حول تبشير عيسى بمحمد عليهما الصلاة والسلام
حول تبشير عيسى بمحمد عليهما الصلاة والسلام
قالَ اللهُ - عز وجل -: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) .
تُخبرُ الآيةُ أَنَّ عيسى - عليه السلام - بَشَّرَ بالنبيِّ الخاتمِ محمدٍ - صلى الله عليه واله وسلم -، ولكنَّ الفادي المفتري لم يأخُذْ بما قَرَّرَتْه الآية، وسَجَّلَها تحتَ عنوانَ: " لم تَتَنَبَّأ التوراةُ به ".
وزَعَمَ أَنَّ القرآنَ يَشهدُ بحفظِ وسلامةِ التوراة، وأَوردَ آياتٍ لم يَفْهَمْ معناها
الصحيح.
قال: " يَشهدُ القرآنُ أَنَّ التوراةَ حُفظَتْ صحيحة سليمةً من كُلّ تحريفٍ
إِلى أَيامِ المسيح، قال في سورةِ آل عمران (48) : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) ..
وشهدَ القرآنُ في مواضعَ كثيرة أَنَّ التوراةَ بَقيتْ بغيرِ تحريف، من وقْتِ المسيحِ إِلى وقْتِ محمد، قال في سورةِ آلِ عمران:
(قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) .
وكذلك شهدَ القرآنُ بسلامةِ الإِنجيل، قالَ في سورةِ المائدة: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) .
فالكتابُ المقدس إِذَنْ صَحيح، لم يَعْتِرِهِ تَحريف أَو تَبديلٌ أَو زيادةٌ أَو
نقصان..
وها هو الكتابُ المقَدَّسُ كُلُّه، ليس فيه أَيةُ إِشارةٍ إِلى إِتيانِ محمدٍ
كنبيّ، فمنْ أَينَ جاءَ محمدٌ بأَنَّ عيسى بَشَّرَبه؟ ".
لم يُخبر القرآنُ أَنَّ التوراةَ محفوظةٌ وصحيحة وسالمةٌ من التحريفِ، كما
ادَّعى الفادي المفترِي، إِنما جَزَمَ بتحريفِ اليهودِ للتوراة، وجاءَ هذا صريحاً
في آياتٍ كثيرة.
منها قولُه تعالى: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) .
ومنها قولُه تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ) .
نَقَضَ اليهودُ ميثاقَهم مع الله، وحَرَّفوا كلامَه الذي أَنزلَه إِليهم في
التوراة، وكَتَبوا التوراةَ بأَيديهم، وأَلَّفوا أَسفارَها من عندهم، ثم نَسَبوها إِلى اللهِ زوراً وبهتاناً.
من اليقينِ عندَ العلماءِ أَنه لا تَناقُضَ بينَ آياتِ القرآن، فالآيتَانِ السابقتانِ
صريحَتانِ في تحريفِ اليهودِ للتوراة، وعلَيْنا أَنْ نَفهمَ الآياتِ التي أَوردَها
الفادي على أَساسِ الآيتَيْن السابقتَيْن، لنُحسنَ فهمَ تلك الآيات.
أَخبرَ اللهُ أَنه سيُعَلّمُ عيسى ابنَ مريمَ - عليه السلام - التوراة.
قال تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) .
فأَيّ توراةٍ سيُعَلّمُه اللهُ؟
هل هي التوراةُ التي بأَيدي الحاخامات، التي حَرَّفوها وأَلَّفوها من عندهم؟
كَلآ.
سيُعلمُه التوراةَ التي أَنزلَها على موسى - عليه السلام -، والتي جعلَ الإنجيلَ مُصَدِّقاً لها؛ لأَنَّ الكتابَيْنِ من عندِ الله!
لقد عَلَّمَ اللهُ عيسى - عليه السلام - التوراةَ التي أَنزلَها على
موسى - عليه السلام -، وذلك بما أَنزلَ عليه من كلامِ الإِنجيل، وجعَلَه مُصَدِّقاً للتوراة، وناسِخاً لبعضِ أحكامها، ومُحَلِّلاً لبعضِ الأَشياءِ المحَرَّمَة فيها.
قال تعالى: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) .
ولَنْ يُعَلِّمَ اللهُ عيسى - عليه السلام - التوراةَ المحَرَّفَة، التي شهدَ أَنها مُحَرَّفَة، وأَخبرَ القرآنُ أَنها مُحَرَّفَة ...
