• Post on Facebook
  • Twitter
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
الأكثر شعبية

قضاء حوائج الناس- سماحة السيد محمد محمد صادق الصدر

بواسطة |   |   عدد القراءات : 3121
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

موعظة حول قضاء حوائج الناس



أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم

توكلت على الله رب العالمين

وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين

بسم الله الرحمن الرحيم

إذا جاءك إنسان طالب حاجة، فأنت ماذا ينبغي أن يكون رد فعلك؟ ــ أنا لا اقصد تجاه طالب الحاجة, بل تجاه الله سبحانه وتعالى.

كل شيء له علاقة بالله سبحانه وتعالى حتى هذا الطلب ــ فأما أن تقول : لماذا وما السبب وهذا يريد أن (يخويني)([١]), وينقص وارداتي ولو بفلس واحد, وأما لا, تقول: هذا من النعم, لأنه سبب الثواب, الله أرسله لك لأنه كريم عليك, ويعطيك فرصة جديدة للطاعة, وهي قضاء حاجة المؤمن, أو قضاء حاجة المحتاج (ولكل كبد حرى أجر)[[٢]] على أية حال.

هذا بالنسبة لك, أما هو إذا كان المطلوب مثلاً: المال ونحو ذلك لا، فهو اقرب إلى الخسارة منه إلى النفع ـــ النفع لك وليس له ــ النفع للمطلوب منه وليس النفع للطالب, لان الطالب إنما يطلب شيئاً من الدنيا مهما قلَّ, ويعاكسه ويزاحمه الذلة التي سوف ينالها(حبيبي)، هل تستحق الذلة بإزاء المبلغ الذي يأخذه مثلا؟ إذن, لا دنيا ولا آخرة, الدنيا مكسورة بالذلة, والآخرة لا ثواب فيها على مثل هذا العمل، طبعاً لأنه إنما طلب الدنيا, وطلب الدنيا لا ثواب عليه. لكنه جيد للمعطي, لان المعطي المفروض أن يكون مخلصاً أمام الله سبحانه وتعالى, ويحصل بذلك أجرا واقتضاء رضا الله سبحانه وتعالى فيه.

لنمشي قدماً بهذا الاتجاه, وذلك بان نتصور طبعاً أكيدا, انه ليس قضاء الحاجة فقط للمتسولين الذين يمدون أيديهم. لا، وإنما بأشكال مختلفة بطبيعة الحال، قضاء الحاجات بأشكال مختلفة, منها نفسية, ومنها علمية, ومنها صحية, ومنها عقلية, ومنها إيمانية, هذا الذي يسألك مثلا ربما عامي أو اعتيادي, ربما تحصل له شبهه في تاريخ المعصومين, أو في بعض أصول الدين, أو في يوم القيامة, يأتي ويسألك هو سائل لقضاء حاجته, لان الرجل طالب حق وغير راضٍ عن الشبهة, فيريد أن تناقشها و ترفعها له, فأنت حينما تجيب عن ذلك إنما تقضي حاجته لله سبحانه وتعالى, تستطيع أن تقول له اذهب أنا ليس لي مزاج وليس عندي وقت, ولكنك حينما تضحي ولو بهذا المقدار من الفكر القليل, أو الزمان القليل أو الكثير قد يكون نحن لا نعلم حسب الشبهة ــ محل الشاهد ــ فإنما أنت تُحَصِّل اكثر مما هو يُحَصِّل, ومن ذلك طلابك الذين يقرؤون عندك أي شيء من (الاجرومية إلى الخارج إلى اللمعة إلى الكفاية إلى المكاسب)[[٣]]أيضا أصحاب حاجة, يريد أن يربي نفسه ليس اكثر من ذلك, وجعل أستاذه سبب لتربيته، وينبغي إبلاغ أحسن ما تعتقد اليه, اختار من القول أحسنه, لا أن تعطيه السيء من القول والعياذ بالله, أو الشبهات أو نحو ذلك من الأمور، فيكون من قبيل الحكمة ربما حديث : (كسرته وعليك جبره)[[٤]] وإنما ينبغي أن تقوِّمه لا أن تكسره بطبيعة الحال. انتهينا من هذا.

