• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

اهتداء الفضيل بن عياض بآية من القران الكريم

بواسطة |   |   عدد القراءات : 1942
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

اهتداء الفضيل بن عياض بآية من القران الكريم

في تاريخ دمشق لابن عساكر : ج48،ص 383، قال:

عن الفضل بن موسى قال : كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبي ورد وسرخس وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينا هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) فلم سمعها قال بلى يا رب قد آن فرجع فأواه الليل إلى خربة وإذا فيها سابلة فقال بعضهم نرتحل وقال بعضهم حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا قال ففكرت وقلت أنا أسعى بالليل في المعاصي وقوم من المسلمين ههنا يخافوني وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت.

روى الشَّيْخ الطوسي قدس سره في أماليه بإسناده إِلَى سَعْدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَبْدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عليهما السلام، قَالَ:

"فِي حِكْمَةِ آلِ دَاوُدَ:... يَا ابْنَ آدَمَ، أَصْبَحَ قَلْبُكَ قَاسِياً وَأَنْتَ لِعَظَمَةِ الله نَاسِياً، فَلَوْ كُنْتَ بِالله عَالِماً، وَبِعَظَمَتِهِ عَارِفاً، لَمْ تَزَلْ مِنْهُ خَائِفاً..."

وقيل :

كان الرجل من العظماء. وقد جاء في أحواله أنه كان في أوائل أيامه يشتغل بالصلاة والعبادة والصوم داخل خيمة في صحاري خراسان بين "أبيورد" و"سرخس" واضعاً على رأسه برنساً، ومؤتزراً عباءة من صوف، كما كان عنده عدةّ من المريدين، لكنهم كانوا لصوصاً في غاية المهارة، وكانوا بناءً على أوامره يعترضون كل قافلة تمرّ من ناحيتهم، ويقيّدون أيدي وأرجل الرجال والنساء، ويأتون بكل ما حصلوا عليه إلى تلك الخيمة؛ فقد كان يعيل نفسه ومريديه بهذه الطريقة مدةً طويلةً. وقال أحدهم له يوماً: أنا أتعجب منك يا فضيل! أراك دائماً مشغولاً بالصلاة والصيام! ومن ناحية أخرى نرى قتلك الناس وسرقة أموالهم!

توبة الفضيل

حينها قرأ عليه الفضيل هذه الآية:{ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيم‏ }.

خلاصة الأمر كان الفضيل يشتغل بالصلاة والعبادة في خيمته، وكلما مرّت قافلة انكبّ عليها أهل الخيمة بالسيوف والرماح والسكاكين... يقيّدون أيدي الناس وأرجلهم بالحبال ويطرحونهم أرضاً بعد سلبهم ما يملكون وسحبهم إياهم إلى خيمتهم... ومرّ زمان وهم يأكلون من هذا "الرزق الحلال"...!

في يوم من الأيام، مرت بهم إحدى القوافل، فرآهم عجوز يمتلك بعض النقود الذهبية، وتيقّن أنهم سينهبون القافلة. انتظر إلى أن توارت آثارهم، فأتى فضيلاً بكيس الذهب الذي بحوزته ـ بطبيعة الحال فإنه لم يكن يعرف بأنه الفضيل، رأى فقط شخصاً عليه لباس الزهد والتقوى ومشتغلاً بالعبادة ـ فقال له: احتفظ بهذا أمانة عندك إلى وقت لاحق. قال: نعم، اتركه جانباً، ضعه على الأرض! فترك العجوز أمواله وغادره.

فلما مضى إلى القافلة رآها مسروقة، ولم يتركوا معها شيئاً، وقد قيدت أيدي النساء والرجال وأُلقوا على الأرض، فكّ الحبال عن أيديهم وأرجلهم وأتى الخيمة ليسترجع أمواله من ذلك الرجل!

فلما وصل الخيمة رأى فيها اللصوص وقد جلبوا معهم كل الأموال، وها هم يقتسمونها عند ذلك الأمين المؤتمن! وها هو السيد العظيم قد أخذ نصيبه وعيّن لكل واحد سهمه؛ عند ذلك فهم كل شيء! وقال: لقد أخطأت!

لكن ما إن وقعت عينه على الفضيل من بعيد، حتى أشار إليه أن مالَكَ ها هنا، تعال وخذه! فأخذ ماله ومضى.

