دعوى احمد بن الحسن السلمي

بواسطة |   |   عدد القراءات : 2034
حجم الخط: Decrease font Enlarge font

(دعوى احمد بن الحسن السلمي)

 

في حلقة سابقة تحدثنا عن هذا المدعي نسبا بالمهدي عليه السلام  ونظرا لما يسببه هذا الانتساب المزيف من ايذاء للإمام ولقضيته, فسنكمل الحديث عن المدعى ومصير من يدعي

 

من يدعي انه ولدٌ للامام المهدي فالعنوه

يقول تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا))

 

  ان انشداد الجماهير الى كل ما يرتبط بالامام المهدي عليه السلام  ويقرب ظهوره المبارك جعل من البعض وممن يحسب رصيده على التشيع بدلاً من ان يستثمر هذه الجذوة الوقادة في نفوس الشيعة ومحبي الامام  عليه السلام  راح يستغلها ضد عقيدة هؤلاء المؤمنين بإمامهم ليمهد الطريق لآخرين ليفعلوا أفعالاً تؤثر على نفوس الشيعة,كي تخفت هذه الجذوة والتي ظناً منه  انه سوف يطفئها  في يوم من الايام,  الا ان الله تعالى الذي حفظ هذا النور وادام ضياءه يأبى الا ان يتم نوره ولو كره هؤلاء المزيفون المنحرفون.

 

 

 

 ومن بين النماذج الانحرافية التي تعيشها ساحتنا اليوم  هي (دعوى) احمد السلمي ابوة الامام المهدي النسبية له, وان الامام  عليه السلام -بدلاً من اسماعيل كاطع-هو  ابوه الذي اولده من امه، ورغم ان هذه الدعوى لا يمكن تصديقها بحال, لما يكتنفها بعد التدقيق والتأمل من مخالفة لأبسط الموازين الشرعية وارتكاب لأوضح المحظورات الدينية. ونحن لا نريد الخوض في تفاصيل ذلك بل نكتفي بالاشارة الى ان الانتساب الصلبي لهذا المدعي البنوة للامام المهدي عليه السلام  يعني مخالفةً لضرورة من ضرورات الاسلام في باب النكاح.

 

وحيث ان هذه الدعوى واضحة البطلان ولا تحتاج الى اكثر من ان ينّبه عليها المؤمنون لكي لا يستدرجوا ويستغلوا في عواطفهم استغلالاً سلبياً من قبل فئات ارتبطت  ارتباطا واضحا بايادٍ تهدف الى اسقاط مذهب اهل البيت K في عيون معتنقيه وفي عيون العالم بعد ان اضحى ينتشر بين افراد العالم كانتشار النور في الظلام,  الا اننا نريد ان نلفت الانتباه الى ضرورةٍ تسالم عليها علماء هذه الطائفة فضلاً عن جمهورها في ان كل من يدعي الارتباط المباشر والارتباط الملكوتي والارتباط التمثيلي بالامام المهدي  عليه السلام  قبل انقضاء الغيبة الكبرى فهو كافر كذاب ضال مضل منمس  يجب لعنه بمقتضى الآية التي صدّرنا بها البحث وكذلك الفتوى.

 

  ولتقريب الاستدلال على اقتضاء اللعن للمدعي بدلالة الاية نقول: اننا لا نشك في ان من يهدف من خلال حركة او فعل او عقيدة الى اسقاط مذهب اهل البيت عليه السلام  او الانتقاص منه فانه يجب لعنه لأن الله تعالى قد اذن لنا بذلك، وانه تعالى يلعنه، فلا نشك في ان من يفعل ما يوجب توهين المذهب والانتقاص منه فانه يؤذي الله ورسوله وبالتالي فانه يجب لعنه، وحيث ان ما صدر من هؤلاء على اقل وصف نصفهم به انهم وهّنوا مذهب اهل البيتK  فبالتالي يكون مضمون الاية صادقاً عليهم ومنطبقا تمام الانطباق,  هذا اذا لم نقل ان هؤلاء شوّهوا صورة الامام باسم الامام (أي بادعائهم نصرة الامام عليه السلام  وانتسابهم المباشر له)  وصوّروه على انه فرد عاجز لا يتمكن من تحقيق وعد الله   الا بالاستعانة بامثال هؤلاء المتهلوسين , وكذلك صوّروه على انه رجل ينتهك الحرمات ويرتكب ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه, لأنه في نظرهم,  لا اشكال لديهم  في انه  يتقرب   من النساء المحصنات.