فمن هذه الناحية طبعاً مسؤولية الطالب ــ أي سائل - حرمان السائل هلاك: (إذا صدق السائل هلك المسؤول) بما فيهم الأصناف والحصص كلها, إذا صدق السائل وحرمته, أي حرمته من حاجته الحقيقية, إما أن تطرده بهذا الشكل, وإما لا أن تعطيه خزفا بدل المال ــ بالرمز ــ أن تعطيه باطلا بدل الحق أيضا حرمته, حقه أن تقربه الى الله نفسيا أو عقليا أو علميا أو أي شيء, فأنت أبعدته عن الله من حيث تعلم, (بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ )[[٥]] حينئذٍ تكون قد غششته, ما هو الفرق بين خلط الحليب بالماء !, أو خلط الحق بالباطل!, أو خلط العلم بالجهل!, نفس الشيء, بل هذا أقذر بملايين المرات (حبيبي).



من ذاك الطرف يقال : (لان يهدي الله ــ طبعاً هو صحيح يقال ــ لان يهدي الله بك رجلاً واحداً خير مما طلعت عليه الشمس, أو خير لك من حمر النعم)[[٦]] كيف؟ إنه أعطيته الحق, أو أقصى ما تعرف من الحق جزاك الله خيراً. أنا لا أقول: انه يمكن للإنسان أن يعطي اكثر من مستواه لا، ما ممكن ، لكنه الموجود عندك أعطيته، الفقير يعطي درهماً والغني يعطي مليون درهماً (كل واحد ومدت أيده)[[٧]].

هذا أيضا عقلياً ومالياً واجتماعياً أيضا بهذا الشكل, ومن الطرف الآخر يقال ماذا ؟ (لان يُضِّل الله بك رجلا واحدا) ذاك يهدي الله هذا يضل, فماذا تكون النتيجة؟ طبعا هي الحكمة لا تقول شيئا هنا لكنه تحذر طبعا بها (جرت حبل)[[٨]].

والإضلال دقي, كما أن الشرك دقي, قد يكون حتى في مرحلة كفاية الأصول, قد يكون حتى في مرحلة المكاسب, قد يكون حتى في فروع الدين, قد يكون حتى في أصول الدين, قد يكون حتى في المفاهيم الحوزوية, أو المفاهيم الاجتماعية, أي شيء إضلال ولو قليل.

فلذا (أن الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء)[[٩]], كذلك الأفكار الضالة والعياذ بالله, لأنها قضية بسيطة من محمول وموضوع فقط, أو ربما نَفَس, أو ربما حركة عين, أو ربما ابتسامة هي مُضِلَّة والعياذ بالله يراها منك كدلالة غير لفظية, قد تكون لفظية وقد لا تكون لفظية, على شيء ما يُغْضِّب الله سبحانه وتعالى, فمن هذه الناحية نكون مسؤولين, طبعا ليست الحوزة فقط, بل كل البشرية هكذا, لكنها من حيث تشعر أو لا تشعر أنا لا ادري.

الخطوة الأخرى في نفس هذا الاتجاه, إن من جملة المحتاجين علمياً واجتماعياً وأخلاقيا زوجتك وأولادك وهم فقراء، طبعاً هم ناظرين إلى الأسباب فقراء إليك ، إن نظرنا إلى مسبب الأسباب فكلنا فقراء إلى الله, وهذا أكيد لكن إذا نظرنا إلى الأسباب إنما هم فقراء إليك تمثلهم بصخرة ضخمة، إما أن نقول أنها فوق الظهر, وإما أن نقول أنها معلقة بالعنق, وينبغي أن تخرج من مسؤوليتها.



النفقة الواجبة، صح فقهياً نقول أنها تتمثل بالمال, والحصة المنحصرة لها هي المال لا, النفقة الواجبة أشكال مختلفة تجاه الزوجة شكل,وتجاه الولد الصغير شكل, وتجاه الولد الكبير شكل أيضاً، نفس ما قلناه بالنسبة إلى الطالب مائة بالمائة ينطبق على الأولاد وعلى الزوجة, ربما أيضا ضلال بسيط يكون سبب لإضلال زيد من الناس من أولادك أو عمر أو بكر أو خالد أيضا بنسبة ضئيلة وبنسبة كبيرة والعياذ بالله , فيجب عليك إعطاءهم أمام الله, ولست أنا المفتي, إعطاءهم أقصى ما تعرف من الحق, حتى تكون ناصحا لهم ومخلصا في تربيتهم.

