حول جهاد الرسول - صلى الله عليه واله وسلم - وغزواته
حول جهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وغزواته
اعترضَ الفادي المفترِي على جهادِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، وأَساءَ تَفسيرَ غزواتِه وقتالِه للأَعداء.
وأَوردَ في بدايةِ اعتراضِه قولَ اللهِ - عز وجل - (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) .
وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ) .
وسَجَّلَ كلامَه الخبيثَ قائلاً: " ونحنُ نسأل: وهل يَحتاجُ اللهُ للعنفِ
والسيفِ لينشرَ فِكْرَه؟
لقد حَلَّلَ محمد لنفسِه ما سبقَ تَحريمُه، فحرَّضَ أَتْباعَه
على القتال، وأَوصى بالغزوِ والجهادِ في سبيلِ الدين..
مع أنه لما كان في مكة كان يُعلِّم أنه: (لَآ إِكرَاهَ فِى الدِّينِ) ، ويَقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) .
وكانَ يَقول: إِنَّ اللهَ قالَ له: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) .
ولكنْ لما اشتدَّ ساعِدُه في المدينةِ بعدَ الهجرة، وَوَجَدَ نفسَه مُحاطاً
بذوي السُّيوفِ البَتّارةِ من أَتْباعِه، هَجَمَ على اليهودِ بقربِ المدينة، وسَفَكَ دماءَ الأَكثرين، وأَوصى بمجاهدةِ جميع الخارجين عنه، ليكونَ الكُلّ من أَتْباعِه..
وقد فاتَه أَنَّ اللهَ لا يَسودُ العالمَ بالقَسْوةِ، بل بالمحبَّة، فاللهُ مَحَبَّة "
منع الفتنة:
كما يحارب الإسلام دفعا للعدوان، يعبئ قواه كلها منعا للفتنة! والفتنة التى تكرر فى القرآن ذكرها على أن إطفاءها نهاية للحرب المعلنة من جانبه، تعنى استغلال السلطة لمصادرة الحق ومطاردة أهله، كما فعل ألوف الطغاة قديما وحديثا. وقد علمت أن الإسلام يبنى جهاده على أن الإكراه لا يؤسس عقيدة. فهو لا يضغط على أحد حتى يلجئه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، وفى الوقت نفسه لا يقبل من قوة غاشمة أن تضطهد المؤمنين وترجعهم إلى الجاهلية التى طلقوها. والجو الذى ينشده الإسلام هو الجو الذى يتنفس فيه الإنسان هواء الحرية الطليق ملء رئتيه. يقبل المرء فيه على الرأى الذى يستصوبه، فلو ترك الإيمان بالله ورسوله لأنه يقتنع بذلك، فليس من سبيل لأحد على إرغامه أن يؤمن!. وهذا ما قرره القرآن الكريم فى مواضع شتى: " نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد". " ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ". " فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر ". " وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق ... ". وقد خلط قوم من الباحثين فى فهم هذه الآيات خلطا شنيعا، وساروا فيها على نهجين متناقضين كلاهما شارد عن الصراط المستقيم، فمنهم من فهم من هذه الآيات أنه لا حكم فى الإسلام!! وأن نفى الإكراه يقتضى إسقاط الحكومة من تعاليم الكتاب والسنة. كأن ثوار فرنسا لما أعلنوا حقوق الإنسان وحرية الرأى المطلقة امتنعوا عن تكوين حكومة تمثل مبادئ الثورة!.
إن الحكومة فى الإسلام حق لا يحتمل ريبة، وهى لا تعنى ـ إذا قامت ـ لتنفيذ أحكام الإسلام أن تقهر رجلا على دين يرفضه، فإن الحرية الدينية من أحكام الإسلام الذى تشرف الحكومة الإسلامية على تنفيذه. وهناك فريق فهم أن هذه الآيات نسخت بإقامة حكم يقاتل الكفار أبدا، ويعلن عليهم حربا شعواء، لا تنتهى حتى يبيدوا! كلا الفريقين مخطئ، بعيد عن إصابة الحق فى مقاصد القرآن، فإن الدولة التى يقيمها الإسلام ممثلة لدعوته لا يمكن ولا يجوز أن تخرج فى أساليب الدعوة عن الحدود التى رسمها الله ـ عز وجل ـ وإلا اعتبرت خارجة على نفسها، وأساس الدعوة الأول: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.. ". وأساس استخدام القوة المقاصة: " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ... ". وأساس إعلان الحرب هدم السلطات الفاجرة لتتوطد أركان الحرية العقلية وتتراوح عوائق الاستبداد عن طريق الناس. والقتال شر! ولكن لا بد منه لإزالة شر أشد، وعلى ذلك قبله الإسلام ودفع جنوده لخوضه. لما استكثر المشركون القتال فى الشهر الحرام، وافتعلوا ضجة كاذبة للإرجاف بالمسلمين نزل قوله تعالى: " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل..".
