مالك بن الحارث الأشتر
مالك بن الحارث الأشتر
مالك الأشتر (رضوان الله عليه)
(25 ق.هـ – 38 هـ)
اسمه ونسبه:
هو مالك بن الحارث بن عبد يَغوث بن سَلِمة بن ربيعة.. بن يَعرُب بن قحطان، ولُقِّب بـ (الأشتر) لأن إحدى عينيه شُتِرَت – أي شُقّت – في معركة اليرموك.
ولادته:
لم تذكر لنا المصادر التاريخية تاريخاً محدِّداً لولادته, ولكن توجد قرائن تاريخية نستطيع من خلالها معرفة ولادته على وجهٍ تقريبيٍّ تخمينيٍّ. فقد قُدِّرت ولادته بين سنة (25-30) قبل الهجرة النبوية الشريفة.
مواقفه:
عاصر مالك الأشتر النبي (صلى الله عليه وآله), ولكنه لم يره ولم يسمع حديثه, وذكر عند النبي (صلى الله عليه وآله) فقال فيه النبي (صلى الله عليه وآله): إنه المؤمن حقاً, وهذه شهادة تعدل شهادة الدنيا بأسرها.
كما عُدَّ مالك من بين المجاهدين الذين أبلَوا بلاءً حسناً في حروب الردَّة.
كما أنه ذُكر في جملة المحاربين الشُّجعان الذين خاضوا معركة اليرموك, وهي المعركة التي دارت بين المسلمين والروم سنة (13 هـ).
وثمَّة إشارات تدل على أن مالكاً كان قبل اليرموك يشارك في فتوح الشام, ويدافع عن مبادئ الإسلام وقيمه السامية, ويدفع عن كيان الإسلام وثغور المسلمين شرور الكفار.
وحين دَبَّ الخلاف والاختلاف بين المسلمين في زمن عثمان, بسبب مخالفة البعض لتعاليم القرآن الكريم وسنة النبي الأمين (صلى الله عليه وآله) لم يَسَع الأشترَ السكوتُ.
فجاهد في سبيل الله بلسانه عندما رأى عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل قد كُسر ضلعه, وأُخرج بالضرب من المسجد النبوي.
ونال عمّارُ بن ياسر من العنف والضرب ما ناله, وهو الصحابي الشهم المخلص المضحي.
ولقي أبو ذرّ ما لقي من النفي والتشريد, وقطع عطائه والتوهين بكرامته, وهو الذي مُدح مدحاً جليلاً على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ولاؤه لأمير المؤمنين (عليه السلام):
وفي خلافة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وحكومته, كانت مواقف الأشتر واضحةً جَليَّة المعالم.
فهذا العملاق الشجاع أصبح جُندياً مخلصاً لأمير المؤمنين (عليه السلام), فلم يفارق الإمام (عليه السلام) قطٌّ, كما كان من قَبلِ تَسَلُّمِ الإمامِ لخلافَتِهِ الظاهرية.
فلم يَرِد ولم يصدُر إلا عن أمر الإمام علي (عليه السلام) حتى جاء المدح الجليل على لسان أمير المؤمنين (عليه السلام), فكان أن كتب (عليه السلام) في عهده له إلى أهل مصر, حين جعله والياً على هذا الإقليم:
أما بعد, فقد بَعثتُ إليكم عبداً من عباد الله, لا ينام أيّامَ الخوف, ولا يَنكُل عن الأعداء ساعاتِ الرَّوع, أشدُّ على الفُجار من حريق النار, وهو مالك بن الحارث أخو مَذْحِج.
ولهذا القول الشريف مصاديق مشرقة, فقد كان لمالك الأشتر هذه المواقف والأدوار الفريدة:
أولاً: قيل: أنه أول مَن بايَعَ الإمامَ علياً (عليه السلام) على خلافته الحقة, وطالب المُحجِمين عن البيعة بأن يقدموا ضمانة على أن لا يُحدِثوا فِتَناً, لكن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمره بتركهم ورأيَهُم.
ثانياً: زَوَّد أميرَ المؤمنين (عليه السلام) بالمقاتلين والإمدادات من المحاربين في معركة الجمل الحاسمة, مستثمراً زعامته على قبيلة مِذحج خاصة, والنَّخَع عامة, فحشَّد منهم قواتٍ مهمة.