وأما أن تكون على خلاف ذلك مهما قل, وأما من حام حول الشبهات وقع في المحرمات [[١٠]], مرة انه أنا أحوم حول الشبهات, أي بنفسي وعقلي أكاد أن أقع في المحرمات وهذا أكيد, وأيضا اجعل غيري يحوم حول الشبهات بتسبيبي والعياذ بالله, أيضا المسألة نفس النتيجة تصبح بالتأكيد هكذا, وان كان قد تستعبدون هذا المعنى كشجرة الزقوم, أي تثمر وتتفرع في قلوب الناس من حيث تعلم أو لا تعلم, ويكون إثمها كله عليك: [إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ ] [[١١]] كلهم يدخلون جهنم بسببك وأنت تكون أشدهم عذابا, سيد محمد الصدر يكون أشدهم عذابا من هذه الناحية.

لماذا ؟ لأن رأس الخيط كان بيدك لولا هذه الكلمة, أو هذه الابتسامة, أو لو لا هذه الحركة, أو لو لا هذا البكاء مثلا لما ضل صاحبك, ولكنه قد ضل, إذن فأنت سببه.

طبعاً نحن لا نقول بالجبر بكل تأكيد، فان هذا كله من الفرص للطاعة المفتوحة للإنسان، لكن ينبغي أن يكون على مستوى المسؤولية, يعطيها حقها لا يعطيها باطلها, وهي فرصة مفتوحة لكل إنسان طبعاً, ولكنها مفتوحة للحوزة اكثر بكثير, وبأضعاف مضاعفة مما هي مفتوحة للغير.

هذا من ناحية، والدقة التي يستطيع أن يمشي بها رجل الدين أو المتفقه أو الدارس أو المجتهد, اكثر في تربية الآخرين, من الدقة التي يستطيع أن يمشي بها زيد وعبيد أن يربي بها الآخرين, أو حتى أولاده, أو حتى زوجته, أو حتى إخوته, أنت تستطيع أن تفعل اكثر مما يفعلون بكثير, إن لم يكن ماليا فبما هو أحسن من المال, العلم يحرسك وأنت تحرس المال, كما يقال بهذا المضمون: ( رجال المال ماتوا ولم يخلفوا أثرا, ولكن رجال العلم أشباههم مفقودة, وأمثلتهم في القلوب موجودة ).

إذن, لا يقاس العلم بالمال بأي طريقة من الطرق أكيدا, من جملة الفرص المفتوحة للحوزة, الاطلاع على العلوم الدنيوية, والتدقيق فيها بمقدار ما هو ممكن طبعاً, هذا أيضا ضروري, وطبعاً أنا فتحت باباً, ولست أنا الذي فتحه, ربما قبل قرن مفتوح هذا الشيء حينما بدأت نتائج العلوم الأوربية تصل إلينا أصبح المتشرعة يقارنون بينها وبين الدين بطبيعة الحال, من قبيل تفسير طنطاوي جوهري كله بناه على العلم الذي كان يعتقد صحته في زمانه في تفسير الآيات القرآنية ــ محل الشاهد ــ أن سرايته للفقه كانت نادرة, كأنما العلوم الحديثة سرت للتفسير كشيء أساسي, لكن سرايتها للفقه كانت نادرة، إلا هذه الكتيبات التي بعنوان المسائل المستحدثة التي تمثل جزء من النادر ليس اكثر من ذلك، لكنه طبعاً أنا فتحتها من خلال ــ هذا بتوفيق ربي, أنا لا امدح نفسي, إنما ينبغي أن امدح نعمة الله سبحانه وتعالى ليس اكثر من ذلك, إطلاقا ولا بمقدار شعرة محل الشاهد ــ في ماوراء الفقه الذي هو قدم, كتجربة بسيطة أولية يمكن الاستزادة منها ألف بالمليون أو مليون بالمليون، وذلك لأنه من قبيل الكلي القابل للانطباق على كثير، حصة منه ماوراء الفقه, والحصص الأخرى قابلة لان تتلو وتندرج وتتكثر بكل تأكيد هكذا، فالمهم على إن هذا رزق مقسوم للحوزة ولغير الحوزة أيضا, ولكن غير الحوزة أو غير الحوزوي لا يفكر بأن يقارن بينه وبين الدين, لا يفكر يقول بأن هذا صحيح أو غير صحيح, المهم انه يهمل الدين، ولكن الحوزة والمتشرعة والمتفقهة، لا، يطبقون هذه الأفكار على القرآن وعلى السنة وعلى الارتكازات المتشرعية، فما صح منها خذوه وما بطل منها فليولي، نحن نقدم ما عندنا، لا نقدم ما عندهم.

