الامام الصادق ( عليه السلام) مواقف وأدوار رسالية مشرقة
بقلم الشيخ مرتضى الزيدي
اتسمت حركة الامام الصادق بالتنوع الواضح في العمل الرسالي ،اذ استثمر عليه السلام الانعطافة السياسية في عصره والتي تمثلت بسقوط الدولة الاموية ونشوء الدولة العباسية وفي هذه السطور نحاول المرور ببعض هذه المواقف والتي من خلالها نعرف ضخامة الدور الذي اضطلع به الامام الصادق ( عليه السلام) في سني حياته المباركة
1. العمل على إيجاد حركة علمية واسعة جداً.
وقد بدأت هذه الحركة تنشر الحقائق بين الناس وتدفعهم نحو الكمال العلمي المنشود وشعارها قول الإمام الصادق (عليه السلام) :(طلب العلم فريضة).
وقد وصف الشيخ القرشي رح هذه الحقيقة بقوله: فجر الإمام الصادق (عليه السلام) ينابيع العلم والحكمة في الأرض وفتح للناس أبواباً من العلوم لم يعهدوها من قبل وقد ملأ الدنيا بعلمه ـ كما قال الجاحظ ـ ونقل عنه الناس من العلوم ما سارت به الركبان وإنتشر صيته في جميع البلدان ـ كما أدلى بذلك بن حجر ـ .
كما أن نظام البعثات العلمية إزدهر في عصره حتى قيل : وأرسلت الكوفة والبصرة وواسط والحجاز إلى جعفر بن محمد أفلاذ أكبادها من كل قبيلة.
وقد إنعكس ذلك على كثرة تلامذة الإمام (عليه السلام) .
2. مقاومة التيارات الفكرية المنحرفة التي شكلت خطراً على الإسلام بشكل عام والمذهب الحق بشكل خاص .
وقد كان للإمام(عليه السلام) محاججات مع الزنادقة من أمثال ابن أبي العوجاء والديصاني ، أظهرت قوة الحجة في يدي الإمام(عليه السلام) كما كان له وقفة من مسألة القياس التي إبتدعها أبوحنيفة وقد وقف الإمام (عليه السلام) منها موقفاً حازما وشدد على أبي حنيفة في مناظرات نقلها أهل التاريخ وقد قال الإمام(عليه السلام) : (إذا قيست السنة محق الدين ).
3. بيان وتوضيح المعالم الصحيحة لشخصية المسلم .
بعد أن مسخها حكام الجور والظلمة بما كانوا يصورون للأمة من جوانب مخزية لشخصيتهم وبما كانوا ينشؤون في حياة المجتمع من واقع فاسد من فسق وفجور وخيانة فضاعت الصورة الحقيقية للمسلم خصوصا عند الأقوام التي دخلت الإسلام جديدا .
فنهض الإمام(عليه السلام) بمسؤولية هذا التعريف وكان يركز أكثر على شيعته بإعتبارهم طليعة الأمة التي عرفت الحق وإتبعته فتكون المسؤولية عليهم أكبر.
قال (عليه السلام) : (إنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه ، واشتد جهاده ، وعمل لخالقه ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فاذا رأيت اولئك فاولئك شيعة جعفر ) بيان أن شيعة علي شيعة جعفر.
إنتقاد حال الشيعة اليوم وإفتراقهم عن حقهم ولنشاهد صفحات الفيس بوك .
4. التأكيد على البعد الفقهي لشيعته وضرورة التفقه في الدين سيما وإن كثيرا من المشاكل على المستوى الإجتماعي منشأها الجهل.
فقد روي في المحاسن عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: (ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الحلال والحرام).
وعنه عليه السلام قال : (حديث في حلال وحرام تأخذه من صادق خير من الدنيا وما فيها من ذهب أوفضة ).
وعنه عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أف لكل مسلم لا يجعل في كل جمعة يوما يتفقه فيه أمر دينه).
5. الإهتمام بأمور المسلمين وقضاء حوائجهم ومساعدة ضعفائهم بحث يصل إلى درجة التعبير عمن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم .
ويحلو لي أن أنقل هذه الرواية بهذا الصدد والتي ذكرها الديلمي في أعلام الورى :
عن الحسن بن يقطين، عن أبيه، عن جده قال: ولي علينا بالأهواز رجل من كتاب يحيى بن خالد، وكان عليَّ بقايا خراج كان فيها زوال نعمتي وخروجي من ملكي، فقيل له : إنه ينتحل هذا الأمر،(يعني موالاة أهل البيت عليهم السلام) فخشيت أن ألقاه مخافة ألا يكون ما بلغني حقاً، فيكون فيه زوال نعمتي، فهربت وأتيت الصادق عليه السلام مستجيراً، فكتب إليه رقعة صغيرة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم : إن لله في ظلّ عرشه ظلاًلا يسكنه إلا من نفّس عن أخيه كربة، و أعانه بنفسه، أو صنع إليه معروفاً، ولو بشق تمرة.ىو
وهذا أخوك المسلم ثم ختمها ودفعها إليَّ وأمرني أن اُوصلها إليه، فلما رجعت إلى بلدي، استأذنت عليه، وقلت : رسول الصادق عليه السلام بالباب، فإذا أنا به وقد خرج إليَّ حافياً، فلما بصربي سلّم عليَّ وقبّل ما بين عينيّ، ثم قال لي : يا سيدي أنت رسول مولاي؟ فقلت : نعم، فقال : فقال هذا عتقتني من النار إن كنت صادقاً، فأخذني ، وأجلسني مجلسه، وقعد بين يديَّ، ثم قال : يا سيدي كيف خلّفت مولاي؟ فقلت : بخير، فقال : الله الله ثم ناولته الرقعة فقرأها وقبّلها ووضعها على عينيه، ثم قال : يا أخي مُر بأمرك، فقلت : في ديوانك عليَّ كذا وكذا ألف درهم، فيها هلاكي، فدعا بالدفتر ومحا عنّي كل ما كان علي فيه، وأعطاني براءة منها، ثم دعا بصناديق ماله فناصفني عليها، ثم دعا بدوابه فجعل يأخذ دابة ويعطيني دابة، ثم دعا بغلمانه، فجعل يعطيني غلاماً ويأخذ غلاماً، ثم دعا بكسوته فجعل يأخذ ثوباً ويعطيني ثوباً، حتى شاطرني جميع ما يملك ويقول : هل سررتك؟ فأقول : إي والله وزدت على السرور
.
فلما كان في الموسم قلت: والله لا كان جزاء هذا الفرح بشيء أحب الى الله ورسوله، من الخروج إلى الحج، والدعاء له، والمسير إلى مولاي الصادق عليه السلام وشكره عنده، وأسأله الدعاء له، فخرجت إلى مكة وجعلت طريقي إلى مولاي عليه السلام، فدخلت عليه ورأيت السرور في وجهه، وقال لي : «يا فلان، ما كان من خبرك مع الرجل؟» فجعلت أورد عليه خبري، وجعل يتهلل وجهه ويسر السرور، فقلت :يا سيدي، هل سررت بما كان منه إليّ؟ فقال : « إي والله سرني،إي والله لقد سرّ آبائي، إي والله لقد سر أمير المؤمنين، إي والله لقد سرّ رسول الله صلى الله عليه وآله، إي والله لقد سرّ الله في عرشه)).
6. التأكيد على البعد الروحي والعبادي على مستوى القول والعمل.
ومن طرائف مايُنقل عنه في هذا المجال مانقله حماد بن عيسى قال : قال لي أبوعبدالله جعفر بن محمد عليه السلام يوما : يا حماد أتحسن أن تصلي ؟ قال : فقلت : يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة فقال عليه السلام : لا عليك يا حماد قم فصل .
قال : فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة ، فاستفتحت الصلاة ، فركعت وسجدت .
فقال: ياحماد لا تحسن أن تصلي ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة، قال: حماد فأصابني في نفسي الذل.
وفي ذلك درس للإهتمام بهذه الفريضة وعدم جعلها عادة نفعلها في أوقاتها .
7. التركيز على تحلي شيعته بالورع .
قال عليه السلام: (عليكم بالورع فإنه لاينال ماعند الله إلا بالورع ).
ومن الطريف مايروى ونقله في البحار أنه شهد أبو كدينه الأزدي محمد بن مسلم الثقفي عند قاضٍ بشهادة فنظر في وجهيهما مليا ثم قال :جعفريين فاطميين ،فبكيا فقال: مايبكيكما؟
فقالا: نسبتنا إلى أقوامٍ لايرضون بأمثالنا أن نكون من إخوانهم، لما يرون من سخف ورعنا، ونسبتنا إلى رجل لا يرضى بأمثالنا أن نكون من شيعته، فإن تفضل وقبلنا فله المن علينا والفضل قديما فينا فتبسم القاضي ثم قال: إذا كانت الرجال فلتكن أمثالكم.
8. الشد العاطفي بين الإمام عليه السلام وشيعته، وبين الشيعة فيما بينهم.
فقد دخل المفضل بن عمر على الصادق عليه السلام فلما بصر به ضحك إليه ثم قال :إليّ يامفضل إني احبك واحب من يحبك.
وفي كلمة له عليه السلام قال : (فنحن نحنّ إليكم وأنتم تحنون إلينا).
وقال عليه السلام : (ما التقى مؤمنان قط إلا كان افضلهما اشدهما حبا لاخيه).