والفتنة هنا نشأت من تسلط الكفار على المؤمنين وإحراجهم بسبب دينهم الجديد حتى أخرجوهم من ديارهم، وحق على الدولة المسلمة أن تكافح هذه السلطة الجائرة، فلا تتركها إلا مقلمة الأظافر مهشمة الأنياب. وقد حض الله ـ سبحانه ـ على ذلك، وأمر بمتابعة الهجوم على ذوى السلطان الجائر ومصادر الاستبداد الأعمى حتى تطهر الأرض منهم. " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير * وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ". وهذا الأمر الواضح بالقتال، حتى تنتهى الفتنة، ذيل بمعان تشير إلى ملابساته التى فرضته، فإن ترك الفتانون جرائمهم فيها، فأمرهم إلى الله، ولا سبيل لنا عليهم، وإن رفضوا استعنا بالله على كف أذاهم.. واستعددنا لمعاودة قتالهم. ذلك ـ والغرض المتعين من هذه الحرب ـ تعبيد الطريق أمام الآراء كلها، ليتمحص الحق والباطل، وعندئذ تتخير النفوس ما تهواه. " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.. ". على أن هناك من يريد بالقوة إبطال الحق وإحقاق الباطل! والإسلام لا يترك أولئك أحرارا، وما ينبغى له ذلك بل يقاتل " ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ". اهـ (الإسلام والإستبداد السياسي. ص: 108 - 111)
وفي هذا الكلامِ الخبيثِ بعضُ المغالطاتِ والأَكاذيبِ والجهالات،
1 - إِصْرارُه على أَنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - يُحَلّلَ ما يَشاء، ويُبيحُ لنفسِه ما حَرَّمَه على غيرِه، والتلاعبَ في التحليلِ والتحريم..
عِلْماً أَنَّ التحليلَ والتحريمَ لله وَحْدَه، فاللهُ سبحانه هو الذي يُنَزّل عليه الآيات، مُحَلّلاً ما يَشاء، ومُحَرِّماً ما يَشاء..
والآياتُ التي أَوردَها ليستْ من تأليفِه، وإِنما هي كلامُ اللهِ أَوحى به
إِليه.
2 - من جهالاتِ المفترِي الجاهلِ عدمُ تَفريقِه بين السورِ المكيةِ النازلةِ
في مكةَ قبلَ الهجرة، والسُّوَرِ المدنيةِ النازلةِ في المدينةِ بعدَ الهجرة.
وسَجَّلَ جَهْلَه في قوله: " مع أَنه لما كان في مكةَ كان يَعْلَمُ أَنَّه: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ".
لقد جعل سورةَ البقرةِ مكية، وكل مُبتدئ في العلْمِ مُسلماً كان
أَو كافراً فإِنَّه يَعلمُ أَنَّ سورةَ البقرة مدنية، وفيها النهيُ عن الإِكراهِ في الدين، وإِجبارِ الآخَرينَ على الدخول في الإِسلام، وأَوردَ آيةَ سورةِ النحلِ الآمرةِ
بالدعوةِ إِلَى الله بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة، واعتبرها لجهلِه مكية، مع أَنَّ
الراجحَ أَنَ سورةَ النحلِ مدنية، وأَنها أُنزلَتْ بعد غَزوةِ أُحُد، في السنةِ الثالثةِ
من الهجرة.
3 - ادَّعى المجرمُ أَنَّ الجهادَ طارئٌ على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأَنه لما كانَ في مكةَ كانَ يَحُثُّ على عدمِ الجهادِ والقتال، ويُركزُ على الدعوةِ والبَلاغ.
