القُرّاء السبعة و القراءات السبع

بواسطة |   |   عدد القراءات : 2144
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

القُرّاء السبعة و القراءات السبع

اشتهر بين المفسرين القرّاء السبعة والقراءات السبع.

أمّا القُرّاء السبعة ، فهم :

1. عبداللّه بن عامر الدمشقي ، ولد عام 8 من الهجرة ، وتوفّي سنة 118.  وتنتهي قراءته إلى عثمان بن  عفان. وله راويان وهما : هشام و ابن ذكوان.

2. ابن كثير المكي : هو عبد اللّه بن كثير بن عمرو المكي الداري ، فارسي الأصل ، ولد عام 195 هـ ، توفـّي عام 291 هـ.  تنتهي قراءته إلى أُبيّ.  وله راويان هما : النبريّ وقُنبل.

3. عاصم بن بهدلة الكوفي : ابن أبي النجود أبو بكر الأسدي ، مولاهم ، الكوفي ، توفّي عام 128 هـ أو 127 هـ.  تنتهي قراءته إلى عليّ.  وله راويان هما : حفص و أبوبكر.

4. أبو عمرو البصري : هو زبان بن العلاء بن عمار المازني البصري ، ولد عام 68 هـ ، وتوفّي 154.  تنتهي قراءته إلى أُبي.  وله راويان هما : الدوري والسوسي.

5. حمزة الكوفي : ابن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الكوفي التميمي ، ولد عام 8 هـ ، توفّـي عام 56 هـ ، وتنتهي قراءته إلى علي وابن مسعود. وله راويان هما : خلف بن هشام و خلاد بن خالد.

6. نافع المدني : هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ، قال ابن الجزري : أحد القُرّاء السبعة والأعلام ، ثقة صالح ، أصله من إصفهان ، توفّي عام 169.  تنتهي قراءته إلى أُبي.وله راويان هما : قالون وورش.

7. الكسائي الكوفي : علي بن حمزة بن عبد اللّه الأسدي ، مولاهم ، من أولاد الفرس.

قال ابن الجزري : الإمام الذي انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيّات. توفّي سنة 189 هـ  ، تنتهي قراءته إلى علي و ابن مسعود.  وله راويان هما : الليث بن خالد و حفص بن عمرو.

هؤلاء هم القرّاء السبعة ، ويليهم ثلاثة غير معروفين وهم :

8. خلف بن هشام البزار : هو خلف بن هشام البزار ، وهو أبو محمد الأسدي البغدادي أحد القُرّاء العشرة ، كان يأخذ بمذهب حمزة إلاّ أنّه خالفه في مائة وعشرين حرفاً ، ولد سنة 150 هـ ، وتوفّي عام 229 هـ.  وله راويان هما :

إسحاق وإدريس.

9. يعقوب بن إسحاق : هو يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي ، مولاهم ، البصري.

قال ابن الجزري : أحد القرّاء العشرة ، مات في ذي الحجة سنة 205 هـ وله ثمان وثمانون سنة. وليعقوب راويان هما : رويس و روح.

10. يزيد بن القعقاع : أبو جعفر المخزومي المدني ، قال ابن الجزري : أحد القرّاء العشرة ، مات بالمدينة عام 130 هـ.  وله راويان هما : عيسى و ابن جماز.

هؤلاء هم القرّاء العشرة ، ذكرنا أسماءهم ومواليدهم ووفياتهم وأسماء الراوين عنهم على وجه موجز ، و من أراد التفصيل فليرجع إلى طبقات القرّاء.

وأمّا الكلام في تواتر قراءتهم ، فإجمال الكلام فيه :

إنّه ادّعى جمع من علماء السنّة تواترها عن النبي ، وانّ هذه القراءات الكثيرة كلّها ممّا صدرت عن النبي وقرأ بها.

ونقل الزرقاني في كتاب « مناهل العرفان » عن السبكي تواتر القراءات العشر ، وأضاف : إنّه أفرط بعضهم فزعم انّ من قال : إنّ القراءات السبع لا يلزم فيها التواتر فقوله : كفر ، ونسب هذا الرأي إلى مفتي البلاد الأندلسية أبي سعيد فرج بن لب. 