 

 والا قل لي بربك كيف خرج احمد من صلب الامام عليه السلام ,  وامه على ذمة رجل آخر! وبالتالي يكون لعنهم والتبرّي منهم أمراً لا يدخله الريب والشك.

 

 يعلم الله ان الامام عليه السلام  يتأذى  ويتفطر قلبه حزناً لما يفعل هؤلاء باسمه، بل لا نشك ان كثيراً من آلام  الامام عليه السلام  وبسبب المصائب التي يراها   تحدث في العالم لهي أهون بكثير عليه مما فعله هؤلاء به من خلال ادعاءاتهم المنحرفة وادعائهم الالتصاق به والتمهيد لظهوره عليه السلام .

 

هذا وان في روايات اهل البيت عليهم السلام ما يشهد على ان من يدعي الولد للامام المهدي ملعون من قبل الله والناس والملائكة اجمعين ويكفي بالرواية التالية  شاهداً على ما قدّمناه:.

 

 جاء في للحسين بن حمدان الخصيبي  أن ابا عبد الله  عليه السلام  قال:   راية مشتبهة لا يدرون امرها ما تصنع.

 

قال المفضل: فبكيت وقلت سيدي وكيف تصنع أولياؤكم؟ فنظر الى شمس قد دخلت في الصفة فقال: ترى هذه الشمس يا مفضل؟ قلت نعم يا مولاي، قال: والله لأمرنا انور وابين منها وليقال ولد المهدي عليه السلام  في غيبته ومات، ويقولون بالولد منه، واكثرهم يجحد ولادته وكونه، اولئك عليهم لعنة الله والناس اجمعين).

 

ومعنى ذلك ان من يقول بان المهدي عليه السلام  صار له اولاد ايام غيبته او يدعي انه ولده فعليه لعنة الله والناس اجمعين.

 

 انه لو كان لا بد ان يكون للامام  عليه السلام  من ولد في عصر الغيبة الكبرى لذكرت لنا الروايات ذلك ولبشّر به الائمة الاطهار  عليه السلام .

 بينما نراهم لم  يكتفوا بعدم ذكرهم له، بل نفوا ذلك كما جاء في هذا الحديث واحاديث اخرى منها:

 -ما رواه الشيخ الطوسي في (الغيبة) في ص ٢٢٤ عن علي بن ابي حمزة انه دخل على الرضا  عليه السلام فقال له: انت امام؟. قال عليه السلام : (نعم، فقال له: اني سمعت جدك جعفر بن محمد عليه السلام  يقول: لا يكون الامام الا وله عقب.  فقال عليه السلام : انسيت يا شيخ او تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر عليه السلام ، انما قال جعفر عليه السلام :

  لا يكون الامام الا وله عقب الا الامام الذي يخرج عليه الحسين بن علي  عليه السلام  فانه لا عقب له، فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدك يقول).

    -وقد روى الصدوق رحمه الله وغيره عن امير المؤمنين  عليه السلام  انه: ((صاحب هذا الامر الشريد الطريد الفريد الوحيد)).

 

يدعي احمد بن الحسن   بانه هو أول المهديين, وهو أول انصار الإمام المهدي ويستدل على كلامه هذا برواية يرويها عن كتاب بشارة الإسلام,  ومضمون الرواية التي ينقلها ناظم العقيلي في كتيب الرد الحاسم تحت عنوان الاضاءة الثالثة (ابن الإمام المهدي) من بشارة الاسلام ما  لفظه: (عن امير المؤمنين عليه السلام  في خبر طويل,  ألا ان اولهم من البصرة وآخرهم من الابدال...), ثم ينقل ليبين  رواية عن الإمام الصادق عليه السلام  حيث يقول ما  لفظه  في خبر طويل سمى به اصحاب القائم عليه السلام : (... ومن البصرة عبد الرحمن بن الاعطف بن سعد واحمد ومريح وحماد).

  ونحن نقف مع هاتين الروايتين ثلاث وقفات,وقفة سندية ووقفة دلالية ووقفة اصولية عقائدية.