احد الشيوخ لا أريد أن اسميه ــ من المحبين جزاه الله خيرا ــ قال لي بصراحة أنا قبل أن اقرأ ــ طبعا هو متشرع وخيِّر من زمان ــ لكنه قبل أن يقرأ ما وراء الفقه كان يعتقد بعظمة وأهمية العلم الأوربي, والتجارب والكذا والكذا الواردة ألينا منهم, لما قرأ ما وراء الفقه, الذي هو عبارة عن كتاب الصلاة ونحو ذلك, إن الزلزلة ما هو سببها والخسوف والكسوف ما هو سببهما وكيت وكيت, إشكالات ونقوض على العلم الحديث فيها, قال : كفرت بالعلم الحديث, هذا الاحترام كله زال, سقط من نظري بالمرة على كل حال.

هذا صار سببا لان أكون بهذا المعنى ( لان يهدي الله بك رجلا واحدا خير مما طلعت عليه الشمس), يقدس أفكار المسيحيين واليهود ويدع أفكار أمير المؤمنين ــ لو صح التعبير ــ والمعصومين سلام الله عليهم , ليس لها معنى , على كل حال , لماذا؟ لان السكوت هو الذي وصلنا الى هذه الدرجة, هم ناطقون مدعومون بالمال والسلاح والإعلام والإذاعات والتلفزيونات , ونحن ساكتون وجالسون , إذن طبعا هم يؤثرون على العقول الجاهلة, ونحن لا نؤثر على العقول الجاهلة, باختصار شديد,

لكن لما تكون لنا فرصة النطق (إذا ظهر الجهل وكتم العالم علمه ــ ماذا تكون نتيجته- فليتبوأ مقعده من النار، أو ــ ماذا ــ فعليه لعنه الله) ــ هذا طبعاً في حدود الإمكان, ولا نستطيع أن نقول غير ممكن مائة بالمائة.

إذن, فنحن كاذبون حقيقة وعلينا لعنة الله(سبحان الله) بمقدار ما هو ممكن, أنت اخرج صوتك لا يصح أن تسكت مائة بالمائة, إنما هو لمصلحتك الدنيوية فقط, تأكل حق الإمام وتنام (حبيبي)!!.

لا, إذن, أنت مجرم ذاك البعيد ليس اكثر من ذلك, الذي يرضى فليرضى والذي لا يرضى (فليلبس الباب)[[١٢]], هكذا يقول السيد محمد الصدر, وهكذا يقول علي بن أبي طالب D, هو الرجل لم يقصر, علي بن أبي طالب كان يخطب, فمن منكم يخطب سبحان الله, إذا كان لنا أسوة برسول الله, إذن, رسول الله كان يخطب, إذن, أمير المؤمنين كان يخطب, فلماذا لا نخطب, ونفهم الناس, ولا نواجه المجتمع وبعد هذا تكون صلاة الجمعة عند البعض فتنة [[١٣]], على كل حال أنا احتسبها الى رب العالمين.

الشيء الآخر الذي بهذا الصدد يمكن أن يقال أيضا: من النعم المفتوحة للحوزة, والتي قل الالتفات إليها في الحوزة, وقل تثمينها في الحوزة, يوجد هناك حقل إنساني كبير ــ عند أهل الدنيا طبعاً ــ وهو القانون, هو جداً كبير, ذو حصص عديدة القانون الدولي والأحوال الشخصية والعقوبات والمحاكم على مراتب متعددة ... الخ.

لا يخفى عليكم أن القوى الدنيوية أربعة:

القوة التشريعية: الذي هو مجلس النواب و الشيوخ .

والقوة التنفيذية: الذي هو مجلس الوزراء والحكومة.

والقوة الثالثة: القضاء والقانون.

والقوة الرابعة: الصحافة والإعلام ــ محل الشاهد ــ , هذا أنا أحفظه منذ زمن وليس جديدا, فبالنسبة الى القانون الذي القضاء حصة منه, وإلا ليست كل القوانين قضائية, القانون الدولي ليس قضائيا, لكن جملة من مواد القانون تنزل للقضاء, بهذا المعنى نحن لا دخل لنا, ليس في واقعنا المعاصر كل العالم يؤمن به ونحن لا دخل لنا به!!.