وقال عليه السلام : (ان المتحابين في اللّه يوم القيامة على منابر من نور , قد اضاء نور اجسادهم ونورمنابرهم كل شي ء , حتى يعرفوا به , فيقال : هؤلاءالمتحابون في اللّه).
ولنا وقفة تأمل فيما نسمع ونرى من حالات التقاطع والتباغض التي تحصل بين الأحبة من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام حتى شكلت ظاهرة مقيتة في مجتمعنا اليوم.
9. الإهتمام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد أعطى الأئمة عليهم السلام هذه الفريضة قيمة كبيرة ودفعوا الأمة إلى الإلتزام بها وبينوا جملة من الوسائل الكفيلة للعمل بهذه الفريضة المقدسة وبينوا عظمتها ، قال ابو عبد الله عليه السلام : (ايها الناس مروا بالمعروف وإنهوا عن المنكر فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقربا أجلا، ولم يباعدا رزقا).
10. التأكيد على قضايا الإسلام الكبرى.
سيما قضية الحسين عليه السلام ونهضته المباركة. فقد حشد الإمام الصادق عليه السلام جملة من الوسائل لربط الأمة بهذه القضية المباركة على مستوى إقامة المجالس على الحسين عليه السلام والبكاء حزنا لما جرى عليه وعلى أهل بيته واصحابه ،ونصوص الزيارات وبيان فضلها.
فقد روي عنه عليه السلام أنه قال : (من زار قبر الحسين (عليه السلام) في كل جمعة غفر الله له البتة، ولم يخرج من الدنيا وفي نفسه حسرة منها، وكان مسكنه في الجنة مع الحسين بن علي (عليهما السلام)).
وهذه دعوى لنا جميعا لزيارة الحسين عليه السلام في كل ليلة جمعة فإن لم نستطع ففي الشهر مرة ،فقد قال داود بن فرقد :
قلت لأبي عبد الله عليه السلام : (ما لمن زار الحسين (عليه السلام) في كل شهر من الثواب، قال: له من الثواب ثواب مائة الف شهيد مثل شهداء بدر).
او لا أقل ان يصعد المؤمن سطح داره فيومئ إلى جهة كربلاء قائلا (السلام عليك يا أباعبد الله).
ومن قضايا الإسلام الكبرى التي أخذت حيزا كبيرا في تراث الإمام الصادق عليه السلام ، القضية التي شغلت كل الأنبياء والأئمة ومن تبعهم من الأولياء والصالحين والمصلحين ،حتى كانت حلمهم الأكبر الا وهي ( قضية الإمام المهدي عليه السلام).
ولا أجانب الصواب إذا قلت إننا فقط من كلمات وإحاديث الأمام الصادق عليه السلام نستطيع ان نخرج بمنظومة متكاملة عن هذه القضية المباركة.
كتبيين اصل القضية ،وتأكيد وقوع الغيبة، ووجوب الثبات على الولاية في زمن الغيبة، وبيان حكم من أنكر هذا الأصل، وتصريح الإمام عليه السلام بالغيبتين ...الى غير ذلك من المسائل .
ولا يسعنا المرور بكل هذه المسائل وإعطاء شواهد لها من كلام الإمام عليه السلام وإنما نشير لمسألة واحدة وهي حال الإمام في إشتياقه لصاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف ، فقد روى الصدوق في إكمال الدين :
(عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر، ؤأبوبصير، وأبان بن تغلب على مولانا أبى عبدالله الصادق عليه السلام فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلاجيب، مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلي، ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلى الدموع محجريه وهو يقول: سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيقت على مهادي، وابتزت مني راحة فؤادي سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الابد وفقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع والعدد، فما احس بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلا مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقى أشدها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولها، وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل ، وظننا أنه سمت لمكروهة قازعة، أوحلت به من الدهر بائقة، فقلنا: لاأبكي الله ياابن خيرالورى عينيك من أية حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟.
قال: فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد عنها خوفه، و قال: ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ماكان ومايكون إلى يوم القيامة الذي خص الله به محمدا والائمة من بعده عليهم السلام، وتأملت منه مولد غائمنا وغيبة وإبطاء ه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم التى قال الله تقدس ذكره: " وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " - يعني الولاية - فأخذتني الرقة، واستولت على الاحزان فقلنا: ياابن رسول الله كرمنا وفضلنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك). هذه بعض المواقف التي تحرك من خلالها الامام الصادق عليه السلام قد مررنا فيها على عجالة والا فكل موقف من هذه المواقف يحتاج الشيء الكثير من البحث والتحليل لاغنائه موضوعيا والاستفادة منه رساليا ،ونسأل الله تعالى ان يرزقنا شفاعة الامام الصادق عليه السلام
واخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.