حول قتلِ الرسولِ - صلى الله عليه واله وسلم - خصومَه
حول قتلِ الرسولِ - صلى الله عليه واله وسلم - خصومَه
أَثارَ الفادي المجرمُ الاعتراضاتِ والإِشكالاتِ على موقفِ رسولِ الله - صلى الله عليه واله وسلم - من خصومهِ الكافرينَ المعادين، حيثُ أَمَرَ بقتل بعضِهم.
وبدأ هذا المبحثَ بالحديثِ عن سَرِيَّةِ عبد اللهِ بنِ جحشٍ - رضي الله عنه -، التي
كانت قُبيلَ غزوةِ بَدْر، والتي أَدَّتْ إِلى قَتْل رجلٍ مشركٍ خطأً، في أَولِ يومٍ من أَيامِ شهرِ رجبَ الحرام.
وقد سبقَ أَن اعترضَ الفادي المفترِي على هذه الحادثة، ورَدَدْنا على مغالطاتِه، وبَيَّنّا حقيقةَ أَحداثِ تلك السَّريَّة، ومعنى الآية (217) من سورة البقرة التي أُنزلَتْ بشأنِ تلك الأَحداث، وللرَّد على شبهاتِ الكافرين.
فلا داعيَ لإِعادَةِ كلامِه عن الحادثة، وإِعادَةِ توضيحِنا لمجريات الحادثة.
والذي نُشيرُ إِليه هنا هو عباراتُ المجرمِ الاستفزازيةُ، التي يُهاجمُ فيها
رسولَ الله - صلى الله عليه واله وسلم -، ويَصِفُه بأَقبحِ الصفات.
من ذلك قولُه في بدايةِ حديثهِ عن أَحداثِ السَّرِيَّة: " حَرَّمَت الجاهليةُ القِتَال في الأَشهرِ الحُرُمِ كما حَرَّمَه القرآنُ في سورة محمد، الآية (4) .
ولكنَّ محمداً خالَفَ كُلَّ هذا في سبيلِ الغَدْرِ بأَعدائِه ".
المجرمُ يتهمُ الرسولَ - صلى الله عليه واله وسلم - بالغَدْرِ، مع أَنَّ الغَدْرَ خُلُقٌ ذَميمٌ وفعْلٌ قَبيح، يُنَزَّهُ عنه المسلمُ العادي، فكيفَ برسولِ اللهِ - صلى الله عليه واله وسلم -؟!.
وقد شهدَ للرسولِ - صلى الله عليه واله وسلم - بعدمِ الغدرِ عَدُوُّه اللَّدودُ أَبو سفيان، ففي السنةِ السابعةِ من الهجرة الْتقى أَبو سفيان بملكِ الروم هرقل، فسأَلَه عن الرسولِ - صلى الله عليه واله وسلم -: هل يَغْدِر؟
فقالَ أَبو سفيان: لا.
فقالَ هِرَقْل: وكذلك الرسلُ لا يَغْدِرون..
ويأتي هذا المجرمُ ليتهمَ رسولَ الله - صلى الله عليه واله وسلم - بالغَدْرِ!.
ويَجمعُ الفادي بينَ الإِجرامِْ والجَهْل، ومِن جهلِه زَعْمُه أَنَّ الآية الرابعةَ
من سورةِ محمد تُحرّمُ القتالَ في الشهرِ الحرام.
فلْنقرأ الآيةَ ونَنظرْ مدى صحةِ كَلامِه.
قال تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) .
أَينَ الكلامُ عن حُرمةِ القتالِ في الأَشهرِ الحُرُمِ فِي الآية؟
وكيفَ اعتبرَها
الفادي الجاهلُ دالَّةً على تحريمِ القتالِ في الأَشهرِ الحُرُم.
إِنَّ الآيةَ التي حَرَّمَت القتالَ في الأَشهرِ الحُرُمِ هي قولُه تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) .
وقولُه تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) .