إذن, الخلل بنا أيضا( فليظهر العالم علمه وإلا فعليه لعنة الله)[[١٤]].

ولنا تجاهه (القانون) موقفان:

موقف, بيننا وبين الله.

وموقف, وبيننا وبين الدنيا.

أما الذي بيننا وبين الله, نحن على حق, لان النظام العادل الحقيقي عندنا, سواء على مستوى الحكم الواقعي, أو على مستوى الحكم الظاهري, النظام المبريء للذمة مائة بالمائة هو موجود عندنا فقط, وليس القانون مبريء للذمة, وليست المذاهب مبرئة للذمة, وليست الأديان مبرئة للذمة, الا الحق الذي نعتقد به,وهذا صحيح وهو يكفي أيضا للدنيا والآخرة وهذا صحيح, ولا حاجة الى أن ننظر الى مادة قانونية أصلا وهذا صحيح, نحن ندخل الجنة سواءا ناقشنا القانون الدولي أم لم نناقش القانون الدولي, لا الكلام ليس في ذلك, المسالة بالضبط مثل ما قلت بالنسبة الى العلوم الحديثة, أوربا جاءت بعلوم نظرية وعلوم عملية, شيء باصطلاحنا يرتبط بالعقل النظري, الفيزياء والكيمياء والطب والفلك والجيولوجيا وغير ذلك, شيء يرتبط بالعقل العملي, وهو القانون اعمل ولا تعمل, هذا عدل وهذا ظلم, كله مسؤولية الحوزة ليس اكثر من ذلك, فليظهر علمه النظري وبعد ذلك ليظهر علمه العملي, وإلا فعليه لعنة الله.

ماذا يعني :

قلت لكم إن هذا من الناحية العملية لا أهمية له إطلاقا، أمام طاعة الله سبحانه وتعالى، لكنه من ناحية تأثر الناس به, وأنا أقول لك الناس بالقانون اكثر بكثير أو على الأقل يساوي تأثرهم بالعلم الحديث, احترامهم للقانون يساوي احترامهم للعلم الحديث أو اكثر، العلم الحديث مجرد نظرية آمنتُ بها أو لم أؤمن غير مهم، لكن القانون عليَّ أن أطيعه, أن أتزوج على غراره, أن ألد على غراره، الدائن والمديون, والجاني والمجني عليه, وكذا وكذا، هذا كله موجود، فإذا كان المطلب هكذا, سوف يصبح الموضوع (قال الله وأقول), أنا احترام شريعة الله واحترم الشريعة المخالفة لله سبحانه وتعالى أيَّن كان مصدرها، أو أن خارج الحوزة هؤلاء المتأثرون بمثل هذه الأمور ويحترمونها الآن, مثلاً الأمم المتحدة شبح كبير جدا, مجلس الأمن شبح كبير جدا, حزب الناتو شبح كبير جدا, في حين انه أمام الله ليست شيئا إطلاقا إنما هي من قبيل ــ وان كان ليس
لطيفا ــ بيضة جائفة فيها ديدان تتحرك ليس اكثر من ذلك أمام الله هكذا، لكنه نحن فلنتكلم مهما قل كلامنا, ومهما رمز كلامنا ليس بالضرورة أن يكون بصراحة شديدة, ولو بصراحة قليلة، أو لبعض الناس الذي يثقون بنا أو نثق بهم, إذا كانت المسألة فيها شيء من التقية.

