مفهوم الثبات في الحركة الرسالية
تفضل احد أصدقاء القران في قسم الدراسات القرانية مقالا بعنوان:
مفهوم الثبات في الحركة الرسالية
بقلم: الشيخ محمد الجوراني
يقول احد العلماء في الثبات (أيها الأحبة إن مفردة الثبات والتثبيت من القضايا التي اهتم بها القران الكريم بمعالجتها لان الإنسان يتعرض في هذه الدنيا الى ابتلاءات كثيرة ومزالق خطيرة لا ينجيه منا إلا طلب التثبيت من الله تعالى والعمل على تحصيل ذلك ,لذا كان مطلب المؤمنين في ساحات المواجهة مع الشيطان والنفس الإمارة بالسوء والأعداء من الناس هو((رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )) البقرة 250)انتهى
الحمد لله كما هو أهله وكما يستحقه حمدا كثيرا وصلى الله على محمد واله الطاهرين
إن المتتبع للآثار الصحيحة الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة مقرونا بالنصوص القرآنية يجد الفرد المؤمن يتردد في كماله الموضع له والموصوف به من حيث التقوى والعلم والعمل الصالح والتي صنفت على أساس الأبعاد الثلاثية التي تشكل شخصية الفرد المسلم وسميت بالبعد الأخلاقي والبعد العلمي والبعد الحركي والبعد الثالث هو نتاج كمال البعدين الأوليين ويضاف إليها معرفة الطرق السلمية في تحقيق آثار البعد الثالث وهو ما نصطلح عليه بفن إدارة المشاريع
وأما إذا أردنا أن نشير إجمالا الى التدليل القرآني والروائي على ذلك نجده واضحا من خلال قوله تعالى ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ )) الجمعة 2 فالتزكية إشارة الى البعد الأخلاقي والتعليم هو العلمي المأخوذ من الكتاب نفسه و من الحكمة التي هي قول النبي صلى الله عليه واله ,والإيمان يُشكله ركنان التزكية والعلم وأما البعد الثالث الحركي الرسالي فقوله تعالى ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )) البقرة 82 , فالعمل الصالح هو عين الحركة المطلوبة من المؤمن بعد كمال ركنيه وإذا ترقينا أكثر نجد قوله تعالى يشير بكل وضوح الى هذا المعنى حيث قال ((أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ )) الأعراف 68 ,فالعامل الرسالي هذا وجوده الطبيعي بواقع الحال وهنا تكمن قيمته الإنسانية والقربية من الحق سبحانه وتبليغ تلك الرسالات هي بمجموعها اي المفاهيم الإلهية على طول خط الرساليين انتهاء ببقيتهم الأعظم مولانا صاحب العصر والزمان عليه السلام والعمل بها جاهدا وتثبيتا لها في الأرض التي ستكون وراثتها لهم دون غيرهم وهذا وعد الله تعالى ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ )) الأنبياء 105
وكما ورد عنهم عليهم السلام في الإيمان (انه اقرار باللسان وعمل بالأركان واقرار بالجنان) وقول امير العاملين وقدوتهم علي عليه السلام (اوصيكم بتقوى الله ونظم اموركم) ( والعلم ينادي بالعمل ان اجابه والا ارتحل) وغيره كثير بحيث لو طابق احدنا هذه الكلمات الى الايات لوجد التناسق والتطابق واحدهم يفسر الاخر وكيف لا وهما ثقلا الحق سبحانه في كل الخلق.
واما الحركة فهي في الواقع نظام وجودي وليس شيئا نسبينا واعتباراته ضئيلة.
إن للثبات أهمية بالغة في حياة الرسالي الذي يريد الوصول إلى الغايات السامية من حركته نحو الله تعالى وممكن هنا أن نضع عدة معان محتملة للثبات قبل الدخول في أصل البحث ومنها
1- الاستقامة على المفاهيم الإسلامية الصحيحة في كل أجزاء الحركة المطلوبة والتى يقف على رأسها الأنبياء والرسل قال تعالى ((وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )) هود 120
2- التزام طريق الحق والمذهب الحق والرأي الحق دون التبعيض على حساب ذلك والتماشي مع المفاهيم الإلهية وعدم الركون الى غيرها قال تعالى ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا )) الفرقان 32
3- الثبات هو استقرار الباطن على مقاصد إلهية كبرى تهيمن على سلوكه الخارجي وعلى حركته لصحة المبدأ أولا ولسعادة آثاره المستقبلية ثانيا قال تعالى ((إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ )) الأنفال 11
4- الثبات هو حالة الاطمئنان الناشئة من آثار الأعمال الصالحة والإنسان بطبيعته كلما مر بحالة اطمئنان سكن اليها وثبت عليها قال تعالى ((وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )) البقرة 265
5- والثبات هو عدم التزلزل في المواقف الصغرى والكبرى وهذا يعتمد أكيدا على المفاهيم المعصومة الصادرة من الله تعالى أو الإمام ومن بحمهما بخط طولي قال تعالى ((قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )) النحل 102>