أمّا إثبات تواترها عن النبي صفدون إثباته خرط القتاد ، فإنّ من طالع حياة النبي صفي الفترة المكية يقف على أنّ الظروف الحرجة في مكة لم تكن تسمح  له بتلاوة القرآن ونشره بين المسلمين ، فضلاًعن تعليم القراءات السبع لأخص أصحابه.

وأمّا الفترة المدنية ، فقد انشغل فيها النبي صبالأُمور المهمة للغاية من غزواته وحروبه ، إلى بعث سرايا ، إلى عقد العهود والمواثيق مع رؤساء القبائل ، إلى تعليم الأحكام وتلاوة القرآن ، ومحاجّة أهل الكتاب والمنافقين وردّ كيدهم إلى نحورهم ، إلى العديد من الأُمور المهمّة التي تعوق النبي عن التفرّغ إلى بيان القراءات السبع أو العشر التي لو جمعت لعادت بكتاب ضخم.

وأمّا تواترها عن نفس القرّاء ، فقد مرّ انّ كلّ قارئ له راويان ، فكيف تكون قراءاتهم بالنسبة إلينا متواترة؟!

والحقّ أن يقال : إنّ القرآن متواتر بهذه القراءة المعروفة الموجودة بين أيدينا التي يمارسها المسلمون عبر القرون ، وأمّا القراءات العشر أو السبع فليست بمتواترة لا عن النبي ولا عن القرّاء.

وأظهر دليل على عدم تواترها عن النبي هو انّ أصحاب القراءات السبع أو العشر يحتجون على قراءاتهم بوجوه أدبية ، فلو كانت القراءة متصلة بالنبي فما معنى إقامة الدليل على صحّة القراءة؟ فلاحظ أنت كتب التفسير وأخص بالذكر « مجمع البيان » فقد ذكر لاختلاف القراءات حججها عنهم أو عن غيرهم ، وهذا يدل على أنّ القراءات كانت اجتهادات من جانب هؤلاء.

وقد ألّف غير واحد في توجيه القراءات وذكر عللها وحججها كتباً ، منها : « الحجة » لأبي علي الفارسي ، و « المحتسب » لابن جنّي ، و « إملاء ما منّ به الرحمن » لأبي البقاء ، و « الكشف عن وجوه القراءات السبع » لمكي بن طالب.


نظرية أئمة أهل البيت : في القراءات السبع

وفي الختام نذكر ما رواه الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللّه ع حيث سأله عن اختلاف القراءات؟ وقال : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف.

فقال أبو عبد اللّه ع : « كذبوا ـ أعداء اللّه ـ ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد ».

وروى عن  زرارة بسند صحيح عن أبي جعفر ع أنّه قال : « إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكنّ الاختلاف يجيء من قبل الرواة ». 

وما ذكره الإمام ع من أنّ الاختلاف جاء من قِبَلِ الرواة ، يعلم من دراسة أسباب نشوء اختلاف القراءات عبر السنين ، وهذا ما نذكره تالياً.

عوامل نشوء الاختلاف في القراءات

عمد جماعة من كبار الصحابة بعد وفاة النبي صإلى جمع القرآن في مصاحفهم الخاصة ، كعبد اللّه بن مسعود ، وأُبيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، والمقداد بن أسود وأضرابهم ، وهؤلاء قد اختلفوا في ثبت النص أو في كيفية قراءته ، ومن ثمّ اختلفت مصاحف الصحابة الأُولى ، وكان كلّ قطر من أقطار البلاد الإسلامية يقرأ حسب المصحف الذي جمعه الصحابي النازل عندهم.

كان أهل الكوفة يقرأون على قراءة ابن مسعود ، وأهل البصرة على قراءة أبي موسى الأشعري ، وأهل الشام على قراءة أُبي بن كعب ، وهكذا.

واستمر الحال إلى عهد عثمان حتى تفاقم أمر الاختلاف ، ففزع لذلك ثلّة من نُبهاء الأُمّة ـ أمثال الحذيفة بن اليمان ـ وأشاروا إلى عثمان أن يقوم بتوحيد المصاحف قبل أن يذهب كتاب اللّه عرضة الاختلاف.

ومن ثمّ أمر عثمان جماعة بنسخ مصاحف موحّدة ، وإرسالها إلى الأمصار وإلجاء المسلمين على قراءتها ونبذ ما سواها من مصاحف وقراءات أُخرى.