أما انه لا، لا يهم نحن لا دخل لنا, ونترك الأمور خلف ظهورنا, (وشيصير خل يصير)[[١٥]]. إذن, فقد كتمت علمي, وكتمت علمك, وإذن نستحق ذاك المحمول, وهو علينا لعنة الله، فمن هذه الناحية النظام والقانون أيضا تأثر الناس به كبير جدا, في حين انه مما لا ينبغي أن يكون ذلك نحن لدينا شريعتنا, وعندنا قانوننا, وعندنا تعاليمنا, وعندنا عدالتنا, فحينئذ نلتفت الى عدالة غيرنا, الذي هو من صنع البشر, ومن صنع المخلوق كائنا من كان, طبعا هذا ليس بصحيح, هل إن الأحسن والأكثر اطلاعا على الواقعيات والعدالة هو الله سبحانه وتعالى, أو هو البشر مهما كان, افترض متجرد مائة بالمائة, لكن عقله لا يساعد على التوسع الحقيقي الذي هو مدرك لله وللمعصومين سلام الله عليهم على أن المتجرد غير موجود, المتجرد مائة بالمائة الا المعصومين سلام الله عليهم, طبعا واضعي القانون كائنا من كانوا ليسوا معصومين, لهم مصالحهم ولهم طبقتهم ولهم تجارتهم ولهم علاقاتهم، طبعاً سوف تؤثر الجهات النفسية من هذه الناحية في المواد القانونية التي يضعونها، وهذا مجرب في كل الدول ليس شيئاً جديدا, وإنما هو إذا كان الإنسان يلتفت قليلاً (خيط رأسه باليد) ليس اكثر من ذلك, فطبعاً الشيوعية تدافع عن شيوعيتها في قانونها، والرأسمالية في قانونها وهكذا, وهكذا كلهم بهذا الشكل، فمن هذه الناحية ماذا تكون الحال، من الذي يكون الخاسر إلا الدين والمتدينين والمتشرعة. يكفي إلى هنا جزاكم الله خيراً.



([١]) (يخويني) مصطلح باللغة العراقية الدارجة ومعناها : يبتزني.

[[٢]] ورد هذا المضمون في بعض النصوص. راجع الوسائل: باب ١٩ ــ ٤٩ من ابواب الصدقة, وعوالي اللئالي: ج٢ ص٢٦٠, حديث ١٥. 

[[٣]] دروس ومراحل حوزوية.

[[٤]] انظر الخصال للشيخ الصدوق: ص٤٤٨, الكافي للكليني: ج٢ ص٤٥.

ونص الحديث : عن عبد العزيز ألقراطيسي قال: قال أبو عبد الله D : يا عبد العزيز إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة, فلا يقولن صاحب الواحد لصاحب الاثنين: لست عل شيء حتى ينتهي الى العاشرة, ولا تسقط من هو دونك فيسقطك الذي هو فوقك فإذا رأيت من هو أسفل منك, فارفعه إليك برفق, ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره فإنه من كسر مؤمنا فعليه جبره. وكان المقداد في الثامنة, وأبو ذر في التاسعة, وسلمان في العاشرة.

[[٥]] سورة القيامة: الآية ١٤.

[[٦]] انظر: بحار الأنوار, ج١ ص١٨٤, قال ٩: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير من أن يكون لك حمرُ النعم.ومنية المريد للشهيد الثاني ص١٠١: قال ٩ لمعاذ: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداُ خير لك من الدنيا وما فيها.

والكافي: ج٥ص٢٨: علي بن إبراهيم, عن أبيه, عن النوفلي, عن ألسكوني, عن أبي عبد الله D , قال: قال أمير المؤمنين(صلوات الله عليه): بعثني رسول الله ٩ الى اليمن وقال لي: يا علي لا تقاتلن أحدا حتى تدعوه, وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت, ولك ولاؤه يا علي.

[[٧]] مثل شعبي معناه: كل إنسان يعطي بحسب استطاعته .

[[٨]] مثل شعبي يقال إذا أردت أن تشد من عزم الأمور, أو تضيق عليها.

[[٩]] انظر رسائل الشهيد الثاني(زين الدين الجبعي العاملي) ص١٤٦.

[[١٠]] ورد الحديث الصحيح عن رسول الله ٩: إنه من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

[[١١]] سورة الدخان: الآية ٤٣ ــ٤٧.

[[١٢]] مثل شعبي معناه: ترك الشيء برمته والخروج خارجا.

[[١٣]] لا يخفى أن الكثير من المتشرعة والفضلاء في حوزة النجف وقفوا ضدَّ صلاة الجمعة المباركة عندما أقامها السيد الشهيد الصدر P في العراق, ومن جملة ما قالوه عنها بأنها فتنة, وبأنه لا يقيمها الا المعصوم... الخ.

[[١٤]] انظر بحار الأنوار للمجلسي: ج٥٤ ص٢٣٤.

الحديث: عن رسول الله ٩ قال: إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه, وإلا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

[[١٥]] مثل شعبي يضرب لعدم المبالاة بالأشياء.

Powered by Vivvo CMS v4.7