الشياطين مغلولة في شهر رمضان فمن اين هذا المنكر !؟
بقلم: الشيخ ميثم الفريجي
الوارد في ضمن خطبة النبي الاكرم صلى الله عليه واله التي استقبل فيها شهر رمضان المباركة : (والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم الا يسلطها عليكم) ، ومع ذلك نحن نلاحظ وجود المنكرات والموبقات التي تنتهك حرمة هذا الشهر الكريم ، و لا شك أنّ هذه الاعمال وراؤها أيدي الشياطين ...فكيف يمكن ان نفهم معنى الغل الوارد في الخطبة المباركة ؟
لكي يتّضح الجواب بشكل جلي لنمهّد الكلام بمقدمة مفيدة نذكر فيها :
1/ ما هو مقدار سلطة الشياطين على الناس ؟
2/ وما هي آلياتهم وخططهم في اضلال الناس ؟
فنقول :
اذا رجعنا الى كتاب الله تبارك وتعالى وتدبّرنا في آياته :(( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ )) محمد :24 ، سيتبين لنا ان لابليس ومردته من الشياطين دورا في أغواء بني البشر وإضلالهم ، ولكن هذا الدور لا يتعدّى عن اكثر من الوسوسة وتزيين الباطل لهم ، وليس له ومردته ايّ سلطان على الناس سوى الدعوة لإتّباع خطواتهم والركون اليهم
كما يحكي لنا القرآن الكريم عن لسان ابليس فيقول :(( وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ علَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) ابراهيم : 22
فأذا علمنا ان وظيفة الشيطان هي الدعوة الى الباطل من خلال الوسوسة والتزيين ولا سلطان له اطلاقا على بني البشر
يتضح لنا انَّ تصفيد الشياطين وأغلالهم كما جاء في الخطبة الرمضانية للنبي (صلى الله عليه واله ) في قوله :(( والشياطين مغلولة فأسألوا ربَّكم ان لا يسلطها عليكم )) له أحد معنيين :
الاول / عدم المقتضي أصلا ، بمعنى انتفاء وسوستهم وتزيينهم ودعوتهم الى الباطل ، وكأنَّهم قد آيسوا من اغواء الناس فغلت ايديهم ببركة شهر رمضان المبارك حيث الطاقة الروحية التي يتزوّد بها المؤمن ، ولكن يبقى هذا المعنى لخواص المؤمنين الذين حقّقوا المعنى الحقيقي للصوم وسموا بارواحهم الى الملكوت الاعلى فصارت اجسادهم وجوارحهم وجوانحهم طوع اشارة ارواحهم وعقولهم من محلّها السامي وهو المعبّر عنه ( بصوم خاصة الخاصة )
روى جابر بن يزيد عن الامام الباقر (عليه السلام) قال : قال النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لجابر بن عبدالله : يا جابر هذا شهر رمضان مَن صام نهاره وقام ورداً من ليلته وصان بطنه وفرجه وحفظ لسانه لخرج من الذّنوب كما يخرج من الشّهر ، قال جابر : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أحسنه من حديث ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : وما أصعبها من شروط .
الثاني / ايجاد المانع ، بمعنى وجود الوسوسة والتزيين والدعوة الى الباطل ولكنَّها لا تؤثر ولا تجدي نفعاً لما يحمله شهر رمضان المبارك من الطاقة الروحية والمد المعنوي بحيث يوفّر سبل الهداية للناس وصدّ الشياطين واغلاق الابواب امامهم .
خاصة مع الالتفات الى ما يحمله الصيام من تضييق على مداخل الشياطين ، ويضعّف قوى النفس عن الميل الى اللذات و الشهوات فكان من أهم الوسائل التي شرّعها الله تبارك وتعالى لعباده لتعينهم في طريق السير نحو التكامل ، قال تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (البقرة : 45) والصوم من أوضح مصاديق الصبر .
وهذا المعنى قريب من صوم الخاصة من المؤمنين
ومع ذلك فأنَّ الشياطين لا تغلّ عن جميع الناس ، فهناك الكثير منهم لا يحقّق ايّ معنى من هذين المعنيين ، وأنَّما بعضهم من اولياء الشيطان نفسه كما يحكي القران لنا ذلك ، بل هم في الحقيقة شياطين
قال تعالى :(( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )) الانعام : 112
وهؤلاء هم الاشقياء الذين نعتهم رسول الله صلى الله عليه واله بقوله :(( فأن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم )) على كثرة بركته ورحمته ومغفرته فأنفاسكم فيه تسبيح ، ونومكم في عبادة ، وعملكم في مقبول ، ودعاؤكم في مستجاب ومع ذلك يوجد اشقياء يحرمون من هذه النعم وتبقى الشيطان تسرح وتمرح معهم بل هم الشيطان فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
والله المستعان وعليه التكلان