  

الوقفة الاولى: البحث الدلالي

  إن هذه الرواية وردت بألسنة متعددة, فقد روى السيد ابن طاووس صاحب الملاحم والفتن  ما  لفظه (فذكر المهدي عليه السلام وخروجه وخروج من يخرج معه واسمائهم إلى أن قال أولهم من البصرة وآخرهم من اليمامة),  وابن طاووس يروي هذه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام  وينقلها عن كتاب الفتن لاحمد بن عيسى بن الشيخ الحساني المعروف بـ أبي صالح السليلي, وهذا الكتاب ليس له نسخة مطبوعة ولا يوجد لهذا الخبر مصدر سوى الملاحم والفتن, ومن حيث السند فان رواة هذا الحديث فضلاً عن كونهم من ابناء العامة فان أغلبهم لم يترجم له, وبالتالي فهذه الرواية بهذا النص ساقطة عن الاعتبار  لانها ليست بحجة في احكام الدين فضلاً عن أن تكون حجة في العقائد.

 اللسان الآخر الذي وردت به هذه الرواية هو ما ينقله جماعة احمد بن الحسن   عن كتاب بشارة الاسلام للسيد مصطفى آل سيد حيدر الكاظمي, أما المصادر الاخرى التي وجدناها تنقل الرواية بهذا اللسان فهو كتاب الزام الناصب للشيخ علي اليزدي الحائري وينقلها تحت عنوان خطبة البيان, وإذا رجعنا إلى كتاب بشارة الاسلام وجدناه ينقلها في   طبعة المكتبة المرتضوية ومطبعتها الحيدرية, وايضاً ينقلها بعنوان خطبة البيان ومما نسب إلى امير المؤمنين عليه السلام, ونحن لسنا بحاجة أن نقف كثيراً مع هذه الخطبة  بعد أن تحدث نفس الشيخ اليزدي الحائري عن , إذ قال في   من بشارة الاسلام (إنا لم نعثر على مستند صحيح لهذه الخطبة المسماة بالبيان ولم يثبتها أحد من المحدثين كالشيخ الطوسي والكليني ونظائرهم, وعدم ذكر المجلسي لها توهين لها لاحاطته بالاخبار, ويبعد عدم اطلاعه عليها مع انها غير بليغة, كثيرة التكرار,  غير بينة الالفاظ) فهذا النص  كافٍ في إسقاط خطبة البيان عن الحجية والاعتماد.

 

  ثمة ملاحظة في غاية الاهمية هي : (ن هؤلاء يزعمون ان احمد بن الحسن بن الإمام المهدي وان هذه البنوة حجة في التلقي حيث يقول احمد بن الحسن في رسالة له بتاريخ ٢٨ شوال ١٤٢٤هـ  (أمرني الإمام المهدي) ويقول في محلٍ آخر من هذا البيان (يا اهل العراق ان أبي قد ارسلني لاهل الارض وبدأ بكم) ويقول في موضع آخر (فلن يطول الامر حتى اعود مع ابي محمد بن الحسن المهدي) ويقول في موضع ومحل آخر (وسيأتيكم ابي غضبان اسفا بما فعلتم بي), ثم يختم رسالته بانه الركن الشديد وبقية آل محمد عليهم السلام  وانه المؤيد بجبرائيل المسدد بميكائيل المنصور باسرافيل.

 

 فمع هذا الزعم الخطير الذي يصل إلى حد العصمة كما صرحوا بها في مواضع ومواطن عديدة من كتبهم نجدهم يكذبون علينا وهذه هي الطامة الكبرى والرزية العظمى كيف يكون المعصوم كاذباً, وهذا التناقض الخطير والانحراف الكبير, فاحمد بن الحسن المؤيد بجبرائيل والمسدد بميكائيل والمنصور باسرافيل يكذب على الناس إذ يستدل عليهم بالاخبار الضعيفة التي ليست لها حجية في فروع الدين فضلاً عن أن تكون لها حجية في اصول الدين ولا يكتفي بذلك بل يبتر النصوص, وينقلها كذباً  فهذا هو نص ما نسب إلى امير المؤمنين ورواه السيد الكاظمي في بشارة الاسلام   ودقق فيه وتأمله جيداً فستجد ان هؤلاء الضالين المضلين مهنتهم الكذب والتزوير والتدليس (فقام إليه جماعة من اصحابه فقالوا سألناك بالله يا ابن عم رسول الله سمهم لنا وعلمنا باسمائهم وامصارهم فقد ذابت قلوبنا من كلامك هذا, فقال عليه السلام : ألا ان اولهم من البصرة وآخرهم من الابدال فاما الذين من البصرة فعلي ومحارب...) ولكي يتضح النص اكثر انقل لكم مقاطع من الكلام المنسوب إلى امير المؤمنين عليه السلام  والتي سبقت كلامه الآنف الذكر حيث قال: (وإن المهدي احسن الناس خلقاً وخلقاً ألا وانه اذا خرج فاجتمع اليه اصحابه على عدد اهل بدر واصحاب طالوت وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً).. .

