• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

الحركة الحسينية ودورها في التصحيح المفاهيمي

بواسطة |   |   عدد القراءات : 10
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الحركة الحسينية ودورها في التصحيح المفاهيمي

بقلم فضيلة الشيخ صادق القطان

 

 

كان تحرك الإمام الحسين (ع) لإصلاح الواقع الذي عاشته الأمة آنذاك ناظرا إلى عدد من المساحات التي صار فيها الإسلام معطلا إذ ابتعدت فيها الأمة عن مقاصده السامية، وقد أشار (ع) إلى بعض تلك المساحات في قوله: ((ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله))([١]).

 

ومن خلال قراءة أحداث نهضة الإمام الحسين (ع) وبياناتها في مراحلها المختلفة نجد أن من أهم المساحات التي تحركت النهضة من أجل تصحيحها مساحة المفاهيم العامة، وتكمن أهمية عمل عاشوراء على التصحيح في هذه المساحة في التالي:

 

١- أن المفاهيم العامة كلما ترسخت في وعي المجتمع أكثر كلما تحولت إلى سلوك وطريقة تفكير، وأخذت تحكم حركة المجتمع وواقعه، ورسمت ملامح مستقبله، كما أنها كلما ترسخت أكثر صار تغييرها شيئا صعبا معقدا، لأن المجتمع سوف يشعر أن من يريد تغييرها فهو يلامس مسلَّماته ومرتكزاته.

 

٢- أن بعض المفاهيم العامة التي أرادت عاشوراء تصحيحها كانت تطرح في الأمة آنذاك على أنها مفاهيم دينية وأن مصدرها القرآن والسنة الشريفة، وهنا تكمن الخطورة في الأمر، إذ سوف تلبس هذه المفاهيم ثوب القداسة وهي عارية عنه في واقعها.

 

وقد كان عمل النهضة الحسينية على التصحيح في هذا الجانب يقوم على التفنيد تارة وطرح البديل تارة أخرى، أي أن المفاهيم المصادمة للدين الحنيف والتي كانت قائمة فعلا آنذاك عملت عاشوراء على تفنديها وردها، كما عملت من جهة أخرى على طرح مفاهيم دينية حقيقية، وهذا ما سنوضحه بالحديث ضمن مثالين يتعلق الأول منهما بالتفنيد والآخر بالطرح المفهومي الديني الأصيل.

 

المثال الأول: عقيدة الجبر

 

يعرَّف الجبر اصطلاحا بأنه: ((إجبار اللّه العباد على ما يفعلون ، خيراً كان أو شراً، حسناً كان أو قبيحاً، دون أن يكون للعباد أية إرادة أو قدرة أو اختيار على الرفض والامتناع))([٢])، فأفعال الإنسان وفقا لهذه العقيدة هي أفعال الله، والإنسان ليس سوى آلة يحركها الله -تعالى عن ذلك- دون أن تكون عند الإنسان قدرة على الرفض والقبول.

 

ولا شك في فساد هذا الاعتقاد وبطلانه، لأنه يفضي إلى نفي الاختيار عن الإنسان، ونفي الاختيار مسقط للتكليف، لأن التكليف من العادل الحكيم لا يكون إلا للمختار، فمن لم يكن مختارا كيف يكلف ثم يعاقب على عدم إتيانه بما كُلِّف به؟! لا يمكن صدور ذلك عن الله وهو المنزه عن الظلم وقبحه.

 

ويتبين من خلال مراجعة كتاب الله تعالى وتاريخ البعثة النبوية الشريفة وسير الأئمة الطاهرين أن التبرير بالجبر وخروج الأمر عن حيز الإرادة والقدرة كان موجودا عند الفاسدين وأصحاب الأفعال والمعتقدات المستشنعة منذ الجاهلية وإلى أن بزغ نور الإسلام وحتى تشكلت الاتجاهات والمدارس المختلفة في فهم العقيدة الإسلامية، فها هم أولاء مشركو قريش يبررون شركهم بعقيدة الجبر، وقد حكى القرآن ذلك عنهم فقال: ((سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْء)([٣])، وها هو ذا معاوية بن أبي سفيان يبرر أخذه البيعة لولده يزيد بالجبر أيضا، حيث قال لعبد الله بن عمر حينما اعترض عليه: ((إن أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء وليس للعباد خيرة من أمرهم))([٤]).

 

وقد رفضت نهضة الحسين (ع) عقيدة الجبر لما حاول الأمويون الاستناد إليها في جرائمهم يوم عاشوراء وما تلاه، فيحنما قال ابن زياد للإمام زين العابدين (ع): ((أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟!)) أجابه الإمام (ع): ((قد كان لي أخ يسمى علي بن الحسين قتله الناس))([٥])، وحينما قال لزينب (ع): ((كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟)) قالت (ع): ((ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم))([٦]).

 

فهنا نرى زين العابدين (ع) وزينب (ع) يردان دعوى ابن زياد أن ما جرى على الحسين (ع) وولده الأكبر (ع) كان من صنع الله، بل هو من صنع القتلة، ولذا قال زين العابدين (ع) بوضوح: ((قتله الناس))، وقالت زينب (ع): ((وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاج وتخاصم))، ومن الواضح أنه لا معنى للاجتماع بين يدي الله من أجل التخاصم عنده إذا كان ابن زياد وباقي القتلة بريئين مما صنعوه وأن القاتل في الحقيقة هو الله -تعالى عن ذلك-.

 

 

المثال الثاني: العزة والكرامة

 

من خلال قراءة مجريات التاريخ الإسلامي ابتداء من أواخر العقد الهجري السادس يدرك القارئ وبوضوح أن الأمة كانت قد فقدت أهم عناصر ومقومات عزتها، وعانت من الهدر من جهة والقهر من جهة أخرى، هدر للطاقات التي من المفترض توظيفها في خدمة الإسلام والمسلمين، وقهر أفقد الفرد آنذاك إحساسه بإنسانيته تجلى في ختم بني أمية رقاب الناس كعبيدٍ وخول، ففي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ((وكانت بنو أمية تختم في أعناق المسلمين كما توسم الخيل علامة لاستعبادهم))([٧]).

 

وقد أراد الحسين (ع) في ضمن أهداف نهضته خلاص الأمة من الهدر والقهر معا، لأنهما يتنافيان مع الغاية التي لأجلها خلق الله الإنسان، فقال (ع) عن الهدر واصفا صنيع يزيد وولاته: ((واستأثروا بالفيء))، كما قال (ع) عن القهر مخاطبا من خرجوا لقتاله في يوم عاشوراء: ((يا شيعة آل سفيان! إن لم يكن دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم هذه))([٨]).

 

 

بقلم فضيلة الشيخ صادق القطان

١١ يوليو ٢٠٢٥م

 

 

 

 

--------------------

[١]- (الكامل في التاريخ) لابن الأثير.

 

[٢]- (المصطلحات الإسلامية) للسيد مرتضى العسكري.

 

[٣]- الآية ١٤٨ من سورة الأنعام.

 

[٤]- (الإلهيات) للشيخ جعفر السبحاني نقلا عن (الإمامة والسياسة) لابن قتيبة.

 

[٥]- (الملهوف على قتلى الطّفوف) لابن طاووس.

 

[٦]- المصدر السابق.

 

[٧]- (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديد المعتزلي.

 

[٨]- كتاب (الفتوح) لابن أعثم.

Powered by Vivvo CMS v4.7