٣٨ ـ عقيدتنا في الجور والظلم
٣٨ ـ عقيدتنا في الجور والظلم
من أكبر ما كان يعظِّمه الاَئمة عليهم السلام على الانسان من الذنوب العدوان على الغير والظلم للناس، وذلك اتّباعاً لما جاء في القرآن الكريم من تهويل الظلم واستنكاره، مثل قوله تعالى: ﴿وَلاتَحسَبَنَّ اللهَ غفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّـلِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَوْمٍ تَشخَصُ فيه الاْبصرُ﴾ .
وقد جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام ما يبلغ الغاية في بشاعة الظلم والتنفير منه، كقوله ـ وهو الصادق المصدَّق ـ من كلامه في نهج البلاغة برقم ٢١٩.
«واللهِ لَو أُعطِيتُ الاَقالِيمَ السَّبعةَ بما تَحتَ أَفلاكِها على أنْ أَعصِي اللهَ في نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرةٍ ما فَعَلْتُ» .
وهذا غاية ما يمكن أن يتصوَّره الانسان في التعفُّف عن الظلم، والحذر من الجور، واستنكار عمله.
إنّه لا يظلم نملة في قشرة شعيرة وإن أُعطي الاَقاليم السبعة، فكيف حال من يلغ في دماء المسلمين، وينهب أموال الناس، ويستهين في أعراضهم وكراماتهم؟! كيف يكون قياسه إلى فعل أمير المؤمنين؟! وكيف تكون منزلته من فقهه صلوات الله عليه؟
إنّ هذا هو الاَدب الاِليهي الرفيع الذي يتطلَّبه الدين من البشر.
نعم، إنّ الظلم من أعظم ما حرَّم الله تعالى، فلذا أخذ من أحاديث آل البيت وأدعيتهم المقام الاَوّل في ذمّه وتنفير أتباعهم عنه.
وهذه سياستهم عليهم السلام، وعليها سلوكهم حتّى مع من يعتدي عليهم، ويجترئ على مقامهم.
وقصّة الامام الحسن عليه السلام معروفة في حلمه عن الشامي الذي اجترأ عليه وشتمه، فلاطفه الامام وعطف عليه، حتّى أشعره بسوء فعلته .
وقد قرأت آنفاً في دعاء سيد الساجدين من الاَدب الرفيع في العفو عن المعتدين، وطلب المغفرة لهم، وهو غاية ما يبلغه السموَّ النفسي، والانسانية الكاملة، وإن كان الاعتداء على الظالم بمثل ما اعتدى جائزاً في الشريعة وكذا الدعاء عليه جائز مباح، ولكن الجواز شيء، والعفو ـ الذي هو من مكارم الاَخلاق ـ شيء آخر. بل عند الاَئمّة أنّ المبالغة في الدعاء على الظالم قد تعدّ ظلماً، قال الصادق عليه السلام : «إنّ العبد ليكون مظلوماً فما يزال يدعو حتى يكون ظالماً» أي حتّى يكون ظالماً في دعائه على الظالم بسبب كثرة تكراره.
يا سبحان الله! أيكون الدعاء على الظالم إذا تجاوز الحد ظلماً؟ إذن ما حال من يبتدئ بالظلم والجور، ويعتدي على الناس، أو ينهش أعراضهم، أو ينهب أموالهم، أو يشي عليهم عند الظالمين، أو يخدعهم فيورّطهم في المهلكات، أو ينبزهم ويؤذيهم، أو يتجسّس عليهم؟ ما حال أمثال هؤلاء في فقه آل البيت عليهم السلام .
إنّ أمثال هؤلاء أبعد الناس عن الله تعالى، وأشدّهم إثماً وعقاباً، وأقبحهم أعمالاً وأخلاقاً.