 

فانت تجد ايها القاريء الكريم أن النص المنسوب إلى امير المؤمنين عليه السلام يصرح في هذا المقطع من أن هؤلاء الرجال وهم انصار الإمام المهدي واصحابه الخاصين يخرجون اذا خرج ويجتمعون اليه بعد خروجه ولا يكونون قبل خروجه وليس لهم حجيةٌ بمعزل عنه, بل وليس لكل فرد منهم حجية قبل خروجه حتى وان ادعى ذلك.

 

  

الوقفة الثانية: البحث الدلالي

  بعد ان تبين ضعف هذا الخبر بل ذهب البعض من العلماء إلى انه موضوع على امير المؤمنين عليه السلام قول انه لا ملازمة بين كون انصار الإمام ثلاثمائة وثلاثة عشر وبين الذين يحكمون بعد الإمام وهم اثنا عشر,  وبين ما يدعي هؤلاء من ان هناك حجية وحاكمية لانصار الإمام أو ذرية الإمام قبل قيام الإمام وظهوره, ثم اننا نؤكد على ان حجية المهديين الاثني عشر وحاكميتهم وان لهم شيئاً من السلطات هو في طول حكومة الإمام المهدي أو حكومة ائمة اهل البيت عليهم السلام  الذين يكونون بعد الإمام المهدي عليه السلام, فلا حجية لهؤلاء الذين هم من ذرية الإمام الحسين عليه السلام وقوم من شيعة اهل البيت عليهم السلام.

 

ان هذه الرواية وامثالها تخالف الضرورات التي قامت في مذهب اهل البيت عليهم السلام من قبيل انقطاع السفارة والنيابة عن الإمام المهدي عليه السلام  بمعنى تلقي الاحكام منه وايصالها إلى الناس مباشرة إلى حين خروجه وظهوره, ومنها انه لا حجية وامامة إلا للائمة الاثني عشر من اهل البيت عليهم السلام, فاذا ما جاءت رواية وتحدثت عن ان هناك امكاناً  للاتصال والارتباط بالامام المهدي عليه السلام  بمعنى السفارة الخاصة فان هذه الاخبار   تصطدم مع تلك الضرورة وتلك السنة القطعية  فلابد من رفضها أو تأويلها, وهذا له نظائر كثيرة عند المسلمين.  فمن هذا القبيل روايات تحريف القرآن فانها حتى وان صح سند بعضها إلا اننا نرفضها لانها تخالف القرآن  وتخالف السنة.

 

 

 

الوقفة الثالثة: اصولية عقائدية

حيث ان هؤلاء يعتقدون بان احمد اسماعيل كاطع رجل معصوم وان له حجية في الدين ويجب على الناس الاقتداء به ولا يجوز اخذ الدين إلا منه, وهذه الدعاوى تنسجم بل هي صريحة في أن ما يدعونه من اصول الدين,  فلابد ان يثبتوا مضامين دعاواهم من سنخ ما تثبت به اصول الدين بمعنى ان تكون الادلة قطعية من حيث الصدور ومن حيث الدلالة وحيث انهم يصرحون في اكثر من كتاب وفي اكثر من مورد ان كل خبر لن يصل حد التواتر لا يوجب العلم وانه من اخبار الآحاد وان اخبار الآحاد ليست حجة في اصول الدين, فهذا تصريح لناظم العقيلي يقول فيه (أن قضية الامامة والنيابة من العقائد والعقائد لا  يجوز فيها التقليد) وكذلك يقول (ان اخبار الآحاد وهي ظنية الصدور لا تصلح للاستدلال العقائدي فلا يجوز العمل بالرواية إلا اذا كانت قطعية الدلالة أي ان لها وجهاً واحداً ولا تحتمل غيره), فهذا الكلام من هؤلاء ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار في محاسباتنا لهم إذ انهم يسقطون رواية السمري عن الاعتبار بحجة انها خبر واحد مع انه وفي نفس الوقت يستعينون باخبار ضعيفة لا تكاد تصل إلى مستوى ما تثبت به مضامين اخبار الآحاد, ومع ذلك يحتجون بها ويتشبثون بمضامينها موهمين الآخرين بان هذه الاخبار حجة في اصول العقيدة خصوصاً الامامة والنيابة, مع انها كما قلنا على احسن احوالها لا تثبت احكاماً فقهية إذ هي تتأرجح ما بين الموضوع, والضعيف والمضطرب والمعارض.

