٨ ـ عقيدتنا في العدل
٨ ـ عقيدتنا في العدل
ونعتقد: أنّ من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية أنّه عادل غير ظالم، فلا يجور في قضائه، ولا يحيف في حكمه؛ يثيب المطيعين، وله أن يجازي العاصين، ولا يكلِّف عباده ما لا يطيقون، ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقّون .
ونعتقد: أنّه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة،
ولا يفعل القبيح؛ لاَنّه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح، مع فرض علمه بحسن الحسن، وقبح القبيح، وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح، فلا الحسن يتضرّر بفعله حتى يحتاج إلى تركه، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله.
وهو مع كل ذلك حكيم؛ لا بدّ أن يكون فعله مطابقاً للحكمة، وعلى حسب النظام الاَكمل .
فلو كان يفعل الظلم والقبح ـ تعالى عن ذلك ـ فانّ الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور:
١ ـ أن يكون جاهلاً بالأمر، فلا يدري أنّه قبيح.
٢ ـ أن يكون عالماً به، ولكنّه مجبور على فعله، وعاجز عن تركه.
٣ ـ أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه، ولكنه محتاج إلى فعله.
٤ ـ أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه، ولا يحتاج إليه، فينحصر في أن يكون فعله له تشهّياً وعبثاً ولهواً.
وكل هذه الصور محال على الله تعالى، وتستلزم النقص فيه وهو محض الكمال، فيجب أن نحكم أنه منزَّه عن الظلم وفعل ما هو قبيح.
غير أن بعض المسلمين جوَّز عليه تعالى فعل القبيح ـ تقدَّست أسماؤه ـ فجوَّز أن يعاقب المطيعين، ويدخل الجنّة العاصين، بل الكافرين، وجوَّز أن يكلِّف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه، ومع ذلك يعاقبهم على تركه، وجوَّز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع، وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة
وفائدة، بحجّة أنّه ﴿لا يُسئَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسئَلونَ﴾
فربُّ أمثال هؤلاء الذين صوَّروه على عقيدتهم الفاسدة: ظالم، جائر، سفيه، لاعب، كاذب، مخادع، يفعل القبيح ويترك الحسن الجميل.
تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، وهذا هو الكفر بعينه، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلْماً للعِبَادِ﴾
وقال: ﴿وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ﴾
وقال:﴿وَمَا خَلَقْنَا الْسَّمواتِ والاَرضَ وَمَا بَيْنَهُما لاعِبِينَ﴾
وقال: ﴿وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ والاِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، سبحانك ما خلقت هذا باطلاً.