وحرمةُ القتالِ في الأَشهرِ الحُرُمِ مَشروطةٌ بالتزامِ الأَعداءِ بذلك، فإِنْ لم
يَلْتَزموا بهذه الحرمة، وقاتلوا المسلمينَ في شَهْرٍ حرام، رَدَّ المسلمونَ عليهم،
وقاتَلوهم مَأْجورين، حتى في ذلك الشهر الحرامِ.
قال تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) .
وقد خَتَمَ المجرمُ كلامَه على سريةِ عبدِ الله بن جحش المذكورةِ بسؤالٍ
وقحٍ فاجرٍ طَرَحَه، حيثُ قال: " ونحنُ نسألْ كيفَ حَلَّلَ اللهُ القِتال، مع أَنَّ
الوثنيّين كانوا يمنعونَه؟
كأَنَّ اللهَ أَشَدُّ عُنفاً من الوثنيّين؟ ".
أيوصَفُ اللهُ بهذه الصفة؟
وهل يتكلمُ مُؤمنٌ باللهِ عن اللهِ بهذا الكلام؟
ونؤكِّدُ ما قُلْناه قبلَ قليلٍ، من أَنَ اللهَ الذي حَرَّمَ على المسلمين بدءَ القتالِ في
الشهرِ الحرام، أَجازَ لهم الردَّ على عُدْوانِ المشركين عليهم وقتالهم.
ثم من الذي زَعَمَ أَنَّ عربَ الجاهليةِ الوثنيينَ كانوا مُلْتَزِمين بحرمةِ القتالِ
في الأَشهرِ الحُرُم؟
لقد كانوا يتوقَّفونَ عن القتالِ فميها إِذا كانَتْ لهم مصلحةٌ في
التوقُّف، فإِنْ كانَتْ لهم مصلحةٌ في القتالِ قاتلوا خُصومَهم في الشهرِ الحرام،
وتعامَلوا معه على أساسِ " النَّسيء ".
والنَّسيءُ بمعنى التَّاخير، وذلك بأَنْ يَنْقُلوا حرمةَ هذا الشهرِ الحَرامِ إِلى
شهرٍ آخَرَ بَدَلَه، ويُقاتِلوا أَعداءَهم فيه.
فقد تَكونُ لهم مصلحةٌ في القتالِ في شهر رجب الحرامِ مثلاً، فيقولُ شيخُ القبيلة: نَنقلُ هذه السنة حرمةَ رجب إِلى شعبان، فيكونُ رَجَب حَلالاً نُقاتلُ فيه، ويكونُ شَعبان حَراماً لا نُقاتِلُ فيه.
وقد ذَمَّهم اللهُ على هذا التلاعبِ في قولِه تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ) .
وبعدما اتهمَ الفادي المجرمُ الرسولَ - صلى الله عليه واله وسلم - بالغَدْرِ بخصومِه المخالفينَ له في الرأي، وقَتْلِهم عن طريقِ الغَدْرِ والاغتيال - وهو كاذبٌ في ما قال - ذَكَرَ بعضَ الأَمثلةِ على ذلك، وهي:
1 - مقتَلُ عصماءَ بنتِ مروان.
2 - مقتَلُ أَبي عَفك اليهودي.
3 - مقتَلُ كعبِ بنِ الأَشرفِ اليهودي.
4 - مقتلُ أَبي رافع بن عبد الله.
5 - مقتَلُ سلامِ بنِ أَبي الحُقيْقِ اليهودي: والراجحُ أَنَّ سلاماً هذا هو أَبو
رافعٍ نفسُه.
6 - مقتَلُ أُمِّ قِرفة.
7 - مقتَلُ ابنِ شيبينَة اليهودي.
8 - مقَتلُ يهودِ بني قريظة .
وعَرَضَ هذه الأَمثلةَ بطريقته القائمةِ على الافتراءِ والكذب والتلاعبِ
بالأَحداث، مع أَنه جاهل لا يَعْرِفُ حقيقة ما حَدَث، ففي كلامهِ أًخطاءٌ علميةٌ وتاريخية، بالإِضافةِ إِلى سوءِ أَدَبه وقُبْح عبارتِه في كلامِه عن رسولِ الله - صلى الله عليه واله وسلم -.