 اذن يتبين لنا ان هذه الرواية التي وقفنا معها ثلاث وقفات   رواية لا تصلح للاستدلال الفقهي فضلاً عن انها لا تصلح للاستدلال العقائدي, اما رواية الإمام الصادق عليه السلام  التي يروونها ايضا عن بشارة الاسلام والتي اخذها السيد حيدر الكاظمي في كتابه  من كتاب غاية المرام, فبعد ان بحثنا عن هذه الرواية وجدنا فيها الآتي:

  إن هذه الرواية مصدرها الاول هو كتاب دلائل الإمامة للمحدث الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير من اعلام القرن الخامس الهجري.

  قال الطبري قال ابو حسان سعيد بن جناح حدثنا محمد بن مروان الكرخي قال حدثنا عبد الله بن داوود الكوفي عن سماعة بن مهران قال سأل ابو بصير الصادق عليه السلام  عن عدة اصحاب القائم عليه السلام  فاخبره بعدتهم ومواضعهم... الخ الرواية.

 

جاء في رواية اخرى  ما  نصه (ومن البصرة عبد الرحمن بن الاعطف بن سعد, واحمد بن مليح وحماد بن جابر).

فهذه الرواية فضلاً عن انها ضعيفة السند بمحمد بن مروان وعبد الله بن داوود فهي أيضاً لا تدل على ما يدعيه هؤلاء,  إذ ان الرواية تصرح انه احمد بن مليح وليس احمد بن الحسن أو احمد بن اسماعيل كاطع فضلاً عن ان الرواية تتحدث عن اصحاب الإمام عليه السلام  الـ ٣١٣ الذين يخرجون مع الإمام المهدي عليه السلام  وليس قبله و(اذا صح من احمد السلمي أن يدعي من هذه الرواية حجيته فلابد ان يدعي ٣١٣ شخص من مختلف البلدان حجيتهم أيضاً تبعاً لهذه الرواية الضعيفة السند المجملة الدلالة), (ثم ان نفس السيد حيدر الكاظمي صاحب بشارة الاسلام يعلق على هذه الرواية بقوله: (هذه النسخة كثيرة الغلط وقد سقط منها بعض الحروف وبدل بعضٌ...) فكيف يريد منا احمد البصري أن نطمئن إلى رواية مجملة قد سقط منها وأضيف وحذف بعض حروف كلماتها, ولعل احمد بن الحسن أيضاً زاد أو نقص في حروفها كما فعل في روايات اخرى, عجباً من هذا المعصوم.!

اضافة إلى  ذلك:  قد وردت عندنا جملة من الروايات تقول ان اول  الدجالين من البصرة, حيث جاء في كتاب الملاحم والفتن للسيد بن طاووس  ومن خطبة لامير المؤمنين بالكوفة قال فيها: (... ألا وكل من خرج من ولدي قبل المهدي عليه السلام  فإنما هو جزور, واياكم والدجالين من ولد فاطمة فان من ولد فاطمة دجالين ويخرج دجال من دجلة البصرة, وليس مني وهو مقدمة الدجالين كلهم).

  

 فهذا الحديث يصرح بان هذا الدجال الذي يدعي انه من ولد فاطمة هو ليس من امير المؤمنين وانما هو يدعي ذلك.!