فيما وقف على ميمنة الإمام (عليه السلام) في تلك المعركة يفديه ويُجندِل الصَّناديد, ويكثر القتل في أصحاب الفتنة, والخارجين على طاعة إمام زمانهم.
ثالثاً: وفي مقدمات معركة صفين عمل مالك الأشتر على إنشاء جسر على نهر الفرات ليعبر عليه جيش الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيقاتل جيش الشِّقاق والانشقاق بقيادة معاوية بن أبي سفيان.
وكان له بَلاء حَسَن يوم السابع من صفر عام (37 هـ) حين أوقع الهزيمة في جيش معاوية.
ولمّا رفع أهل الشام المصاحف, يخدعون بذلك أهل العراق, ويستدركون انكسارهم وهلاكهم المحتوم, انخدع الكثير, بَيْد أن مالكاً لم ينخدع ولم يتراجع حتى اضطَرَّهُ أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الرجوع.
كما اضطُرَّ إلى قبول صحيفة التحكيم – وكان لها رافضاً – خضوعاً إلى رضى إمامه (عليه السلام).
شعره وأدبه:
لما كان مالك الأشتر صاحب تلك المواقف الشامخة حاول بعضهم أن يهملوا شعره ويطمسوه, لكنهم لم يفلحوا في إطفاء الشمس.
ومن خصائص شعر مالك أن الغالب عليه غرضُ الحماسة والبطولة, وهو انعكاس للصراع الخطير والمرحلة التاريخية الحساسة التي كان يمر بها الإسلام.
وقد جادت به قريحته النابضة الحَيَّة فيه, ولعل الشعر البُطُولِيِّ هو الغالب العام في قصائده, بما يمتاز به من سلاسة وروعة. نذكر هذين البيتين كنموذج قالهما لعمرو بن العاص في صفين:
يا ليت شعري كيف لي بعمرو
ذاك الذي أجبت فيه نذري
ذاك الذي أطلبه بوتري
ذلك الذي فيه شفاء صدري
وإلى موهبته الشاعرية الهادفة كان الأشتر ذا قوة خطابيّة فائقة, مشفوعة بحُجَّةٍ واضحة, وقدرة نادرة على تقديم البراهين المقنعة والأجوبة المُفحِمة.
وكان من خطبه في أحد أيام صفين قوله: (الحمد لله الذي جعلَ فينا ابنَ عمِّ نبيِّه, أقدَمُهُم هجرة, وأوّلُهم إسلاما, سيفٌ من سيوف الله صَبَّه على أعدائه, فانظروا إذا حمِيَ الوَطيسُ, وثار القَتام, وتكسَّر المُرَّان, وجالَت الخيلُ بالأبطال, فلا أسمع إلا غَمغمةً أو همهمة, فاتَّبِعوني وكوني في أثري).
شهادته:
وبعد حياة حافلة بالعز والجهاد, وتاريخ مشرق في نصرة الإسلام والنبوة والإمامة, يكتب الله تعالى لهذا المؤمن الكبير خاتمةً مشرِّفة, هي الشهادة على يد أرذل الخَلْق.
فكان لأعداء الله طمع في مصر, لقربها من الشام ولكثرة خراجها, ولتمايل أهلها إلى أهل البيت (عليهم السلام) وكراهتهم لأعدائهم.
فبادر معاوية بإرسال الجيوش إليها, وعلى رأسها عمرو بن العاص, ومعاوية بن حديج ليحتلَّها.
فكان من الخليفة الشرعي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن أرسل مالكَ الأشتر (رضوان الله عليه) والياً له على مصر.
فاحتال معاوية في قتله (رضوان الله عليه) داسّاً إليه سُمّاً بواسطة الجايستار – وهو رجل من أهل الخراج-.
وقيل: كان دهقان القُلْزُم, وكان معاوية قد وعد هذا ألا يأخذ منه الخراج طيلة حياته إن نفذ مهمته الخبيثة تلك.
فسقاه السم وهو في الطريق إلى مصر, فقضى مالك الأشتر (رضوان الله عليه) شهيداً عام (38 هـ).