قال اللصوص لرئيسهم الفضيل: لقد بحثنا اليوم كثيراً لكي نجد نقوداً في تلك القافلة فما وجدنا درهماً واحداً, الآن وقد جاءك ذلك الشخص بكيس من الذهب تتركه يضيع منك هكذا؟!

قال: إنه قد أحسن بنا ظناً، ولحسن ظنّه حسبني رجلاً أميناً فلم أرد أن أعامله بخلاف حسن ظنّه.

لقد كان يقول في بعض الأوقات أيضاً: لا بد أن أتوب، عفا الله عن سيئاتي، إننا نرتكب جنايات كثيرة، كل عملنا هو جرم وجناية و...، لكن الله سوف يعفو عنا في النهاية.

ومضت الأيام إلى أن علق الفضيل بعشق إحدى الفتيات، وفي منتصف الليل ـ وبينما كان يتسلق الجدار للقائها ـ سمع من وراء الجُدر قارئاً يقرأ القرآن، فتناهت إلى مسامعه آية: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} فقال في نفسه: آن، آن! والله قد آن! من ثم رجع ولم يمض في طلب الفتاة.

وذهب إلى خربة، فوجد جماعة من الناس يتخافتون بينهم يقولون: لنشدّ الرحال الليلة. وبعضهم يقول: لكن الفضيل كامن في الطريق وسوف يسلبنا أموالنا، لنبق حتى يطلع الصباح.

ذهب الفضيل إليهم وعرفهم نفسه فقال: أنا الفضيل، وقد تبت إلى الله، قوموا في أمان الله, اذهبوا, من الآن فصاعداً لن تسدّ في وجوهكم طريق، ولن يعترضكم أحد أبداً.

ومنذ ذلك الحين تاب الفضيل، لقد كانت توبته توبة حقيقيةً! توبة نصوحاً، صنعت من الفضيل فضيلاً!

جاء مباشرة من "أبيورد" خراسان ليعرض نفسه على الإمام الصادق عليه السلام، وهذا ما حصل، لكنه أولاً وفي مكانه الذي كان فيه، بدأ بالبكاء والعويل، كان يذهب للجبال يصرخ.. ينتحب.. يشكو.. كما كان يذهب عند أصحاب الأموال المسروقة ليطلب منهم العفو، فكان بعضهم يعفو والبعض الآخر لا يعفو، وآخرون يقولون مثلاً: يا فلان، لقد أخذت مقداراً من أموالنا فكيف لنا أن نسامحك؟!

قيل: أنه أتى يهودياً كان قد أخذ منه مالاً كثيراً (ذهباً كثيراً) لكي يعفو عنه، قال له: أبداً، لن أتجاوز عن درهم واحد، لقد أخذت أموالي، سرقتها، وبدل أن ترجعها لي تقول اعف عني؟!

بكى الفضيل، تذلل، تضرع.. لكن من دون فائدة، قال له: لقد تبت.

فقال اليهودي: جيد جداً, لو تبت حقاً فتعال معي إلى المنزل حتى أريك شيئاً, لقد دفنت تحت هذه الأرض مقداراً من المسكوكات الذهبية، إذا حفرت واستخرجت المسكوكات فإني سأعفو عنك.

ذهب الفضيل إلى منزل اليهودي, حفر الأرض، أخذ المسكوكات ووضعها بين يديه مباشرة. قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله, فأسلم ثم قال: أقسم بالله أنني لم أدفن مالاً هنا, لكنني قرأت في التوراة أن من تاب في شريعة آخر الزمان وكانت توبته حقيقية ونصوحاً، فإنه إذا حفر الأرض يستخرج الذهب؛ ولهذا فإني أتيت بك إلى هذا المكان لأمتحن توبتك في هذا الدين، وهل هو دين صادق أم لا؟ والآن صرتُ مسلماً، وقد تجاوزت عن كل ما أخذته مني، اذهب في أمان الله.

وهكذا جاء الفضيل إلى الإمام الصادق عليه السلام وأصبح من خواص أصحابه؛ يعني من أصحاب السرّ وأولياء الله تعالى، لقد كان شخصاً والهاً نزيهاً إلى آخر عمره.

Powered by Vivvo CMS v4.7