دفع التضاد بين نزول القرآن في ليلة القدر وتنزّله في يوم المبعث
بقلم: الشيخ ميثم الفريجي
بسمه تعالى
يسأل البعض : المعروف لدى المسلمين ان الوحي نزل على النبي (صلى الله عليه واله ) في يوم المبعث النبوي الشريف في غار حراء ، وتلى عليه أول القرآن الكريم نزولاً وهي سورة العلق حينما قال له : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ... ) ، فكيف نفهم الآيات والروايات الدالة على نزول القرآن الكريم في ليلة القدر من شهر رمضان :(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، أليس هذا تضاداً ؟ .
وفي مقام الجواب نقول : كلا الامرين الواردين في التساؤل صحيح ، وهما : نزول القرآن الكريم في ليلة القدر من شهر رمضان ، و تبليغ النبي بسورة العلق ، وهو في غار حراء يوم المبعث النبوي الشريف
ولكن هذا ليس تضاداً بعد إمكان الجمع بشكل مقبول وشرعي بين كلا الامرين بحسب ماذكره العلماء في أطروحتين :
الاولى : نفهم ان القرآن نزل في ليلة القدر من شهر رمضان نزولاً دفعياً ( دفعة واحدة ) الى البيت المعمور او الى السماء الدنيا
كما يوحي له قوله تعالى :(( إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ )) الدخان /3
وقوله تعالى : (( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ )) القدر /3
ونفهم من تلاوته على النبي صلى الله عليه واله يوم المبعث بنحو التنزُّل التدريجي
كما يشهد له قوله تعالى :(( تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ )) السجدة / 2
وقوله تعالى :(( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً )) الاسراء / 106
وفي ذلك التفسير رواية رواها الشيخ الكليني في كافيه الشريف ضمن كتاب فضل القرآن عن حفص بن غياث عن الامام الصادق عليه السلام في باب النوادر :(( نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان الى البيت المعمور ... ))
وكذلك روى في الدر المنثور عن ابن عباس معنى متقارب
الثانية : ما أشار اليه العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان ( 2: 18 ) ومعناه : ان القرآن أُنزل في ليلة القدر من شهر رمضان نزولاً إجمالياً على قلب رسول الله صلى الله عليه واله ثم فُصِّلت آياته بالوحي تنزيلاً وتدريجاً
والنزول الاجمالي بمعنى نزول حقائق القرآن الكلية والمعاني العامة على قلبه المبارك
ويمكن ان تصاغ اطروحات اخرى لدفع ما ظاهره التعارض بين المعنين المتقدمين مبنية على البعد الباطني للقرآن الكريم
وفيما ذكرنا كفاية لتحقيق المراد والى الله المعاد .