ولا نتوقَّفُ مع تفاصِيلِ مقتلِ هؤلاءِ، ولا أَسبابِ قَتْلِهم؛ لأَنه لا صلةَ
لذلك بموضوعِ الكتاب الذي خَصَّصَه الفادي لانتقادِ القرآنِ وبيانِ أَخطائِه،
والكلامُ على مقتلِ هؤلاء من مَباحثِ السيرةِ النبوية.
نُسجلُ فقط عبارتَه الفاجرةَ القبيحةَ، التي خَتَمَ بها كلامَه على تلك
قال الشيخ / محمد الغزالي - رحمه الله -:
قابلنى الأستاذ الحمزة دعبس وقال لى: إن رئيسا لإحدى الجماعات الإسلامية يطلب عقد مناظرة حرة بينه وبين كبار علماء الأزهر فى أمر مهم. قلت: ما هذا الأمر؟ قال: هو يرى أن الإسلام يبيح الاغتيال! ... وقبل أن يتم كلامه قلت: ما هذا الحمق؟ قال: إنه يستدل بقتل كعب ابن الأشرف! قلت: يا صديقى هذا جهل بالكتاب والسنة والتاريخ مصيبة هؤلاء أن أحدهم يفتح كتاب حديث ثم يقرأ فيه خبرا مبتورا لا يدرى ما قبله ولا ما بعده، ثم يصدر حكما مكذوبا على الله ورسوله! لقد علمت أن الله لا يحب الخائنين! وعلمت أن الوفاء فرض مع الكافر والمؤمن على سواء. وكعب هذا نقض عهودا، وأعلن حربا، وشرع يلم فلول الكفر من هنا ومن هنا لحرب الإسلام فأصدر رئيس الدولة- وهو هنا رسول الله- حكما بقتله، ونفذ الحكم العدل واختفت بعد مقتله رءوس الفتنة، فكيف يوصف هذا الحكم بأنه اغتيال؟ أكان يراد أن يدخل كعب المدينة مارا بأقواس النصر؟ إنه رجل خائن غادر نال جزاءه! اهـ (المحاور الخمسة للقرآن الكريم. ص: 188)
الأَمثلةِ، لمعرفةِ وقَاحَتهِ وإِجرامِه.
قالَ فَضَّ اللهُ فاه: " وما أَكثرَ القتالَ وحوادثَ الغَدْرِ والقتلِ المروّعَة، التي جَرَتْ في التاريخِ الإِسلامي، أَسوةً بمؤسِّسي دينهم، ويَكْفينا أَنْ نَذْكرَ قولَ عليِّ بن أَبي طالب:
السَّيْفُ والخَنْجَرُ ريحانُنا ... أُفٍّ على النّرْجُسِ والآسِ
شَرابُنا دَمُ أَعْدائِنا ... كَأسُنا جُمْجُمَةُ الرَّاسِ
والفادي مجرمٌ كاذبٌ في ما قال، وعليُّ بنُ أَبي طالب لم يَقُلْ ذلك
الكلام، وسيرةُ الصليبيّينَ الإِجراميةُ هي المظهرُ العمليُّ لهذا الكلامِ الحاقد،
فَهم الذي سَفَكوا دماءَ المسلمين، وشربوها في جَماجم رُؤوسهم.
ويَكْفينا تَذَكُّرُ ما قالَه شاعرٌ مسلمٌ يَنتقدُ ما فعلَه الكفارُ الصليبِيون ضدّ المسلِمين:
مَلَكْنا فكانَ العَدْلُ مِنّا سَجِيَّةً ... فَلَمّا مَلَكْتُمْ سالَ بِالدَّم أَبْطَحُ
ويَكفيكُم هذا التَّفاوُتُ بَيْنَنا فَكلُّ إِناءٍ بِالذي فيه يَنْضَحُ