علم الكلام الجديد: من أجل لاهوت سياسي إسلامي جديد، سروش نموذجاً
الملخّص:
يهدف البحث للكشف عن الديناميّة الفكريّة الجديدة التي يؤسّسها علم الكلام الجديد، والاستراتيجيَّات التأويليَّة التي يقترحها من أجل الخروج من المقولات والانغلاقات اللَّاهوتيّة والإيديولوجيّة التي تأسّست في سياق الفكر السياسي الإسلامي الكلاسيكي أو ما قبل الحداثة.
يعمل علم الكلام الجديد على تجاوز الفهم التقليدي للعلاقة بين الشرعيّة الدينيَّة والشرعيَّة السياسيَّة، مقترحاً بذلك لاهوتاً سياسيّاً جديداً، ومفككاً المقولات المؤسّسة للإسلام السياسي أو ما يسمّيه عبد الكريم سروش الإسلام العلماني. فهو يسعى إلى ملاءمة الشروط المعرفيّة والمجتمعيّة للتديّن مع السياقات الحضاريّة والسياسيّة الجديدة المتميزة بالعقلانيّة والفردانيّة والفكر النقدي. يستتبع ذلك تجاوز الوظيفة التقليديَّة التبريريَّة إلى الوظيفة التحريريَّة، والانتقال من اللّاهوت العقائدي إلى اللّاهوت الفلسفي، من اللّاهوت المغلق نحو اللّاهوت المفتوح.
يؤسّس سروش أطروحته على فكرة أنَّ فلسفة نظام الحكم تتأسّس من داخل المعرفة الإنسانيَّة وليس انطلاقاً من التأويلات الدينيَّة، لذا فهو يرفض ما يسمّيه "الدين العلماني"، أي الدين الذي يتجاوز مجاله الروحي - اللّاهوتي كي يشمل المجال الدنيوي، الدين الذي يتحوّل إلى إيديولوجيَّة استلابيَّة. يغترب الدين العلماني (الإسلام السياسي) عن حقيقته عندما يقوم بإسقاط مقولاته، ثنائياته أو تقسيماته الحصريّة على مجال إبستيمولوجي (السياسة والاجتماع)، يبني ديناميته على التعدّد والاختلاف. يصبح من غير المقبول إذن أن يكون الدين (دين أو مذهب ما) مصدراً لمشروعيَّة الحكم والسلطة، لأنَّ قضايا العدالة وحقوق الإنسان تقع خارج حدود النص الديني.
تحيل الأدوار الجديدة للدين في علم الكلام الجديد إلى براديغم ما بعد الحركات الإسلاميَّة أو الطريق الثالثة التي تميّز بين الحقيقة والمجتمع، حيث يمكن للإسلام أن يكون مصدراً للحقيقة، لكن بإمكان المجتمع كذلك أن يخضع لقواعد لائكيَّة وكونيَّة كالديمقراطيَّة واحترام حقوق الإنسان.
سنعتمد مقاربة تحليليَّة باراديغماتيَّة، أي مقاربة تسعى للكشف عن التقاطعات بين المفكّرين الذين يندرجون في خانة علم الكلام الجديد بخصوص بناء براديغم جديد للعلاقة بين المجال الديني والمجال السياسي وتحديد نطاق السلطة التشريعيَّة للدين. سنركز على كتابات عبد الكريم سروش محاولين صياغة رؤيته العامَّة للعلاقة بين المجالين في مختلف تمظهراتها: الدينيَّة والفلسفيَّة والإبستمولوجيَّة.
يعتمد بناء البحث على دراسة المتن المعرفي أو الإبستيمولوجي العام المؤسّس لعلم الكلام الجديد، ممَّا يسمح بفهم التمفصل الجديد بين مقولة الإيمان أو العقيدة الدينيَّة من جهة، والبراكسيس السياسي من جهة أخرى، أو بعبارة أخرى: فهم العلاقة بين مجال المطلق ومجال النسبي.