سؤالك القرآني : كيف يمكن أن يكون القرآن قد نزل {هُدًى لِلنَّاس} وفي الوقت نفسه لا يهدي الكفار {وَلا يَزيدُ الظَّالِمينَ إِلَّا خَسارًا}؟ فهل هذا يعني أنّ هدايته منحصرة بفئة من الناس وهم المؤمنون والمتقون؟
أسئلة قرانية لمركز الامام الصادق (عليه السلام)
السؤال:
السلام عليكم ...
س/كيف يمكن أن يكون القرآن قد نزل {هُدًى لِلنَّاس} وفي الوقت نفسه لا يهدي الكفار {وَلا يَزيدُ الظَّالِمينَ إِلَّا خَسارًا}؟ فهل هذا يعني أنّ هدايته منحصرة بفئة من الناس وهم المؤمنون والمتقون؟
الجواب:
وعليكم السلام والرحمة والاكرام
القرآن الكريم كتاب الإعجاز الخاتم لكل الكتب والمعجزات
وهو خطاب الله عزوجل في هداية الانسان الذي يتقبل الهداية
وفي اقامة الحجة على من يرفض هذه الهداية.
وللجواب عن السؤال نبين مجموعة نقاط:
النقطة الاولى:
قد ورد التصريح بعدم هداية الظالمين والكافرين في سياق آيات تبين انهم برغم
- بعث الأنبياء
- وإظهار المعجزات
- وكثرة الآيات والتنبيهات
- وبرغم ممارسة الله كل سبل الهداية.
فانهم مع ذلك يغلقون ابواب قلوبهم ومسامع عقولهم عن تقبل الهداية.
فياتي تصريح الله عزوجل:
والله لا يهدي الظالمين والكافرين بالإجبار اذا كان اختيارهم عدم قبول الهداية.
والتعليل في نفس سياق هذه الايات:
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ
أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. النحل ١٠٧
وهذا التعليل هو مفاد ال١٩ آية التي صرحت بأن الله لا يهدي الكافرين او الظالمين
مثل قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ. البقرة ٢٦٤
وقوله تعالى
وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. فصلت ١٧
وقوله تعالى:
أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ
اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ
يُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ
اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ
الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ. البقرة ٢٥٨
النقطة الثانية:
انما يكون هذا الاشكال (بانحصار هداية القران الكريم على المؤمنين والمتقين) إذا كان القرآن لا يخاطب إلا المؤمنين به! ولكن الحقيقة على خلاف ذلك، فإنه يخاطب كل الناس على اختلاف مشاربهم ومللهم، فينبه عقولهم، ويوقظ قلوبهم، ويحرك ضمائرهم، ويستدعي فهمهم وإقرارهم وشهادتهم على الحق الذي جاء به، فالقرآن الكريم هو أفضل ما يدعى به الكافر إلى الإسلام، وأيسر ما يمكن أن يعرف من خلاله الدين الحق، ويستبين به سبيل النجاة، وما من أسلوب نافع لمخاطبة العقول وهدايتها إلا وقد حاز القرآن منه قمة البيان.
النقطة الثالثة:
اذا لاحظنا اثر القران الكريم في الهداية العامة لا الخاصة سنجد ان الذين صاروا الى الايمان به قد كانوا كفارا وثنيين، فأخرجهم الله بهذا القرآن المجيد من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان والتوحيد، قال تعالى:
قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. المائدة: 15، 16.
وقال سبحانه: الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. إبراهيم: 1
النقطة الرابعة:
ان بعض البشر لن ولن يؤمن حتى لو جاءته كل الآيات التي يمكن ارسالها للإنسان او غيره وذلك اما جحودا وعناداً
او استكبارًا وعلواً
او لانه يحب حالة عدم الايمان لانها تجعله في حل من كل التزام ويشعر معها بحرية تامة في ممارسة كل انواع الرذائل والفواحش.
فهؤلاء لا يمكن هدايتهم مهما كانت الطريقة.
لذا اخبرنا سبحانه:
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ *
وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ.
يونس/96 ، 97
لذا صار القرار:
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ
[١-] يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
[٢-] وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا
[٣-] وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا
[٤-] وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ. الأعراف/146 .
من هذا كله ظهر لنا ان القرآن الكريم قد خاطبهم واقام لهم الحجج والبراهين وانه ثلث خطابه كان موجها لهم.
وهو لم يبخل عليهم بسبل الهداية لكن المشكلة كانت في نفوسهم التي رفضت هذا الخطاب واقفلت عنه كل باب.