• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

مدخل إلى معرفة النبي صلى الله عليه وآله من خلال القرآن الكريم

بواسطة |   |   عدد القراءات : 115
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

 

بقلم فضيلة الشيخ عبد الحكيم الخزاعي 

 

جاء في الحديث المعروف بـ حديث المعرفة الثلاثية قول رسول الله صلى الله عليه وآله:

«ولا يعرفني إلا الله وأنت»، موجّهاً كلامه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا الحديث العميق سدَّ طريق معرفة حقيقة النبي صلى الله عليه وآله بعقولنا القاصرة، لأن المقام النوراني لرسول الله وحقيقته الشامخة فوق ما تدركه العقول. ومع ذلك، لم يُغلق باب المعرفة أمامنا تماماً، بل فتح لنا طريق المعرفة الممكنة: أي معرفته بحسبنا نحن، لا بحسب مقامه هو. كما أن معرفتنا بالله عز وجل محدودة بقدرتنا، وإن كانت لا تحيط بجلاله وعظمته.

 

ومن هنا، فإن أعظم أبواب المعرفة برسول الله صلى الله عليه وآله هو القرآن الكريم، إذ حفلت آياته بذكر شمائله، وصفاته، ومقامه العظيم عند الله تعالى. ولا يمكن حصر هذه الآيات في مقالة قصيرة، لأنها تحتاج إلى دراسة قرآنية معمَّقة وموسعة. غير أني سأقتصر هنا على بعض الإشارات الموجزة، لتكون مدخلاً ودعوة للآخرين ليتابعوا هذا البحث.

 

 

١- قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: ٤)

 

هذه الآية شهادة إلهية مباشرة بعظمة خُلق النبي صلى الله عليه وآله، وهي شهادة لا تدرك العقول مداها. فالآية لم تقل: "إنك ذو خُلق عظيم"، بل قالت: {لعلى خُلق عظيم}، أي أنك فوق مرتبة الخلق العظيم، متمكّن فيه، قائم عليه وهذا الخُلق هو ثمرة تزكية إلهية وعبادة طويلة ورياضة روحية عظيمة، وهو في الوقت نفسه الهدف الأساس من بعثته صلى الله عليه وآله: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

 

 

٢- قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (الشرح: ٤)

 

رفع الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله في الأرض والسماء، فلا يُذكر الله إلا ويُذكر معه نبيه. وقد فسّر ابن عباس الآية بقوله: «ما ذُكرت إلا ذُكرتَ معي: في الأذان، والإقامة، والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر والأضحى، وفي مشارق الأرض ومغاربها…». فالذي رفعه الله لا يستطيع أحد أن يخفضه.

 

 

٣- قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: ٣-٤)

 

هذه الآية تقطع بأن كل ما ينطق به رسول الله صلى الله عليه وآله ـ قولا أو فعلا أو تقريرا ـ هو حجة ووحي من الله، لا مجرد القرآن الكريم. ولذلك فإن سنته الشريفة وحي مُبيّن للكتاب ومكمّل له، وليست كما يزعم البعض حين قالوا: «حسبنا كتاب الله».

 

٤- قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (الشرح: ١)

 

الشرح في اللغة هو التوسعة، وشرح الصدر هو انفساحه بالسكينة والطمأنينة والنور الإلهي. وقد فسّر المفسرون هذه الآية بأنها إشارة إلى السعة العلمية والروحية التي أُعطيها النبي صلى الله عليه وآله عن طريق الوحي، وإلى قدرته الفائقة على تحمّل أذى المعاندين وصبره في مواجهة الصعاب. وهذا من أسرار قوته وثباته في تبليغ الرسالة.

 

٥- قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: ١٢٨)

 

تصور لنا هذه الآية كمال عاطفة النبي صلى الله عليه وآله نحو المؤمنين: شديد الاهتمام بأحوالهم، يكره أن يصيبهم عنت أو مشقة، رؤوف رحيم بهم. وهذا درس خالد لكل قائد يريد أن يسوس الناس: أن تكون القيادة رأفة ورحمة قبل أن تكون سلطة وأمراً.

 

 

٦- قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: ١٠٧)

 

النبي صلى الله عليه وآله رحمة إلهية مهداة، لكن الرحمة هنا ليست للبشر وحدهم، بل لكل العوالم، لأنه حامل رسالة الله للوجود كله. شريعته رحمة، وأخلاقه رحمة، وجهاده رحمة، بل حتى غضبه كان رحمة لله ولعباده. فهو الرحمة المتجسدة على الأرض.

 

٧- قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: ٥٦)

 

أي مقام أعظم من أن الله تعالى نفسه وملائكته يصلون على النبي صلى الله عليه وآله؟! ونحن مأمورون بالصلاة عليه تبعاً لذلك ،غير أن صلاتنا ليست كصلاته تعالى وصلوات ملائكته، بل هي مشاركة تشريفية ترفع أعمالنا وتزكيها ، بل ورد أن أفضل الأعمال الصلاة على محمد وآل محمد.

 

 

هذه إشارات سريعة إلى بعض الآيات الكريمة التي تحدّثت عن مقام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله. غير أن عشرات الآيات الأخرى لم نتعرض لها بعد، وهي بحاجة إلى شرح وبيان. وقد تناول المفسرون من مختلف الاتجاهات مباحث عظيمة حولها وفيما يأتي من البحث سنتوقف عند كلمات أمير المؤمنين عليه السلام في بيان عظمة رسول الله صلى الله عليه وآله، لتكون لنا نافذة أخرى إلى معرفته ،فنحن في الدعاء نقول:

«اللهم عرّفني نبيك»، لأن معرفة النبي هي الطريق لمعرفة الله تعالى، ومعرفة الدين الحق.

 

....

المصادر

القرآن الكريم.

ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

Powered by Vivvo CMS v4.7