فهما " توراتان "، التوراةُ التي أَنزلَها على موسى - عليه السلام -،
ثم عَلَّمَها لعيسى - عليه السلام -، والتوراةُ التي حَرَّفَها اليهودُ، والتي تَبَرَّأَ اللهُ سبحانه منها.
وإِذا ثَبَتَ أَنَّ الأَحبارَ حَرَّفوا التوراةَ قبلَ بعثةِ محمد - صلى الله عليه واله وسلم -، فإِنَّ التوراةَ التي كانتْ بين أَيدي اليهودِ في المدينةِ كانَتْ مُحَرَّفَةً أَيضاً.
وصَرَّحَ القرآنُ بأَنَّ اليهودَ في المدينةِ كانوا يمارسونَ جريمةَ التحريفِ المتواصلِ للتَّوراة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا.
وبما أَنَّ اليهودَ في المدينة حَرَّفوا التوراة، وأَضاعوا التوراةَ الربانيةَ التي
أَنزلَها اللهُ على موسى - عليه السلام -، فقد تَحَدّاهُم اللهُ بالإِتيانِ بالتوراةِ الأَصْلِيَّة.
قال تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) .
لا تُعتبرُ الآيةُ شاهدةً على اعتمادِ التوراة، وأَنها صحيحةٌ سليمةٌ من
التحريفِ، وأَنَّ اليهودَ في المدينة كانوا يَلْتَزمون بالتوراةِ الصحيحة، كما زعم الفادي المفترِي.
إِنَّ الآية إِدانةٌ لليهودِ، بأَنهم تَلاعبوا بالتوراةِ وحَرَّفوها، وغَيَّروا
أَحكامَها، ومع ذلك زعموا أَنهم ملتزمونَ بها، فتحدَّتْهم الآيةُ بإِحضارِ التوراةِ
الأصلية، ولن يستطيعوا ذلك، لأَنهم أَضاعوها.
أَخبرَ اللهُ أَنَّ كُلَّ أَنواعِ الطعام كانتْ مباحةً لبني إِسرائيل، وأَنه لم يُحَرِّمْ
عليهم إِلَّا الطعامَ الذي حَرَّمَه أَبوهم إِسرائيل - يعقوب - عليه السلام - على نفسه، وهذا الطعامُ هو لحومُ الإِبل، وهذا كان قبلَ إِنزال التوراة؛ لأَنَّ إِنزال التوراةِ كان على موسى - عليه السلام -، ويعقوبُ عاشَ قبلَ ذلك بمئاتِ السنين: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ) .
فإِذا لم يُسَلِّم اليهودُ في المدينةِ بهذه الحقيقةِ القرآنية، وكَذَّبوا القرآن،
وزَعَموا أَنَّ الذي في التوراةِ خلافَ المذكورِ في القرآن، فعليهم أَنْ يَأتوا
بالتوراة، وأَنْ يَتْلوها، ويَستَخْرِجوا منها الكلامَ المتعارضَ من القرآن، وأَنْ
يُقَدِّموا هذا للرسول - صلى الله عليه واله وسلم - وأَصحابِه: (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) .
وهم لن يستطيعوا ذلك، ولَن يأتوا بالتوراة، لأَنَّ التوراةَ الأَصليةَ
مفقودو، فمِنْ أَيْنَ يأتونَ بها؟!.
وهكذا رأَيْنا الآيةَ تُدينُ اليهودَ ولا تُؤَيِّدُهم، وتُقررُ ضَياعَ التوراةِ، ولا
تَشهدُ لها بأَنها صحيحة وسالمة من التحريف، كما ادعى الفادي!.
وزَعْمُ الفادي شهادةَ القرآنِ بسلامةِ الإِنجيلِ من التحريفِ مردود عليه،
والذي قَرَّرَه القرآنُ هو عكسُ ذلك، فقد قَرَّر تَحريفَ الرهبانِ للإِنجيل،
وتأْليهَهُم لعيسى - عليه السلام -.
قال تعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .
وقال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ) .
وقد أَمَرَ اللهُ أَهْلَ الإِنجيلِ بأَنْ يَحكموا بما أَنزلَ اللهُ فيه، وذلك في قوله
تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) .