وقد بعث عثمان مع كلّ مصحف من يقرِّئ الناس على الثبت الموحد في تلك المصاحف ، فبعث مع مصحف المكي عبد اللّه بن سائب ، ومع الشامي المغيرة بن شهاب ، ومع الكوفي أبو عبد الرحمن السلمي ، ومع البصري عامر بن قيس ، وهكذا. 

وكان هؤلاء المبعوثون يُقرّئون الناس في كلّ قطر على حسب المصحف المرسل إليهم ، ولكن لم تحسن الغاية المتوخاة من إرسال تلك المصاحف ، لوجود اختلاف في ثبت تلكم المصاحف ، مضافاً إلى عوامل أُخرى ساعدت على هذا الاختلاف ، فكان أهل كلّ قطر يلتزمون بما في مصحفهم من ثبت ، ومن هنا نشأ اختلاف قراءة الأمصار ، مضافاً إلى اختلاف القرّاء الذي كان قبل ذاك ، فصار هناك عاملان لنشوء اختلاف القراءات :

1. اختلاف القُرّاء ( الذين كانوا في الأمصار قبل وصول المصاحف ).

2. وجود الاختلاف في نفس تلك المصاحف الموحّدة حسب الظاهر.

فكان الاختلاف ينسب تارة إلى اختلاف القرّاء ، وأُخرى إلى اختلاف الأمصار التي بعث إليها المصاحف.

 

قال ابن أبي هاشم : إنّ السبب في اختلاف القراءات السبع وغيرها انّ الجهات التي وُجِّهتْ إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة ، وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل ، فثبّت أهل كلّ ناحية على ما كانوا تلقّوه سماعاً عن الصحابة بشرط موافقة الخط ، وتركوا ما يخالف الخط ... ، فمن ثمّ نشأ الاختلاف بين قرّاء الأمصار. 

كلّ ذلك صار سبب لاختلاف القراءات التي ليس لها منشأ سوى نفس القرّاء أو المصاحف الموحدة.

مضافاً إلى عوامل أُخرى ساعدت على هذا الاختلاف ، نذكر منها ما يلي :

1. بداءة الخط

كان الخط عند العرب آنذاك في مرحلة بدائية ، ومن ثمّ لم تستحكم أُصوله ، ولم تتعرف العرب على فنونه والإتقان من رسمه وكتابته الصحيحة ، وكثيراً ما كانت الكلمة تكتب على غير قياس النطق بها ، ولا زال بقي شيء من ذلك في رسم الخط الراهن.

كانوا يكتبون الكلمة ، وفيها تشابه واحتمال وجوه ، فالنون الأخيرة كانت تكتب بشكل لا تفترق عن الراء ، وكذا الواو عن الياء ، وربما كتبوا الميم الأخيرة على شكل الواو ، والعين الوسط كالهاء ، كما ربما يفكّكون بين حروف كلمة واحدة فيكتبون الياء منفصلة عنها ، كما في « يستحي ي » و « نحي ي » و « أُحي ي » أو يحذفونها رأساً كما في « إيلافهم » كتبوها « إلافهم » بلا ياء ، ولذلك قرأ أبو جعفر وفق الرسم بلا ياء ، وربما رسموا التنوين نوناً في الكلمة ، كما في كلمة « كأيّن » في قوله سبحانه : ( فَكَأَيِّن مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَة )  ، كما كتب النون ألفاً في كثير من المواضع منها ( لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَة ) ، ( ولَيَكُوناً مِنَ الصاغِرِين )  وهاتان النونان نون تأكيد خفيفة كتبوها بألف التنوين ، وقوله : ( وَإِذاً لآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنّا أَجْراً عَظِيماً ) كتبوا « إذاً » بدل « إذن » تشبيهاً بالتنوين المنصوب.

كما رسموا ألفاً بعد كثير من واوات زعموا واو الجمع ، وعلى العكس حذفوا كثيراً من ألفات واو الجمع.

فمن الأوّل قوله : ( إنّما أَشكوا بَثّي ) و ( فلا يربوا ) و ( نبلوا أخباركم ) و ( ما تتلوا الشياطين ).

ومن الثاني قوله : ( فاءو ) و ( جاءو ) و ( فباؤ ) و ( تبوّءو الدار ) و ( سعو ) و ( عتو ) و غير ذلك كثير.