ولما هاجَرَ للمدينةِ صارَ قوياً، واشتَدَّ ساعِدُه، ووجَدَ نفسَه مُحاطاً بذوي السيوفِ البتَّارةِ من أَتْباعِه، عند ذلك غَيَّرَ فِكْرَه وأُسلوبَه ودَعا إِلى الجهادِ والغَزْو.
علماً أَنَّ اللهَ هو الذي أَمَرَ المسلمين في مكةَ بكَفّ أَيديهم عن القِتال،
والصبرِ على أَذى المشركين، واللهُ هو الذي أَمَرَهم بالجهادِ والقتالِ في
المدينة، فالأَمْرُ أَمْرُ الله، ووردَ في آياتِ القرآنِ الحكيمة.
والرسولُ - صلى الله عليه وسلم - يتلَقّى أَمْرَ الله، ويلتزمُ به ويُبَلّغُه لأَتْباعِه ليلْتَزموا به.
4 - يُغالطُ الفادي المجرمُ ويَكْذِبُ، عندما يدَّعي أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - هو الذي هَجَمَ على اليهودِ بالقربِ من المدينةِ وقَتَلَهم، أَي أَنه صَوَّرَ اليهودَ في صورةِ المظلومين، الذين تَعَرَّضوا لعدوانِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
مع أَنَّ الحقيقةَ القاطعةَ أَنَّ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - لما هاجَرَ إِلى المدينةِ عَقَدَ معاهداتٍ مع قبائلِ اليهود، واتفقَ معهم على أَنْ لا يَعْتَدوا عليه، وأَنْ لا يُعاوِنوا أَعداءَه عليه.
وهو لم يَنقضْ عَهْدَه معهم، ولم يَبْدأْهم بالهجومِ والعدوانِ لمَّا شَعَرَ بالقوة، واليهودُ المجرمون هم الذين نَقَضوا عَهْدَهم معه، واعْتَدوا على المسلمين، وحاوَلوا قَتْلَه، وتآمَروا مع قريشٍ ضده.
في السنةِ الثانيةِ من الهجرة نقضَ يهودُ بَني قينقاع عَهْدَهم مع
الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، واعْتَدَوْا على مسلمةٍ، وقَتَلوا مسلماً، فأَدَّبَهم وأَجْلاهم عن المدينة..
وفي السنةِ الرابعةِ من الهجرةِ نَقَضَ يهودُ بَني النضيرِ عَهْدَهم معه،
عندما تآمَروا عليه وحاوَلوا اغتيالَه، فأَدَّبهم وأَجلاهم عن المدينة..
وفي السنةِ الخامسةِ من الهجرة نقضَ يهودُ بني قريظةَ عَهْدَهم معه، عندما تَحالَفوا مع جيوشِ الأَحزابِ المحاصِرَةِ للمدينة، فعاقَبَهم لخيانَتِهم العظمى وقَتَلَهم!.
5 - يَكْذِبُ المفترِي عندما يَدَّعي أَنَّ هدفَ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - من الجهادِ هو سفكُ دماءِ الآخَرين، ولذلك أًوصى بمجاهدةِ جميعِ الخارجين عليه ليَكونوا من أَتْباعِه.
علماً أَنَّ القتالَ ليسَ بهدفِ إِدْخالِ الكفارِ في الإِسلام؛ لأَنه لا إِكراهَ في
الدين، وليس بهدفِ جَعْلِهم أَتْباعاً للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِنما هو بهدفِ رَدِّ عُدْوانِ الكفارِ عن المسلمين، وتحطيمِ قُوَّتِهم التي يُؤْذونَ بها المسلمين، فإذا تحققَ ذلك أَوقفَ المسلمون قتالَهم، وهذا صريحُ قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) .
6 - يَكذبُ المفترِي عندما يَتهمُ الإِسلامَ بالقَسْوَة، وأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ فقط،
وأَنه لا يَسودُ العالمَ إِلا بالمحبة، فاللهُ غفورٌ رحيم، ولكنَّه أَيْضاً شديدُ
العقاب، قال تعالى: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) .
والصليبيّون الذين يَزْعُمُونَ أَنَّ اللهَ محبّة، وأَنهم رسلُ محبة، هم الذين
سَفَكوا دماءَ المسلمين، واحتلّوا أَوطانَهم، وسَلبوهم أَموالَهم، في القديمِ وفي
الحديث!!.