رد الإمام الصادق على أسطورة الغرانيق
بقلم: د. ساجد صباح ميس العسكري
أن بعض الروايات الواردة في بداية نزول القرآن الكريم ومصدريته والتي نقلتها كتب مدرسة الجمهور الحديثية والتفسيرية تنسب التحريف للقرآن الكريم والطعن بشخصية الرسول (صلى الله عليه وآله) لذا وقف أئمة أهل البيت باعتبارهم القيم على القرآن موقف الرفض لها وتصحيحها بما يتناسب مع عصمة القرآن والرسول (صلى الله عليه وآله) ومن تلك الروايات أسطورة الغرانيق، التي تفترض ان القران غير محفوظ على المستوى المادي وتفرض أيضاً أن الرسول غير معصومٍ في تلقي الوحي ، وبالتالي يصح قول القائل أن القران ليس وحياً ألهياً ومن ثم القول بتحريف القران وهذه الرواية رواها الطبري في تفسيره، والسيوطي في الدر المنشور، وابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري.
ومفاد الرواية أن الرسول لما نزلت علية سورة النجم فقرأها بفناء الكعبة على مجموعة من المسلمين ومشركي مكة ، فلما بلغ (أفريتم اللات والعزى .ومناة الثالثة الأخرى ) ألقى علية الشيطان (تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى ) ، فحسبها وحيا فقرأها حتى اكمل السورة وسجد وسجد المسلمون والمشركون لانه عظم آلهتهم ، ثم أتاه جبرائيل بعد ذلك وقال له اعرض لي ما قرأته فلما قرأها قال له جبرائيل من أين جئت بهاتين الكلمتين؟ فتندم رسول الله وحزن حزنا شديدا .
ويمكن أن ترد هذه الرواية بما يلي:
1-إن سند هذه الرواية غير صحيح لان افترض في سندها ابن عباس وكان عمره وقتها ثلاث سنين ولم يشهد الواقعة فكيف يمكن قبول حديث من كان عمرة ثلاث سنين .
2-هذه الرواية تخالف صريح القران (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيا يوحى) .
3-تخالف ما اجمع عليه المسلمون في عصمة الرسول في تلقي الوحي .
4-إذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله) أفصح من نطق بالضاد فكيف لا يميز بين كلام الله المعجز ببلاغته وفصاحته وبين هذا الكلام غير البليغ .
موقف الإمام الصادق من هذه الرواية
أعطى الإمام الصادق (عليه السلام الموقف الصحيح في التعامل مع شخصية الرسول الأكرم ، ورفض مثل هكذا روايات تمس بعصمة الرسول بالتبليغ عن الله والتي أجمع عليها، المسلمون و تطعن بمصدرية القرآن مما تفسح المجال واسعاً للمشككين بمصدرية القرآن وعصمته ، ففي الرواية عن زرارة قال: (( قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف لم يخف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يأتيه من قبل الله أن يكون ذلك مما ينزغ به الشيطان؟ قال: فقال: إن الله إذا اتخذ عبدا رسولا أنزل عليه السكينة و الوقار فكان يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه)).
فالإمام يقطع الطريق أمام من يريد التشكيك بمصدرية القرآن منطلقاً من نصوص قرآنية كثيرة منها قوله تعالى : ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا )) (الجن: 26-27).
وكأن رواية الإمام تناص من الآيات المتقدمة ومن يكشف ذلك إلا القيم على القرآن الكريم وعدله الآخر.