 الحركات الشاذة التي طلعت على المسلمين طيلة الفترات التاريخية كانت تستند إلى دعاوى كاذبة لكنها مرتبة بطريقةٍ يدخلُ فيها شياطين الإنس والجن لتنميتها وتقديمها إلى جمهورٍ ساذج بسيط يقتنع بدعاواها الكاذبة، ولا تمر فترة حتى تنكشفُ خزعبلات هذه الدعاوى، فمن نبوءة مسيلمة الكذاب الزائفة, إلى نبوءة سجاح الضالة إلى غيرها من جنون الدعاوى التي ضحكت على أذقان البعض وانكشف لهم أخيراً زيفها.

  لكن هذه الدعاوى كانت لا تخلو من استدلالات وإن كانت موهمة لكنها منسقة بشكلٍ ينطلي على البسطاء.. إلا أن ما طالعتنا به حركة اليماني الأخيرة (حركة احمد بن الحسن) من ادعاءات غير معقولة ولا متصورة، وكأن هذا المدعي يعيش خارج الكرة الأرضية ويتعامل مع أناس لا يعرفون منطق الاستدلال ـ وإن كان وهماً ـ بشكل يقال عنهم انهم أُخذوا بمغالطات فيها من التحايل ما يفوت على غير النبيه.. وحركة اليماني تغالط في كثير من المبادئ التي دعت لها وذلك للنقاط التالية:

 

أولاً: انها تدعو إلى نصرة اليماني المقيم في البصرة، في حين أن اليماني سمي باليماني نسبةً إلى إقامته في اليمن ومجيئه من اليمن كذلك.

 ثانياً: أعلن هذا الدعي أن اسمه أحمد بن الحسن وهو ابن الإمام المهدي في حين أن الإمام المهدي هو محمد بن الحسن عليه السلام فكيف يكون أحمد بن الحسن ابناً للإمام محمد بن الحسن.

 

 ثالثاً: يدعو هذا المهووس إلى نصرته وعدم الخروج عن طاعته ويخاطب في بيان أصدره إلى كون الذين يحاطون بالإمام ويختصون به على أتم الاستعداد لنصرته وطاعته وإلا فهم معرضون إلى سخط الله وغضبه، فإذا كان هؤلاء قريبين من الإمام فكيف يأمرهم هذا المهووس بالطاعة له وإلا تعرضوا لغضب الله مع أن قربهم من الإمام عليه السلام لا يكون إلا بسبب طاعتهم ومقدار ملازمتهم لأوامره عليه السلام.

 

رابعاً: حاول أن يستعين بأحد الدجالين المعروف بـ (حيدر مشتت) ويدعي هذا الأخير أنه التقى بالإمام المهدي عليه السلام في الرؤيا وأوصاه هو وأحمد بن الحسن أن ينصرا الإمام وهو محتاج إلى نصرتهما في ثورته وهو شيء يثير السخرية، فالثورة الإلهية العالمية للإمام المهدي هي بحاجة إلى هذين الشخصين وليس للمدد الإلهي ولأخيار الناس وللعلماء، ثم متى جعلنا المنامات هي ملاكات لأحكام المكلفين؟ إنْ هذا إلا اختلاق.

 

خامساً: إن الروايات تشير إلى أن اليماني لابد أن يزامنه عند خروجه ظهور السفياني والخراساني، إذ ورد عن الإمام الباقر عليه السلام (.. خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة وفي شهر واحد وفي يوم واحد ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً..) أي أن هناك تلازما فيما بين اليماني والخراساني من جهة وبين السفياني من جهة أخرى، فادعاء خروج أحدهم دون الآخرين غير صحيح، إذ أن الإمام عليه السلام أكد على هذه الملازمة والترتيب بقوله عليه السلام ونظام يتبع بعضه بعضاً، إذن فمن غير الممكن أن ندعي خلاف ما قاله الإمام عليه السلام من تلازم خروج الثلاثة، وادعاء ذلك دجل واحتيال، بل وتكذيب لأقوال الإمام عليه السلام. وهكذا يحاول هؤلاء استغلال عواطف الناس ومحبتهم ليعملوا على تمرير مدعياتهم وابتزاز البسطاء من الناس لاستخدامهم دروعاً بشرية من أجل الاحتماء بتصديقهم وإظهارهم بمظهر الواعي لقضيته والمصدق لدعواه الضالة.