ولا تدلُّ هذه الآيةُ على اعتمادِ الإِنجيل، والشهادةِ له بعدمِ التغييرِ أَو
التبديل، كما ادَّعى الفادي الجاهل، إِنما تُخبرُ الآية ُ عن أَمْرٍ تاريخي، يُقَرِّرُ
أَنَ اللهَ بعثَ عيسى - عليه السلام - رسولاً، وأَنزلَ عليه الإِنجيل، وأَمَرَ أَتْباعَه النصارى بالتحاكمِ إِليه.
وهذا قبلَ بعثةِ محمدٍ - صلى الله عليه واله وسلم -، وقبلَ إِنزالِ القرآنِ عليه.
أَمّا بَعْدَ البعثةِ فإِنَّ أَهْلَ الإِنجيلِ مثلُ أَهْلِ التوراة، مأْمورون بالإِيمانِ
بالقرآن والحكمِ بما أَنزلَ اللهُ فيه.
قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) .
ولذلك أَمَرَ اللهُ رسولَه محمداً - صلى الله عليه واله وسلم - أَنْ يَحكمَ بين اليهودِ والنصارى بما أَنزلَ اللهُ عليه في القرآن.
قال تعالى: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) .
ولذلك أَخبرَ اللهُ أَنَّ اليهودَ والنصارى ليسوا على شيء، حتى يُقيموا
التوراةَ والإِنجيلَ والاقرآنَ.
قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) .
والذي أُنزلَ إِليهم من ربِّهم هو القرآن، وهذا معناهُ أَنَّ الإِيمانَ الصحيحَ بالتوراةِ والإِنجيلِ يَجبُ أَنْ يقودَ إِلى الإِيمانِ بالقرآن.
وبعد هذا التوضيح يظهرُ كذبُ الفادي في ما قاله في نهايةِ كلامِه:
" فالكتابُ المقَدَّسُ إِذنْ صحيح، لم يَعْتَرِهِ تحريف أَو تبديلٌ أَو زيادَ أَو
نقصان ".
فالقرآنُ جَزَمَ بأَنَّ الكتابَ المقَدَّسَ - بقسمَيْهِ التوراةِ والإِنجيل - أَصابَه
ما أَصابَه من التحريفِ والتبديلِ والزيادةِ والنقصان!!.
وجَزَمَ الفادي المفترِي بأَنَّ عيسى - عليه السلام - لم يُبَشِّرْ بالنبيِّ الخاتم - صلى الله عليه واله وسلم -
قال: " وها هو الكتابُ المقَدَّسُ كُلُّه، ليس فيه إِشارةٌ إِلى إِتيانِ محمدٍ كَنبيّ، فمن أَيْنَ جاءَ محمدٌ بأَنَّ عيسى بَشَّرَ به؟ ".
وهو في هذا الافتراءِ يُكَذّبُ القرآنَ تكذيباً صَريحاً مباشراً، وذلك في
قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .
وزَعَمَ أَنَّ الذي في الإِنجيلِ أَنَّ المسيحَ وَعَدَ أَنْ يُرسلَ إِلى تَلاميذِه
" الروحَ القُدُسَ " من بعدِه، وليس محمداً - صلى الله عليه واله وسلم -.
قال: " قالَ المسيحُ: إِنَّه بعد صُعودِهِ سيرسلُ إِلى تلاميذِه " الروحَ القُدُسَ ".
وأَصْلُه باللغةِ اليونانية " البارقليط "، ومَعْناهُ " المعَزّي ".
وهذه الكلمةُ تُقاربُ في لَفْظِها كلمةً يونانيةً أُخْرى، معناها " مَشهورٌ " أَو " مَمْدوحٌ " وهو معنى اسمِ محمد، فَظَنَّ محمدٌ أَنَّ هذا الممدوحَ الذي سيُرسلُه المسيحُ هو محمد!.
ومنشأُ هذا الخطأَ هو الالتباسُ بين الكلمتَيْن اليونانيّتَيْن، ففهمَ العربُ غيرَ ما أَرادَهُ المسيح ".
نحنُ مع القرآنِ في جَزْمِه أَنَّ عيسى - عليه السلام - قد بَشَّرَ بمحمدٍ - صلى الله عليه واله وسلم -: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .
وما قالَه الفادي المفترِي تَلاعُبٌ وتَحريفٌ وكتمانٌ للحقائقِ الهادية.
أَمّا البارقليط ومَعنَاها فنحتكمُ إِلى رجلٍ متمكِّنٍ من الإِنجيلِ ولُغَتِه، عَرَفَ
الحَقَّ وآمَنَ به وانْحازَ إِليه، وفَضَحَ كاتمي الحَق من القساوسةِ والرهبان، إِنه
المهْتَدي عبدُ الأَحَد داود.
