شحرور والراسخون في العلم ... الحلقة الثالثة
بقلم الاستاذ علي هذيلي
الحلقة ٣
في المنشور السابق تحدثنا عن منهج محمد شحرور، ونقاطه الستة، الواردة في كتابه: الكتاب والقرآن. وقد كانت النقطة الاخيرة منها تتحدث عن التأويل، حيث قال: (وتنحصر مهمة تأويل القرآن بفئة الراسخين في العلم، طبقا لما أدى إليه البرهان العلمي- ص43) والسؤال هو: من هم الراسخون في العلم؟ وقد اجاب شحرور عن هذا السؤال، وقبل ان نعرف جوابه، لا بد من مقدمة:
قال تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا). انقسم المفسرون أزاء هذه الآية إلى فريقين: الأول، يعدُّ الواو التي بين الله والراسخين استئنافية، أي أنَّ الراسخين لا يعلمون التأويل، والثاني، يعدُّ الواو عاطفة، أي أنَّ الراسخين يعلمون التأويل. ولكل فريق ادلته وبراهينه، سواء كانت عقلية، أم نقلية.
وقد اختار شحرور الرأي الثاني-الواو عاطفة والراسخون يعلمون التأويل- من دون أن يقدم دليلا على ذلك، أسوة بالمفسرين الذين سبقوه، ذلك أن المهم ليس أن تقدم رأيا، بل ان تدعمه بالدليل الذي يثبته، وإلا فإننا كلنا سنكون راسخين في العلم، على هذا القياس. عموما فهذا، على اهميته، ليس هو موضوعنا، بل موضوعنا هو: من هم الراسخون في العلم؟
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): فيما روي عنه: (نحن الراسخون في العلم)، أي أهل البيت، فهم وحدهم (عليهم السلام) الذين يستحقون ان يُعطفوا على الله (جل وعلا) في هذه القضية- الرسوخ في العلم- لما يمتلكون من صفات وأخلاق ربانية تؤهلهم لهذا المقام، لا سيما أن العلم عند الإمام الصادق (عليه السلام): (ليس بالتعلم، بل هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء)، وهذا النوع من العلم مرفوض عند شحرور، لأنه لا يؤمن إلا بما يأتي عند طريق الحواس.
وهناك رأي يذهب إلى أن الراسخين هم الفقهاء المجتهدون كالإمام الخميني، ومحمد باقر الصدر، ومحمد صادق الصدر.. طبعا ذلك عند اولئك الذين لم يحجروا العقل، ولم يغلقوا باب الاجتهاد.
أما شحرور فله رأي آخر، وهو، والحق يقال، رأي جديد وطريف في بابه، لم يقل به أحد سواه، ونحن لسنا ضده، لا سيما وهو محتمل، لذا يمكن ان نذره في عالم الامكان، يقول شحرور: (الراسخون في العلم هم من الناس الذين لهم الصدارة بين العلماء والفلاسفة، من أمثال البيروني، الحسن بن الهيثم، ابن رشد، نيوتن، آينشتاين، داروين، كانت، هيجل... وهنا يجب أن نفهم أن الراسخين في العلم هم مجموعة كبار الفلاسفة، وعلماء الطبيعة، وأصل الإنسان، وأصل الكون، وعلماء الفضاء، وكبار علماء التاريخ مجتمعين. ولم نشترط لهذا الاجتماع حضور الفقهاء، لأنهم ليسوا معنيين- في رأينا- بهذه الآية. ص192، 193). طبعا هو لا يشترط في الاصناف التي ذكرها ان يكونو مؤمنين، بل يمكن للراسخ في العلم أن يكون ملحداً، لا سيما أن اكثر علماء الطبيعة والفضاء وأصل الكون هم ملحدون، ومع ذلك فهم- عند شحرور- الراسخون الذين ورد ذكرهم في القرآن، وهؤلاء هم الذين يعلمون تأويل القرآن، وإن لم يأمنوا به! أما الفقهاء المجتهدون الذين يحملون اخشابهم على ظهورهم في انتظار من يصلبهم عليها، اعلاء لكلمة الله وانتصارا لدينه، تحكيما بما انزله سبحانه، فهم غير معنيين بالآية الكريمة في رأي شحرور!
ومن حقنا، بعد ذلك، أنْ نتسائل: لماذا الفقهاء المجتهدون غير معنيين بالآية؟ ما الدليل على ذلك؟ لماذا يتعمد شحرور ابعاد الفقهاء عن هذه الدائرة؟ هذا ما سأتركه للقارئ الحصيف الفطن، وأنا على ثقة بقدرته على التحليل والكشف والاستنتاج...