 

 

 

إن هذا الهوس لم يكن غريباً في عالم المدعيات المهدوية فقبله ادعى الكثيرون من الذين سَخِر منهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وأنساهم أنفسهم، فالذي يدعي أنه ابن علي بن أبي طالب مع وجود أهله وإخوانه وفي أوساطهم فهو ليس إلا أداة للشيطان تتهاوى تحت أعتاب إرادته كل عقول أولئك الذين اتبعوه وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) ولم يجنوا سوى الخيبة والخسران.

 

 

 

وهكذا هي سلسلات الدعاوى المهدوية، ففي المجتمعات السنية أحصى الباحثون أكثر من عشرين دعوى مهدوية وفي مناطق مختلفة من العالم العربي والإسلامي، بل تجاوزت هذه المدعيات إلى مدعيات نبوة, ففي مصر ادعى أحدهم مؤخراً أنه نبي مرسل من قبل الله, وكذلك في المغرب, وفي الكويت وفي غيرها من البلدان، إلاّ أن ذلك لم يُحدث أي رد فعل إعلامي سوى ما يحدث هنا في العراق، فالإعلام بات مهووساً بتداعيات كل ما يجري في هذا البلد.

 

 

 

إن ما يؤسف له أن يكون الإعلام حاضراً لاستغلال أمثال هذه المدعيات لا لأجل توعية الناس بل من أجل أن يزرع الفرقة بين العراقيين.

 

 

 

إننا ندعو جميع ذوي الشأن من التعامل مع هذه الأحداث بجديةٍ كاملة وبمستوى المسؤولية، ونحذّر من مغبة الوقوع بمثل هذه الفتن وهذه المدعيات، فالجماعات التي تدعي بأنها أسست على أساس فكري سوف تنمو إلى قوة مسلحة تخرج على القانون ما دامت هناك دول جوار لا تريد الاستقرار للعراق ولشعبه المظلوم، وما دامت هناك أموال مخابرات دولية تحاول جاهدة تنمية هذه الانحرافات وتقوية هذه الاتجاهات.

 

 

 

إننا نؤكد أن ألاعيب المؤامرات سوف تُهزم وأن قضية الإمام المهدي عليه السلام أكبر من هذه الأباطيل وأن كل محاولات الأعداء تعمل جاهدةً من أجل تسخيف قضية الإمام المهدي وإفراغ محتواها الإلهي، كما أن أعداء الدين يريدون أن يقنعوا البسطاء من الناس أن قضية الإمام المهدي عليه السلام لم تكن حقيقية بل هي قضية دعاوى زائفة ليس أكثر، كما أننا نطالب في الوقت نفسه جميع العوائل المؤمنة إلى مراقبة توجهات أبنائها وعقائدهم وطريقة تفكيرهم، وبالخصوص محاولة مراقبة علاقاتهم وانتماءاتهم وأن لا يتركوا هذه الذئاب تنهش أفكارهم وعقائدهم وتحرف اتجاهاتهم.

 

 

 

إن هذه الحركات بدأت أولاً بتسقيط رموز المرجعية ومحاولة إلغاء دور المرجع في المجتمع إضافة إلى إلقاء دعايات على ألسن العوام والبسطاء لاتهام الحوزة والمراجع بتهم عدة منها عدم الاهتمام بأمور الناس والاستئثار بالأموال وأن هذه الحقوق لا تذهب إلا إلى حاجاتهم الشخصية وحياتهم الخاصة وأنهم غير جديرين بقيادة مجتمع وأمة، وهكذا إلى آخره من التسقيطات التي يتبناها حتى أبناء الطائفة أنفسهم، وهدف هذه الحركات واضح إذ بعد تسقيط هذه المرجعيات تعمل هذه الحركات حسب مشتهياتها لكي تلغى دور المرجع لئلا يقف عائقاً أمامها، وبهذا تحاول هذه الحركات المشبوهة الإساءة لمفاهيم المرجعية فضلاً عن الإساءة لمفاهيم المهدوية.

 

 

 

وبهذا نؤكد أن جميع هذه الحركات خاسرة وخائبة وغير قادرة على تغيير المسارات الإلهية التي أراد الله تعالى أن يكون لها شأنها ومكانها في المسيرة الحقة.

 

 

 

إن نور الإمام لا تطفئه هذه العواصف الخائبة لأنها أقل من أن تقف أمام الإرادة الإلهية التي أكدت بقوله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).

 

 

Powered by Vivvo CMS v4.7