الإمام السجاد يقيم مجالس العزاء للإمام الحسين عليهما السلام

بقلم سماحة الشيخ ميثم الفريجي دامت توفيقاته
تنقل الروايات وكتب السيرة انَّ الإمام السجاد عليه السلام بكى اربعين سنة على أبيه الإمام الحسين عليه السلام، وكان كلّما قدم اليه الماء و الطعام يبكي لذكر الحسين عليه السلام
و بذل جهداً كبيراً ، لتبقى النهضة الحسينية حيّة نابضة في ضمائر الاجيال بعبرة وعبرة ووعي .
روي عن الإمام الصادق عليه السلام: انه قال: ( أَمَّا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السَّلام فَبَكَى عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السَّلام عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، مَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ إِلَّا بَكَى، حَتَّى قَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ!
قَالَ: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) إِنِّي لَمْ أَذْكُرْ مَصْرَعَ بَنِي فَاطِمَةَ إِلَّا خَنَقَتْنِي لِذَلِكَ عَبْرَةٌ)
و عَنِ الإمام جعفر بن محمد الصَّادِقِ عليه السَّلام: ( أَنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ بَكَى عَلَى أَبِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، صَائِماً نَهَارُهُ، قَائِماً لَيْلُهُ، فَإِذَا حَضَرَ الْإِفْطَارُ جَاءَ غُلَامُهُ بِطَعَامِهِ وَ شَرَابِهِ فَيَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: كُلْ يَا مَوْلَايَ.
فَيَقُولُ: قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و آله جَائِعاً، قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ عَطْشَاناً، فَلَا يَزَالُ يُكَرِّرُ ذَلِكَ وَ يَبْكِي حَتَّى يُبَلَّ طَعَامُهُ بِدُمُوعِهِ، وَ يُمْزَجَ شَرَابُهُ بِدُمُوعِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ)
وَ عَنْ عُمْرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ : لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السَّلام لَبِسَ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ السَّوَادَ وَ الْمُسُوحَ ، وَ كُنَّ لَا يَشْتَكِينَ مِنْ حَرٍّ وَ لَا بَرْدٍ ، وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السَّلام يَعْمَلُ لَهُنَّ الطَّعَامَ لِلْمَأْتَمِ)
وقد أقام الإمام السجاد عليه السلام أوّل المجالس في قصر الطاغية يزيد لعنه الله ، عندما اذن له انْ يصعد المنبر فالقى في الحاضرين خطبة مدوّية، كانت طليعة مجالس ذكر الله تعالى وذكر مصيبة الإمام الحسين عليه السلام ، حينما ختم بكلام الرثاء والنعي والمصيبة
وهو يردد ويقول :
( أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء، أنا ابن الطهر البتول، أنا ابن بضعة الرسول صلى الله عليه وآله، أنا ابن المرمّل بالدماء، أنا ابن ذبيح كربلاء، أنا ابن من بكى عليه الجنّ في الظلماء، وناحت عليه الطير في الهواء)
ولم يزل الإمام يقول: أنا أنا حتى ضجّ الناس بالبكاء، وخشي يزيد من وقوع الفتنة وحدوث ما لا تحمد عقباه، فقد أوجد خطاب الإمام انقلاباً فكرياً إذ عرّف الإمام نفسه لأهل الشام وأحاطهم علماً بما كانوا يجهلون.
فأوعز يزيد إلى المؤذّن أن يؤذّن ليقطع على الإمام كلامه، فصاح المؤذن "الله أكبر" فالتفت إليه الإمام فقال له: "كبّرت كبيراً لا يقاس، ولا يدرك بالحواس، لا شيء أكبر من الله"، فلمّا قال المؤذّن: أشهد أن لا إله إلاّ الله .
قال الإمام عليه السلام: "شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعظمي".
ولمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمداً رسول الله.
التفت الإمام إلى يزيد فقال له: "يا يزيد! محمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنـّه جدّك فقد كذبت، وإن قلت: أنـّه جدّي فلمَ قتلت عترته
ميثم الفريجي
النجف الاشرف
8 محرم الحرام 1447 هـ