الحداثيين والقران
الحداثيين والقران
منذ عصر الإسلام الاول ظل تفسير القرآن محميا بسياج من " الأصول" , أمام تطفل القاصرين, وتسلق العابثين , وقد عمل علماء التفسير على المضي على تلك القواعد إلى أيامنا هذه .
ولكن مايعرف بالعقلانيين أو الحداثيين, يسعون جادين إلى تجاوز هذه الأصول في التفسير, والتعامل مع النص القرآني على أنه مجرد "كلام" مثل أي نص بشري, ولذلك تراهم لا يتورعون في فهم آياته حسب ما تملي عليهم ثقافاتهم, وأهوائهم , وبيئاتهم .
1- قال تعالى عن القرآن : (هذا بيان للناس)
قال ابن كثير في تفسيره: " يعني: القرآن فيه بيان للأمور على جليتها،..". وفي هذا تأصيل لمسلك تفسير القرآن بالقرآن, إذ هو بيان بمجمله , يبين بعضه بعضا .
وقال ابراهيم الأبياري في "الموسوعة القرآنية: " ..وسمى الكلام بيانا لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وسمى ما يشرح به المجمل والمبهم من الكلام بيانا نحو قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ويقال بينته وأبنته إذا جعلت له بيانا تكشفه نحو لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وقال: نَذِيرٌ مُبِينٌ- إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ-.."
2- قال تعالى عن علاقة رسوله بالقرآن الكريم: ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل:44], قال عبد القاهر الجرجاني في "درج الدرر في تفسير الآيات والسور": " ثم إن الله حَمَّلَ هذه الأمانة العظيمة نبيه محمد صلى الله عليه واله وأمره ببيان هذا المنزل، قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ .وتعهَّد الله لنبيِّه أن يكون عونًا له في هذا البيان في كلِّ ما يحتاجه المسلم لفهم هذا القرآن العظيم ليظهر الله فيه هذا البيان ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ .
فقرأ النبي صلى الله عليه واله هذا المُنَزَّلَ على أصحابه وأقبلوا عليه بقلوبهم ذليلين منكسرين خاشعين دراسةً وفهمًا وتدبُّرًا وحفظًا، فبذل صلى الله عليه واله كلَّ وسعه وجهده في بيانه، فكان إمام المفسِّرين وقدوتهم، وتفسيره لهذا المنزل هو في حدِّ ذاته منزل لأنه وحيٌ من عند الله فلا يفسر صلى الله عليه واله من اجتهاده الخاص أو مما تمليه عليه نفسه، بل كان تفسيره معصومًا لا يقبل الخطأ بوجه من الوجوه، ويشهد لذلك قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وقوله صلى الله عليه واله: "ألا إني أوتيتُ القرآنَ ومثله معه" .
ولذا كان تفسير القرآن بالسنة النبوية هي المرتبة الثانية من مراحل التفسير بعد تفسير القرآن بالقرآن، فروَّض نفسه صلى الله عليه واله وشمَّرَ عن سواعد أفكاره وتصدَّى لبيان المنزل من كتاب الله - عَزَ وَجَلَّ - فلم يترك صغيرة ولا كبيرة، ولا شاردة ولا واردة تحتاج إلى إيضاح وتفسير وبيان إلا بيَّنها، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، حتى تتلمذ على يديه صلى الله عليه واله اهل بيته صلوات الله عليهم، ونخبة من أصحابه هم أعلام المفسّرين . فقد دعا لابن عباس فقال " اللهم فقهه في الدين , وعلمه التأويل "
وقال الله (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) , قال أبو البقاء العكبري: بلسان عربي، أي برسالة أو لغة. وقال أبو السعود باللغة العربية، وإنما جعل الله سبحانه القرآن عربياً بلسان الرسول العربي، لئلا يقول مشركو العرب: لو نزل بالأعجمي لسنا نفهم ما تقوله بغير لساننا فقطع بذلك حجتهم، وأزاح علتهم ودفع معذرتهم. قال ابن عباس: أي بلسان قريش، ولو كان غير عربي ما فهموه، وعن بريدة قال بلسان جُرْهُم".
وقد قرر هذه القواعد كثير من علماء قواعد التفسير
هذه هو المنهج , بقواعده, وضوابطه , ومسالكه , واصوله في تفسير كلام الله تعالى , والكشف عن مراده في القرآن . وليت شعري كيف يسعى أقوام إلى طرح كل هذه القواعد , والتعويل على آرائهم الشخصية في بيان مراد الله تعالى من آياته ؟؟ فلربما فاجأك أحدهم بقوله : أنا لاأريد التفاسير التقليدية - يقصد المنقولة عن السلف - بل أعطني رأيك الشخصي في الآية !!!!
هؤلاء يسعون - مهما كانت مقاصدهم - إلى تمييع " قدسية" النص القرآني, والا فكيف ينزلون به إلى درجة أدنى من "تحليل الخطاب" الذي صار اليوم فنا أدبيا له ضوابطه لايكتب فيه قلم إلا بمراعاة تلك الضوابط !!!
هذا الصوت أضمه إلى كل من له غيرة صادقة على القرآن , بمواجهة هذا التيار الخطير , الذي يتخفى وراء " العقلانية" و"الحداثة "..