَه الفادي المفترِي من قَصرِ النبوةِ والرسالةِ على الإِسرائيليّين
كذبٌ وافتراء، ويَتعارَضُ مع حقائقِ التاريخ.
ولقد صَرَّحَ القرآنُ بأَنَّ اللهَ بَعَثَ في كلُّ أُمةٍ رسولاً.
قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا) .
وصَرَّحَ بأَنَّ الرسولَ كان من نفسِ الأُمَّة، ويتكلمُ بلسانِ أَفْرادِها.
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) .
وصَرَّحَ بأَنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ الناسَ إِلّا بعدَ أَنْ يَبعثَ لهم الرسول، فإِنْ
كَفروا به وكَذَّبوه استحقّوا العذاب.
قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا.
وبذلكَ أَقامَ اللهُ الحُجَّةَ على الكافرين، ولم يَبْقَ لهم حُجَّةٌ على الله، قال تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) .
وزَعْمُ قصر النبوةِ على بني إِسرائيلَ تكذيبٌ صريحٌ لهذه الآياتِ وأَمثالِها،
وتناقُضٌ مع حقائقِ التاريخِ وقواعدِ الدين.
صحيحٌ أَنَّ معظمَ الأَنبياءِ والرسُلِ المذكورين في القرآنِ الكريمِ بُعِثوا إِلى
اليهودِ، لكنَّ النبوةَ ليستْ محصورةً فيهم.
ولا معنى لكلامِ الفادي: " فإِذا صَدَقَتْ أَقوالُ القرآنِ فكيفَ لم يُخرجْ
للأُممِ في إفريقية وأَوروبة وأَمريكة وأُسترالية وآسية أَنبياءَ منهم وإِليهم؟! ".

والمفتري في كلامِه يُكَذِّبُ القرآن، ويُشَكِّكُ في صدقِ أَخْبارِه، وذلك في
جملة: " فإِذا صَدَقَتْ أَقوالُ القرآن "..
ومنَ البَدَهِى عند كلِّ مسلمٍ ومنصفٍ أَنَّ أَقوالَ القرآنِ صادقة، لا شكَّ ولا خَطَأَ فيها، فما قالَه اللهُ في القرآنِ فهو الصدقُ والحقُّ والصواب.
وقد ذَكَرَ القرآنُ أَسماءَ خمسةٍ وعشرينَ نبيّاً ورسولاً، وليست النبوةُ
والرسالةُ محصورةً فيهم، أَيْ أَنَّ اللهَ لم يذكُرْ كُلَّ الأَنبياءِ في القرآن، وإِنما ذَكَرَ أَشْهَرَهم فقط، والأَنبياءُ يُعَدّونَ بالآلاف، لم يُخْبِرْنا اللهُ إِلّا بأَسماءِ خمسةٍ
وعشرينَ منهم.
كثيرٌ من الأَنبياءِ لم يُخبرْنا اللهُ عنهم، فلم نَعرفْ أَسماءَهم.
قال تعالى: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) .
وقال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) .
ومعنى هذا أَنَّ اللهَ بَعَتَ أَنبياءَ لكلِّ الأَقوامِ السابقين الذين كانوا يَعِيشونَ
في آسية وإفريقية وأَمريكة وأَوروبة وأُسترالية وغيرها، لكنه لم يُخْبِرْنا بأَسماءِ
هؤلاءِ الأَنبياء، وعدمُ معرفتِنا بأَسمائِهم لا يَنفي كونَهم أَنبياء.
ومن مزايا الأَنبياءِ والرسلِ السابقين أَنَّ كُلَّ نبيٍّ كانَ يُبْعَثُ إِلى قومِه
خاصة، وكلُّ أَنبياءِ بني إِسرائيل كانوا يُرْسَلونَ إِلى بني إِسرائيلَ خاصة، ولم
يُبْعَثوا إِلى غيرِهم.
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) .
وآخِرُ أَنبياءِ بني إِسرائيل هو عيسى - عليه السلام -، فقد بَعَثَهُ اللهُ رسولاً إِليهم خاصة، ولم يكنْ رَسولاً للنّاسِ كافَّة.
قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .

موسى - صلى الله عليه وسلم - يقولُ لبني إِسرائيل: (أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) ..
وعيسى - صلى الله عليه وسلم - يقولُ لبني إِسرائيل: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) .
فكلُّ واحدٍ منهما رسالتُه خاصَةٌ بهم.
وتحوَّلَت " النصرانيةُ " إِلى رسالةٍ عالميةٍ بعدَ رفْع عيسى - صلى الله عليه وسلم -، وهذا خلاف طبيعتِها التي جاءَ بها عيسى - صلى الله عليه وسلم - إِلى بني إِسرائَيل.
ويَختمُ الفادي المفترِي كلامَه بنفْيِ نبوةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك في قوله: " فلو كانَتْ لهذه الأُمم أَنبياءُ منها وإِليها، لجازَ أَنْ يكونَ للعرب رسولٌ منهم ".
ومعنى كلامِه هنا أَنَّ اللهَ لم يَبعثْ للعربِ رسولاً منهم، لأَنًّ كُلَّ الأَنبياءِ في
العالَمِ كانوا من بني إِسرائيلَ حسب ادِّعائِه!!.
وقد امْتَنَّ اللهُ على العَرَبِ بأَنْ بَعَثَ منهم محمداً - صلى الله عليه وسلم - رسولاً، وذلك في آياتٍ عديدة، منها قولُه تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) .
ورغْمَ أَنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - من العربِ إِلَّا أَنَّ رسالتَه ليستْ للعربِ فقط، وإِنما هو رسولٌ للعالَمين.
وقد قَرَّرَتْ هذه الحقيقةَ آياتٌ عديدة " منها قولُه تعالى:
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) .
ومنها قولُه تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) .

Powered by Vivvo CMS v4.7