كانَ عبدُ الأَحَدِ داود قِسيساً كبيراً للكلدانيين التابعينَ للروم الكاثوليك،
وكان اسمه: " دافيد بنجامين كلداني ".
وقد دَرَسَ الكتابَ المقَدَّسَ دراسةً متأنِّيَة، ووَقَفَ فيه على بشاراتِ أَنبياءِ بني إِسرائيل بمحمدٍ - صلى الله عليه واله وسلم -، وبشارةِ عيسى الصريحةِ به..
وقادَهُ البحثُ إِلى الحق، فاعتنقَ الإِسلام، وأَلَّفَ كتاباً رائعاً هو: " محمد في الكتاب المقدس ".
ويهمُّنا هنا ذِكْرُ خلاصةِ ما قالَه عن البارقليط.
قالَ - رحمه الله -: " وَرَدَتْ بشارةُ عيسى بأَحمدَ - صلى الله عليه واله وسلم - في إِنجيل يوحنا، في الإِصحاحاتِ الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر.
العبارةُ الصحيحةُ التي في إِنجيل يوحنّا هي قولُ عيسى - عليه السلام -: " وسوفَ أَذهبُ إِلى الآب، وسيرسلُ لكم رسولاً، سيكونُ اسْمُه " البرقليطوس " لكي يبقى معكم إِلى الأَبَد..".
والبرقليطوس هو: أَحمد.
ولكنَ النَّصارى حَرَّفوا العبارةَ إِلى قولِهم: " وسوفَ أَسأَلُ الآب، وسوفَ
يُعطيكم برقليطوس آخر ".
وفَرْق بَعيدٌ - كما يقولُ عبدُ الأحَد داود - بين الكلمةِ الأَصلية:
" البرقليطوس " بالتعريفِ والتحديد، وبينَ الكلمةِ الأُخرى " برقليطوس آخر"
بالتنكيرِ والتعميم، التي تدلُّ على أَنَّ عيسى - عليه السلام - عنده مجموعة من " البرقليطيسيين ".
كلُّ واحدٍ منهم برقليطوس، أَيْ: هو مُعَز ووسيط ومعينٌ.
وإِنَّ كلمةَ عيسى - عليه السلام - المحددة: " البارقليطوس " كلمة يونانية، معناها المحدَّدُ باللغةِ العربية: " الأَمْجَدُ الأَشْهَر "، وهو معنى " أحمد " باللغة العربية.
والصيغةُ الآراميةُ التي كان يتكلمُ بها عيسى - عليه السلام - هي: " مَحامْدا "، وهي متناسقةٌ مع الصيغةِ العربيةِ " محمد " أَو " أحمد " تماماً!.
والخلاصةُ أَنَّ عيسى - عليه السلام - قالَ للحواريين باللغة الآرامية: " سوفَ أَذهبُ إِلى الآب، وسيرسلُ لكم رسولاً، سيكونُ اسْمُه " مَحامْدا "، لكي يبقى معكم إِلى الأَبد ".
ولما كتبَ يوحَنّا هذه العبارة، ونَقَلَها من الآراميةِ إِلى اليونانية، ترجمَ
كلمةَ " مَحامْدا " إِلى كلمةِ " البارقليطوس "، ومعناها الأَحْمَدُ الأَمْجَدُ الأَشْهَرُ.
وفعلُه صحيح.
لكنْ لما أَعادَ الرهبانُ كتابةَ إِنجيلِ يوحَنّا باليونانية أَرادوا طمسَ بشارةِ
عيسى بمحمد - صلى الله عليه واله وسلم -، فَحَرَّفوا الكلمة، ونَقَلوها من معناها المحدَّدِ إِلى المعنى الأَعَمّ، وحوّلوا كلمةَ " البارقليطوس " إِلى كلمةِ " بارقليطوس آخر "، التي معناها: المعَزّي أَو المعين.
وزَعَمَ الفادي أَنَّ عيسى لم يُبَشِّرْ بمحمدٍ عليهما الصلاة والسلام، ودعا
إِلى قراءةِ الأَناجيلِ لاستخراجِ هذه البشارة..
وها هو البروفسورُ المهتدي عبدُ الأَحد داود يُقَدّمُ لنا تلك البشارة، ويُرينا تَحريفَ الرهبانِ لها!!.
***