الصرح الذي بُني لفرعون
الصرح الذي بُني لفرعون
أخْبَرَنا اللهُ أَنَّ فرعونَ أَصَرَّ على كُفْرِهِ وادعى الأُلوهية، وطلبَ من وزيرِه
هامانَ أَنْ يَبنيَ له صَرْحاً ليبحثَ عن إِله موسى.
قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) .
وقد اعترضَ الفادي على القرآن، وخَطَّأَه، ووضعَ لكلامِه عِنْواناً
استفزازيّاً هو: " فرعونُ بنى بُرْجَ بابلَ بمصر! ".
وهو تهكُّمٌ وسخريةٌ بكلامِ القرآن، فأَينَ برجُ بابلَ الذي في العراقِ من فرعونَ حاكم مِصر؟!.
قالَ الفادي في تخطئتِه للقرآن: " ومعلومٌ أَنَّ البرجَ الذي كانَ بنو آدم
يَبنونَه ليسَّ رأسُه السماء، وقد صنَعوهُ من الطّينِ اللَّبِنِ المشويِّ بالنّار، هو
برجُ بابلَ في بلادِ الكِلْدانيّين، وقد شَرَعوا في بنائِه عقبَ حادثةِ الكِلْدانيّين..
فلا يمكنُ أَنْ يكونَ الآمِرُ بالبرجِ هو فرعون، كما أَنَّ البرجَ لم يُبْنَ في مصر،
ولا يُمكنُ أَنْ يكونَ وزيرُ فرعون هو هامانَ الوزيرَ الفارسيّ، وقد بُنِيَ برجُ بابلَ قبلَ فرعونَ بقرونٍ طويلة! ".
خَطَّاَ الفادي القرآنَ في حديثهِ عن صَرْحِ فرعون، بينما اعتمدَ حديثَ سِفْر
التكوينِ عن برجِ بابل، مع أَنها أُسطورةٌ وخُرافة، لا تتفقُ مع الإِيمانِ بالله،
وخلاصَتُها: أَنَّ الناسَ تجمعوا في سهل بابلَ بعدَ انتهاءِ طوفانِ قومِ نوحٍ، فاتفقوا على أنْ يَبْنوا بُرْجاً عالياً، يَمَسُّ رأْسُه السماء، ليخلّدَ ذكْرَهم على الأَرض، ولما شَرَعوا في بنائِه، رآهم اللهُ وهو في السماء، وخافَ منهم أَنْ يَصْعَدوا إِليه، فقال لمن حَوْلَه من الملائكة: هؤلاء بنو آدم يَبْنون بُرْجَهم إِلى السماء، وإِنْ تَرَكْناهم وَصَلوا إِلينا، فَتَعالوا نَنْزِلْ ونُبَلْبِلْ أَلسنَتَهم ونُفَرِّقْهم!! فنزلَ الرَّبُّ إِليهم وبَلْبَلَ أَلسنَتَهم، فَتوقَّفوا عن البناء، وتَشَتَّتوا وتَفَرقوا في الأَرض!!.
هذه الأُسطورةُ الخرافيةُ الكافرةُ يُصَدِّقُها الفادي لأَنها وردَتْ في العهدِ
القديمِ، مع أَنها لا تتفقُ مع قوةِ اللهِ وقدرتِه وعظمتِه وعدلِه، وهي من تأليفِ
الأَحبارِ المحَرِّفين للتوراة.
أَما حديثُ القرآنِ عن الصرحِ الذي طَلَبَ فرعونُ من وزيرِه هامانَ أَنْ
يبنيَه فإنه يُخَطِّئُه ويَرفضُه، كما يَرفضُ أَنْ يكونَ هامانُ وزيراً لفرعون، لأَنه كان وزيراً لملكِ الفرسِ، الذي كان بعدَ فرعونَ بقرون.
والصَّرْحُ هو البناءُ العالي، والأَبنيةُ العاليةُ موجودةٌ في كثيرٍ من المدنِ
القديمة، وقد ذَكَرَ القرآنُ صرحَيْن:
الأَول: صَرْحُ فرعونَ الذي بَناهُ له هامانُ من الطينِ المحروق، والذي
أَخبرتْ عنه آيةُ سورةِ القَصَص: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا) .
وأَخبرَتْ عنه آيةُ سورةِ غافر: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا) .
الثاني: صرحُ سليمانَ العجيب، الذي فاجأَ به ملكةَ سبأ.
قال تعالى: (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) .
وبما أَنَّ اللهَ أَخبرَنا عن صرحِ فرعونَ الذي بناهُ له وزيرُه هامانُ فإِننا نُصَدِّقُ
ذلك ونؤمنُ به، ومعلوم أَنَّ الفراعنةَ تركوا خَلْفَهم مجموعةً من الأهراماتِ
الأَثرية، والذين بَنَوْا تلك الأَهراماتِ لا يَعجزون عن بناءِ صَرْحٍ عالٍ!!.
وقد سَبَقَ أَنْ ذَكَرْنا أَنه لا تَعارُضَ بين هامانَ المصري، الذي كان وَزيراً
لفرعون، والذي ذَكَرَ القرآنُ اسْمَه صريحاً، وبينَ هامان الفارسي، الذي كان وزيراً لملكِ الفرس، فكثيراً ما تتشابَهُ الأَسْماء!.