هل تتكلم الجبال؟!
هل تتكلم الجبال؟!
تحتَ عنوان: " جَبَلٌ يتكلَّم "!
اعترضَ الفادي على إِخبارِ القرآنِ عن تَكَلّمِ الجبال، وقد ذَكَرَ القرآنُ ذلك مرتَيْن.
المرةُ الأولى: في حديثِه عن قصةِ داودَ - عليه السلام -، فعندما كانَ يُسَبِّحُ اللهَ سبحانَه كانت الجبالُ والطيورُ تُسَبِّحُ معه.
قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) .
ومعنى (أَوِّبِي) : رَدّدي ورَجِّعي مَعَه.
أَيْ: سَبِّحي مَعَه عندما يُسَبّحُ.
فكانَ داودُ - عليه السلام - عندما يُسَبِّحُ اللهَ يَسمعُ الجبالَ
تُسَبِّحُ اللهَ معهِ، ويَسمعُ الطيورَ تُسَبّحُ اللهَ مَعَه!!.
إِنَّ اللهَ هو الذي سَخَّرَ الجبالَ للتسبيحِ معه، وأَمَرَ الطيرَ أَنْ تُسَبّحَ معه.
قال تعالى: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) .
ولم يُصَدِّق الفادي المفترِي القرآنَ في إخبارِه عن ذلك، واعْتَبَرَه مما
يتناقَضُ مع العِلْمِ والعَقْل.
قال: " وهل للجبالِ عَقْلٌ وتَمييزٌ وعَواطفُ، لِتُرَدّدَ صلواتِ واعترافاتِ وتسابيحَ داودَ؟! ".
ونَقولُ له: نَعَم.
إِنَ اللهَ خالِقَها هو الذي أَرادَ أَنْ تُسَبحَ، وأَمَرَها أَنْ
تُسَبِّح، فنفَّذَتْ أَمْرَه سبحانه وسَبحَتْ، ولا نَدري كيفَ سَبَّحَتْ، وهي الجمادُ الذي لا عَقْلَ عندَه ولا إِدْراك.
المهمُّ أَنَّ اللهَ هو الذي أَوجَدَ عندَها القدرةَ على التسبيح فَسَبَّحَتْ!
والأَمْرُ ليس غريباً على الله، وليس مستَبْعَداً عند الله، فهوعلى كُلًّ شيء قدير!.
والمرةُ الثانية: في حديثِه عن الأَمانةِ التي حَمَلَها الإِنسانُ الظَّلومُ الجَهول.
قال تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) .
عَرَضَ اللهُ أَمانَةَ التكليفِ على السمواتِ والأَرضِ والجبال، لكنهنَّ أَبينَ أَنْ يحملْنَها ويُكَلَّفْنَ بِها، لأنهنَّ أَشفقْن منها، وخِفْنَ من التقصيرِ فيها.
ولما عُرِضَت الأَمانةُ على الإِنسانِ استَعَدَّ أَنْ يَحملَها، رغمَ المسؤوليةِ والتبعةِ والحساب، وهو بذلك ظلوم جهول!!.
وقد اعترضَ الفادي على ذلك، فقال: " ونحنُ نَسأَل: هل للجبالِ فَهْمٌ،
يَجعلُها تُدركُ ما لا يُدركُه أَكثرُ البَشَر، فترفضُ الأَمانَةَ المعروضة عليها؟! ".
ونَقولُ له: وما المانعُ العقليُّ من ذلك؟
إِنَّ اللهَ هو الذي جعلَ فيها نوعاً من الإِدْراك، بحيثُ تَسمعُ وتَفهمُ وتُجيب، وهو ليسَ كسَماعِنا وفَهْمِنا وإدْراكِنا وكَلامنا وجوابِنا، وإِنما نوعٌ خاصٌّ على مُستواها، وهو ليس أمْراً عاديّاً، وإنما هو خارقةٌ من الخوارق، ومعجزةٌ من المعجزات!! واللهُ يَفعلُ ما يشاء، ويوجِدُ فيه ما يَشاء، ولا شيءَ مستحيلٌ على إِرادةِ الله.
ولماذا يَستبعدُ الفادي ذو العقلِ الصَّغيرِ كلامَ الجبال، ويَجعلُهُ مُستحيلاً
عَقْلاً، ولم يَستبعدْ تحويلَ العَصا اليابسةِ إِلى أَفْعى فيها روحٌ وحياة!..
كانَ موسى - عليه السلام - يُمسكُ عَصا يابسةً بيدِه، ولما أَلْقاهَا بأَمْرِ اللهِ جَعَلَ اللهُ فيها حياة، وحَوَّلها إِلى أَفعى تَسعى، وَحَمَلها موسى بيدِه وهي حَيَّة، ولما أَلْقاها على الأَرضِ ثانيةً أَعادَها اللهُ عصا يابسة!! وكان هذا كُلّه بأَمْرِ اللهِ، فالذي جَعَلَ العصا الخشبيةَ حَيَّة تَسعى هو نفسُه الذي جعلَ الجبالَ تتكلم.
وليستْ هذه أَوَّلَ مَرَّةٍ يَجعلُ اللهُ في السمواتِ والأَرضِ والجبال قُدرةً
على الفهم والكلامِ والجَوابِ على السُّؤال - على مُسْتَواها الضعيف المحدود -، فلما خَلَقَها اللهُ خاطَبَها وأَجابَتْ؟
قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) .
سَمعت السمواتُ والأَرضُ خِطابَ اللهِ لهما، وفَهِمَتاهُ على طريقَتِهما،
وأَجابَتا اللهَ قائلَتَيْن: أَتَيْنا طائِعين!
ولا نَدري كيفَ حَصَلَ ذلِك، لأَنَّ هذا معجزةٌ من الله، أَوجَد فيهما سبحانَه إِدْراكاً خاصّاً، وسَماعاً خاصّاً وفَهماً خاصّاً، وأَجابَتا جَواباً خاصّاً أَيضاً!
فالأَمْرُ أَمْرُه، والإِرادَة إِرادَتُه - عز وجل -.