2. الخلو من النقط

كان الحرف المعجم يكتب كالحرف المهمل بلا نقط مائزة بين الإعجام والإهمال ، فلا يفرّق بين السين والشين في الكتابة ، ولا بين العين والغين ، أو الراء والزاي ، والباء والتاء والثاء والياء ، أو الفاء عن القاف ، أو الجيم والحاء والخاء ، والدال عن الذال ، أو الصاد عن الضاد ، أو الطاء عن الظاء ، فكان على القارئ نفسه أن يميّز بحسب القرائن الموجودة أنّها باء أو ياء ، جيم أو حاء ، و هكذا.

من ذلك قراءة الكسائي : « إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبأ فتثبتوا » وقرأ الباقون : « فتبيّنواد؟ »


وقرأ ابن عامر والكوفيون « ننشزها » وقرأ الباقون « ننشرها ».

وقرأ ابن عامر وحفص : « ويكفِّر عنكم » و قرأ الباقون : « نكفِّر ». 

وقرأ ابن السميفع : « فاليوم ننحيك ببدنك » والباقون « ننجّيك ». 

وقرأ الكوفيون غيرعاصم : « لنثوينهم من الجنّة غُرفاً » و الباقون « لنبوِّئنّهم » ، وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً. 

3. إسقاط الألفات

كان الخط العربي الكوفي منحدراًعن خط السريان ، وكانوا لا يكتبون الالفات الممدودة في ثنايا الكلم ، وقد كتبوا القرآن بالخط الكوفي على نفس المنهج ، فصار ذلك سبباً لاختلاف القراءات.

1. قرأ الكوفيون « أَلم نجعل الأَرض مهداً » بدل مهاداً ، لأنّها كتبت في المصحف بلا ألف.

2. قرأ حمزة والكسائي وشعبة « وحرم » بكسر الحاء وسكون الراء بدل « وحرام على قرية »  لأنّها كتبت في المصحف بلا ألف.

3. قرأ أبو جعفر و البصريون « وَإِذْ وعدنا موسى أربعين ليلة »  بدل « واعدنا » ، لأنّها كتبت هكذا في القرآن ، وهكذا سائر الموارد التي نجم الاختلاف فيها من إسقاط الألف في الكتابة وقراءته في اللفظ.

 

4.تأثير اللهجة

لا شكّ انّ كلّ أُمّة وإن كانت ذات لغة واحدة لكن لهجاتها تختلف حسب تعدّد القبائل والأفخاذ المنشعبة منها ، فهكذا كانت القبائل العربية تختلف بعضها في اللهجة وفي التعبير والأداء ، وقد سبّب ذلك اختلافاً في القراءة.

1. اختلافهم في الحركات : مثل « نستعين » بفتح النون وهي لغة قيس وأسد ، وكسر النون لغة غيرهم ؛ ومثل « معكم » بفتح العين وكسره.

2. اختلافهم في الهمزة والتليين : نحو « مستهزؤن » و « مستهزون ».

3. اختلافهم في التقديم والتأخير : تقول العرب صاعقة وصواعق وبه نزل القرآن ، وبنو تميم يقولوا : « صاقعة » و « صواقع ».

4. اختلافهم في الإثبات والحذف نحو « استحيت » و « استحييت ».

5. اختلافهم في النبر بالياء والواو أي تبدلهما همزة ، يقولون يا « نبئ اللّه » مكان « يا نبي اللّه » ، وكانت هذيل تقلب الواو المكسورة همزة ، فتقول : « إعاء » بدل « وعاء ».

قال سيبويه : بلغنا انّ قوماً من الحجاز من أهل التحقيق يهمزون « نبي » و « بريئة » مكان نبي و بريّة.

ولماحجّ المهدي قدم المدينة ، فقدم الكسائي ليصلّي بالناس فهمز ، فأنكر عليه أهل المدينة وقالوا : إنّه ينبر في مسجد رسول اللّه بالقرآن.

إلى غير ذلك من موارد اختلاف اللهجة التي سبّبت اختلافاً في القراءة.

وهذا الاختلاف بين القبائل كان قد يعظم ويشتدّ ، كالخلاف بين القبائل العدنانية في الحجاز ، والقبائل القحطانية في اليمن ، سواء في المفردات والتراكيب أم في اللهجات ، حتى قال أبو عمرو بن العلاء : ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ، ولا عربيّتهم بعربيّتنا.


Powered by Vivvo CMS v4.7